التلفزيون الإيراني يطرد مسؤولين عن برنامج مسيء للسنة.. استفزاز ليس في وقته

تحاول السلطات الإيرانية الابتعاد عن استفزاز العرب وإثارة غضبهم في ظل تراجع نفوذها وسطوتها في المنطقة، فقررت إيقاف مسؤولين في التلفزيون الإيراني بسبب بث برنامج مسيء للسنة، ما يعكس تحوّلا في السياسة الإعلامية.
طهران - أعلنت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية عن طرد المسؤولين عن بث برنامج مسيء لأهل السنة وملاحقتهم قضائيًا، في حادثة تعكس تحولا في الخطاب الاعلامي وعدم الرغبة في استفزاز العرب وخصوصا السعودية بعد انحسار نفوذ طهران ودعايتها، تقابل ذلك تهدئة سعودية على مواقع التواصل وفي الإعلام.
وبثت القناة الأولى للتلفزيون الإيراني في برنامج “سيماي خانواده” الأربعاء الماضي مقطعًا قصيرًا مسجلاً أهان فيه أحد الأشخاص معتقدات أهل السنة، في الوقت الذي كان فيه وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان يجري زيارة إلى طهران. وفي أعقاب ذلك أعلنت السلطات عن طرد مديرين اثنين من القناة الأولى وإحالة ثمانية أشخاص إلى الجهات القضائية.
وأصدرت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في 23 أبريل بيانًا رسميًا اعتذرت فيه لأهل السنة، وأعلنت أن بث البرنامج كان “خطأ لا يُغتفر ومشبوها،” وأكدت أنها أحالت 8 أشخاص إلى القضاء فور بث البرنامج.
وجاء في البيان أن مدير مجموعة الإنتاج المعنية ومدير البث في القناة الأولى تم عزلهما من منصبيهما. كما أصدر رئيس المؤسسة تعليمات تقضي بتشكيل لجنة على وجه السرعة للتحقيق في الموضوع ومتابعته.
مسؤولون حكوميون يروجون لقرار الطرد ويشيدون به لإعطائه صدى وتحسين صورة القائمين على التلفزيون الإيراني
بالإضافة إلى البيان تفاعل بيمان جبلي، رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، مع الموضوع في منشور وصف فيه الحادث بأنه “فتنة” و”جهل متطرف لا يُغتفر.”
وروج المسؤولون الحكوميون القرار لإعطائه صدى واسعا وتحسين صورة القائمين على التلفزيون، حيث أصدر مصطفى محمي، ممثل الولي الفقيه في محافظة بلوشستان، ومنصور بيجار، محافظ المحافظة من أهل السنة، بيانًا مشتركًا الخميس أعربا فيه عن تقديرهما لـ”التعامل السريع والحاسم من قبل الإذاعة والتلفزيون في عزل العناصر المخطئة وإحالتها إلى القضاء.”
وكتبا أن المتورطين في هذا البرنامج، سواء عن قصد أو دون قصد، كانوا “خدمًا لأعداء الإسلام،” وأن التعامل الحازم معهم يمكن أن يمنع تكرار مثل هذه الحوادث.
ويؤكد متابعون أن القرار لا يعدو كونه محاولة لعدم إثارة الغضب في المنطقة بشكل مجاني في الوقت الذي تنامت فيه مشاعر العداء لإيران وانحسر نفوذها بخسارة أهم وكلائها.
ونشرت حسابات سعودية “تدار رسميا” على إكس الخبر واحتفت به، فيما كانت توحي بـ”انتصار سعودي” في سياق سياسي حساس في المنطقة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الأمر في الإذاعة والتلفزيون، غير أن المحاسبة العلنية والضجة التي يثيرها المسؤولون حول رفضهم الإساءة الى السنة مؤقتتان ومن يجري طردهم يتم تعيينهم في مناصب أخرى بعد انتهاء العاصفة.
ففي مايو 2019، خلال بث حفل على القناة الخامسة، أمسك أحد الأشخاص بالميكروفون ولعن الخلفاء الراشدين. وتبين لاحقًا أن هذا الشخص هو أحد قدمي صهر شقيقة محمود أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني الأسبق.
وفي ذلك الوقت تفاعلت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، التي كان يرأسها عبدالعلي علي عسكري، بسرعة واعتذرت، وأعلنت طرد جواد رمضان نجاد، مدير القناة الخامسة، بالإضافة إلى المنتج ومشرف البرنامج ومدير البرنامج الذي تضمن إهانة أهل السنة.
ولاحقا تم تعيين مدير القناة الخامسة السابق، الذي طُرد سابقا، رئيسًا لمنظمة البسيج في 2022، وفي 22 أبريل الجاري عُين رئيسًا لمنظمة تنظيم الصوت والصورة في الفضاء الافتراضي (ساترا) بقرار من بيمان جبلي.
