ملف النيل وإعمار السودان أولويات قمة السيسي والبرهان في القاهرة

القاهرة – أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان الاثنين رفضهما "الإجراءات الأحادية" في حوض النيل في إشارة واضحة إلى ملف سد النهضة الإثيوبي، ذلك بالتزامن مع مساعي القاهرة لتعزيز دورها في إعادة إعمار السودان، مقابل دعمها للجيش في صراعه الدائر.
وأفادت الرئاسة المصرية، في بيان، بأن السيسي والبرهان "عقدا جلسة مباحثات مغلقة، تلتها جلسة موسعة بمشاركة وفدي البلدين"، عقب وصول الأخير إلى القاهرة في زيارة غير معلنة المدة.
وشهد اللقاء "تبادل وجهات النظر والرؤى حول الأوضاع الإقليمية الراهنة، لاسيما بحوض نهر النيل والقرن الأفريقي".
و"تم الاتفاق على مواصلة التنسيق والعمل المشترك لحفظ الأمن المائي للدولتين، ورفض الإجراءات الأحادية بحوض النيل الأزرق"، وفق البيان
وأكد البيان على "إعمال القانون الدولي لتحقيق المنفعة المشتركة لجميع الأشقاء بحوض النيل"، وهو ما يعكس عمق التحالف الاستراتيجي بين القاهرة والخرطوم في مواجهة التحديات المشتركة، خاصة في ملف سد النهضة، فمصر والسودان تتشاركان مخاوفهما المشروعة بشأن تأثير الملء والتشغيل الأحادي للسد على حصصهما التاريخية من مياه النيل، والتي تمثل شريان الحياة لاقتصاديهما وشعبيهما.
ويأتي التأكيد المشترك على رفض "الإجراءات الأحادية" وإعمال القانون الدولي بمثابة رسالة قوية لإثيوبيا والمجتمع الدولي بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يراعي مصالح الدول الثلاث.
وتطالب مصر والسودان منذ سنوات بإبرام اتفاق ثلاثي قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي الذي بدأ بناؤه على النيل في 2011، خاصة في أوقات الجفاف، لضمان استمرار تدفق حصصهما من مياه النهر. بينما تعتبر إثيوبيا أن اتفاق إعلان المبادئ، الذي وقعته مع مصر والسودان عام 2015، كافٍ، وتؤكد أن السد مهم لجهود التنمية ولن يضر بمصالح أي دولة أخرى.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن التصريحات المشتركة بين السيسي والبرهان بشأن ملف النيل لن تغير شيئًا في الموقف الإثيوبي المتصلب. ويرجحون أن هذه التصريحات موجهة بشكل أساسي للاستهلاك المحلي، بهدف طمأنة الرأي العام في البلدين بشأن حرص القيادة على حماية حقوقهما المائية. ويرى هؤلاء المراقبون أن الملف الأكثر إلحاحا في الوقت الحالي هو إعادة إعمار السودان، الذي يعاني من دمار هائل جراء الحرب الأهلية.
كما تناول اللقاء "سبل تعزيز التعاون الثنائي، والمساهمة المصرية الفعالة في جهود إعادة إعمار وإعادة تأهيل ما أتلفته الحرب بالسودان". وفقا للبيان.
وشملت المباحثات دفع المشروعات المشتركة في قطاعات الربط الكهربائي، والسكك الحديدية، والتبادل التجاري، والثقافي، والعلمي، والصحة، والزراعة، والصناعة، والتعدين، وغيرها. هذه المشروعات تمثل حجر الزاوية في تحقيق التكامل المنشود بين البلدين واستغلال إمكاناتهما الهائلة.
ومنذ أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
وبالنسبة للأزمة السودانية، فقد ناقش الزعيمان "التطورات الميدانية الأخيرة في السودان، والتقدم الميداني الذي حققته القوات المسلحة السودانية باستعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم". حسب البيان.
واتفق الجانبان على ضرورة تكثيف الجهود لتوفير الدعم والمساعدة اللازمين للمدنيين السودانيين المتضررين من الحرب التي دخلت عامها الثاني وخلفت أزمة إنسانية حادة.
ويعكس الدعم المصري للجيش السوداني بقيادة البرهان موقفا تقليديا للقاهرة الداعم لاستقرار ووحدة السودان. وتأتي هذه الزيارة في وقت تشهد فيه موازين القوى على الأرض تحولا لصالح الجيش السوداني، مما قد يشجع القاهرة على تعزيز دعمها للبرهان في سعيه لاستعادة السيطرة على كامل الأراضي السودانية.
ومع ذلك، يثير هذا الدعم المصري تساؤلات حول مستقبل العملية السياسية في السودان ومشاركة الأطراف الأخرى في بناء سودان مستقر وموحد. كما أن طول أمد الأزمة السودانية وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية تمثل عبئًا إضافيًا على مصر التي تستضيف بالفعل أعدادا كبيرة من اللاجئين السودانيين.
وقد تناقصت بوتيرة متسارعة في الفترة الأخيرة مساحات سيطرة قوات الدعم السريع لصالح الجيش في أغلب ولايات السودان الـ18. وتسارعت انتصارات الجيش في ولاية الخرطوم، بما شمل السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات بمحيطه، والمطار، ومقار أمنية وعسكرية.
وفي الولايات الـ17 الأخرى، لم تعد الدعم السريع تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 ولايات من أصل 5 بإقليم دارفور (غرب).
يمثل لقاء السيسي والبرهان محطة مهمة في تعزيز التنسيق الاستراتيجي بين البلدين في مواجهة التحديات الإقليمية والمحلية. لكن يبقى تحقيق الأهداف المشتركة، سواء في ملف مياه النيل أو في تحقيق الاستقرار في السودان، مرهونًا بتطورات الأوضاع على الأرض وبالقدرة على حشد دعم إقليمي ودولي لهذه الجهود.