مصر تسعى لوضع حد للصراع في السودان قبل انتقاله إلى حدودها

القاهرة- وصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى القاهرة، الاثنين، في أول زيارة بعد انتصارات عدة للجيش على قوات الدعم السريع، وفي وقت تشهد فيه الحرب تحولات على مستوى التكتيكات وتلويح الدعم السريع بنقلها إلى الولاية الشمالية، على مقربة من الحدود الجنوبية لمصر.
وتريد القاهرة وضع حد للحرب في السودان قبل أن تلقي بالمزيد من ظلالها القاتمة على الحدود المصرية، حيث طالت طائرات الدعم السريع المسيّرة خلال الأيام الماضية محطات كهرباء، وسدودا للمياه بما يضاعف أزمة الأمن المائي في مصر.
وتناول لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقائد الجيش السوداني التطورات الميدانية في السودان، والتقدم العسكري الذي حققته قوات الجيش باستعادة السيطرة على الخرطوم، واتفقا على تكثيف الجهود لتوفير الدعم والمساعدة للسودانيين في مناطق الحرب.
وتزامنت زيارة البرهان إلى القاهرة مع تنامي الهواجس المصرية من أن يقود أيّ اتفاق بين روسيا والسودان بشأن تشييد قاعدة عسكرية في البحر الأحمر لتوفير المزيد من الدوافع الأميركية لعسكرة المنطقة، وبالتالي ارتفاع وتيرة تأثر حركة الملاحة.
وجاءت زيارة قائد الجيش السوداني بدعوة من الرئيس المصري، بما يشي بخطر بدأت تدركه القاهرة من شكل التحولات الجديدة في سياسة الولايات المتحدة حيال البحر الأحمر، بعد طلب الرئيس دونالد ترامب مرور سفن بلاده عبر قناة السويس مجانا.
ويرى مراقبون أن القاهرة تتحوط من تغيير معادلة الأمن في البحر الأحمر مع توجه الولايات المتحدة نحو تحقيق استفادة تجارية عبر تواجد أساطيل بحرية لها في المنطقة لمجابهة جماعة الحوثي في اليمن، وقد يصبح الوجود الروسي المحتمل دافعا إلى المزيد من الضغط على الدول المتشاطئة، ومن بينها السودان.
ويضيف المراقبون أن حدوث توتر أميركي – روسي في البحر الأحمر في أيّ وقت لن يكون في صالح القاهرة والخرطوم، فقد تتذرّع واشنطن بمجابهة التوتر في المنطقة والإيحاء بوجود خطر يمثله أيّ تواجد عسكري لموسكو في البحر الأحمر.
وعلى الرغم من حديث وزير الخارجية السوداني المُقال أخيرا علي يوسف بأن بلاده أنهت اتفاقا مع موسكو لإقامة قاعدة بحرية، إلا أن روسيا لم تؤكد الأمر رسميا وعلنا، ما يشير إلى أن السودان أكثر حرصا على إتمام اتفاق يساعده في الحصول على أسلحة متنوعة في مواجهة الدعم السريع وإعادة بناء الجيش، وضمان تحييد موسكو حيال تقديم مساعدات عسكرية للدعم السريع، ما يفرض على البرهان تقديم توضيحات للقاهرة، والتي تتوجس من وجود قواعد أجنبية بالقرب من حدودها.
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة إن زيارة البرهان إلى القاهرة ركزت بشكل رئيسي على البحر الأحمر، خاصة أن مياه نهر النيل ترتبط بشكل أو بآخر بأمن البحر الأحمر، وتجعل هناك خصوصية مزدوجة مع الخرطوم، والحاجة إلى تنسيق دائم مع السودان.
وأوضح لـ”العرب” أن مصر تدرك أن إقامة قاعدة روسية أمر صعب في الوقت الحالي، على الأقل، والأولوية للتعامل مع روافد الصراع في السودان، وتحرك البرهان باتجاه قوى دولية مختلفة يأتي لتأكيد الشرعية والاعتراف بسلطته، فيما تركز مصر على أن يكون البحر الأحمر خاليا من أيّ توترات تؤثر على حركة الملاحة.
وذكر الدبلوماسي المصري المخضرم في شؤون السودان أن القاهرة تتطلع إلى لعب دور أكبر لتسوية الأزمة في السودان، ليتسنّى توسيع أطر التعاون المشترك، كاشفا عن توجه نحو إجراء حوار سوداني – سوداني شامل قريبا، إلى جانب رغبة مصر تسهيل العودة الطوعية للمواطنين السودانيين إلى بلدهم، والمشاركة في جهود التعافي المبكر وإصلاح البنية التحتية بشكل سريع.
وتضمنت زيارة مدير المخابرات المصرية حسن محمود رشاد إلى بورتسودان مؤخرا، تقديم تطمينات سودانية بشأن تأمين الولاية الشمالية والحدود الجنوبية لمصر عسكريا، عقب تكرار قوات الدعم السريع الحديث عن اجتياحها.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية في السودان محمد خليفة صديق أن ملف الحرب تصدّر نقاشات السيسي والبرهان في القاهرة، وهناك تعويل على دور أكبر لمصر في وقف الحرب خلال الفترة المقبلة عبر تنشيط مبادرة دول الجوار، أو جمع السودانيين على مائدة التفاوض، والتطرق إلى ملف العودة الطوعية وكيفية تسهيلها مع عودة حوالي 200 ألف سوداني من مصر إلى ولايات سودانية مؤخرا.
وشدد صديق في تصريح لـ”العرب” على أن البرهان قدم تطمينات للقاهرة بشأن طبيعة التواجد الروسي على سواحله، في ظل حاجة الخرطوم إلى دعم الطاقة والتأكيد على أن الجوانب العسكرية ليست رئيسية في ما يتعلق بالقاعدة اللوجستية، وإذا قدمت مصر المزيد من المساعدات المرتبطة بالربط الكهربائي والمساعدات العسكرية يمكن أن يقلص ذلك من احتياجات السودان إلى روسيا في الوقت الراهن.
وقال بيان صدر عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية، الاثنين، إن المباحثات تطرقت إلى سبل تعزيز التعاون والمساهمة المصرية الفعالة في جهود إعادة الإعمار وتأهيل ما أتلفته الحرب في السودان، ومواصلة المشروعات المشتركة في عدد من المجالات الحيوية، مثل الربط الكهربائي، والسكك الحديدية، والتبادل التجاري، والثقافي والعلمي، والتعاون في مجالات الصحة والزراعة والصناعة والتعدين، بما يحقق هدف التكامل المنشود بين البلدين، والاستغلال الأمثل للإمكانيات الضخمة للبلدين وشعبيهما.