وعلى الرغم من أن العديد من مؤيدي النظام الإصلاحيين والمحافظين تفاعلوا مع الحادث الأخير، وغطت وسائل الإعلام أخبار توبيخ وطرد بعض المتورطين، إلا أن مستوى ردود الفعل يبدو أضعف بكثير مقارنة بعام 2019 عندما طُرد مدير القناة الخامسة.
كما أن عودة العناصر إلى الإذاعة والتلفزيون رغم الإعلان عن طردهم، مثل رمضان نجاد، تُظهر أن المؤسسة تعيد المتورطين إليها بعد تهدئة الأجواء.
ورجحت مصادر إعلامية أن الإعلام الإيراني يحاول تهدئة اللهجة ضد السعودية وبلدان الخليج، في هذا الوقت الحرج بالنسبة إلى إيران وتراجع تأثيرها، إذ أن مصالحها اليوم تقتضي المرونة والابتعاد عما يثير غضب واستفزاز العرب كما حصل بعد الاتفاق السعودي – الإيراني الذي أنهى قطيعة دامت سبع سنوات.
وبرز ملف الإعلام على رأس الملفات ذات الأولوية بين القوتين الإقليميتين خلال التوقيع على الاتفاق. وكشف مسؤول سعودي أن محادثات بكين شهدت أيضا تجديد التزام الجانبين بعدم مهاجمة بعضهما البعض في وسائل الإعلام.
متابعون يؤكدون أن القرار لا يعدو كونه محاولة لعدم إثارة الغضب في المنطقة بشكل مجاني في الوقت الذي تنامت فيه مشاعر العداء لإيران
وقد حرصت إيران على أن تسيطر على جانب من الوعي العربي العام، من خلال وسائل إعلامها الناطقة بالعربية التي تنشر مباشرة المواد الموجهة للعالم العربي، أو تقوم بترجمة المواد الفارسية من وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية إلى اللغة العربية، وهي تنافس بهذه الآلية الدول الكبرى في العالم والدول الإقليمية غير العربية التي دشنت هي الأخرى منصات باللغة العربية لمخاطبة الرأي العام العربي والتأثير فيه.
ويشير التنوع الكبير في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية إلى الإنفاق الإيراني الواسع على هذا القطاع المستهدف أن يكون عائده المباشر هو التأثير السياسي لتحقيق المصالح الجيواستراتيجية والمنافع الاقتصادية. ويقول خبراء إن إيران قد تصدر تعليمات لإعلامها تقضي بالتهدئة خلال الفترة القادمة إلى حين تقييم الوضع والحصول على المكاسب المرجوة من الاتفاق.
ولطالما تم توجيه الانتقادات إلى “إزدواجية فجة” للنظام الإيراني الذي يمتلك ترسانة إعلامية ضخمة موجهة للمشاهد العربي، تندرج ضمن المنظومة الإعلامية للمحور الولائي، نسبة إلى الولي الفقيه في إيران، وتبث مواد مكثفة تخص قضايا البلدان العربية، تسوّق وجهة النظر الإيرانية وتنشر الفوضى وتحرض على الأنظمة العربية.
وفي العام 2011 أنشأت جماعة الحوثيين المدعومة من إيران قناة “المسيرة” كوسيلة إعلامية رسمية باسمها، تبثّ من الضاحية الجنوبية في لبنان، وتضمّ طاقما إعلاميا وميدانيا معظمه لبناني، إلا أن المموّلين يمنيون. وتستفيد من القمر الاصطناعي الخاص بـ”تلفزيون المنار” التابع لحزب الله. وتعتبر قناة “المسيرة” بمثابة وكالة أنباء رسمية ناطقة باسم الحوثيين، وتوزّع الأخبار للقنوات والمواقع الإلكترونية التابعة للحوثيين.
وبعد مرور عامين على إنشاء قناة “المسيرة” أطلق الحوثيون في العام 2013 قناة “الساحات” الإخبارية. وتعاقب عدد من المديرين على القناة التي جرى إطلاقها رسميا من العاصمة اللبنانية في يوليو من عام 2013. وتبث هذه المحطات من مواقع محددة في الضاحية منذ أكثر من عشر سنوات من دون أن يحرك المسؤولون في الدولة اللبنانية ساكنا، ومعظمهم على علم بها.
ولا يقتصر دعم حزب الله على احتضان الشبكات الإعلامية التابعة للحوثيين، بل يمتد إلى تدريب العاملين في القطاع الإعلامي، لاسيما ما يُعرف بـ”الإعلام الحربي”، من خلال إخضاعهم لدورات وتخريجهم لاحقا.