مؤتمر الوحدة الكردية يثير غضب دمشق: لن نقبل بفيدرالية في سوريا

الأكراد أمام تحد صعب لإقناع سوريا وتركيا برؤيتهم.
الاثنين 2025/04/28
محطة فارقة

سارعت الرئاسة السورية إلى رفض مخرجات مؤتمر الوحدة الكردية، لاسيما ما تعلق منها بقيام دولة لامركزية، الأمر الذي يضع الأكراد أمام تحد كبير يستوجب منهم حشد الدعم الداخلي والإقليمي والدولي لمنح رؤيتهم زخما أكبر لفرضها.

القامشلي (سوريا) - شكل مؤتمر “وحدة الصف والموقف الكردي في روج آفا” محطة فارقة بالنسبة إلى أكراد سوريا، حيث نجح المشاركون فيه في بلورة تصور مشترك للدولة السورية وحضور المكون فيها، لكن تجسيد هذا التصور يبقى التحدي الأبرز، لاسيما في علاقة بموقف دمشق ومن خلفها أنقرة منه وخصوصا ما تعلق بالمطالبة بدولة ديمقراطية في سوريا عمادها اللامركزية.

وأعلنت الرئاسة السورية في بيان، الأحد، عن رفضها المطلق لأي شكل من أشكال الفيدرالية في البلاد، مشددة على أن وحدة سوريا أرضا وشعبا خط أحمر، وأن أي تجاوز لهذا الثابت يُعد خروجاً عن الصف الوطني ومساسا بالهوية السورية الجامعة.

ولفتت الرئاسة إلى أن الاتفاق الذي جرى بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، قبل نحو شهرين، شكّل خطوة إيجابية نحو التهدئة والانفتاح على حل وطني شامل. لكن “التصريحات والتحركات الأخيرة لقيادة قسد الداعية إلى الفيدرالية تتعارض مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد.”

ووقع الرئيس السوري وقائد قوات سوريا الديمقراطية في العاشر من مارس الماضي على اتفاق تضمن تفاهمات أولية، حول مستقبل الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا، وشملت هذه التفاهمات دمج الأجهزة العسكرية والمدنية في الإدارة الكردية داخل الدولة السورية، لكن من دون التطرق إلى تفاصيل هذا الدمج، حيث تم ترك الأمر للجان مختصة.

هاكان فيدان: لن نقبل بوجود جهة تحمل السلاح خارج سلطة دمشق
هاكان فيدان: لن نقبل بوجود جهة تحمل السلاح خارج سلطة دمشق

وقال بيان الرئاسة السورية إن الاتفاق هو بناء حين يُنفذ بروح وطنية جامعة، بعيدا عن المشاريع الخاصة أو الإقصائية، مشددا على رفض أي محاولة لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل.

ورفضت الرئاسة ما اعتبرته استئثار قسد بالقرار في شمال شرقي سوريا، مؤكدةً أن المنطقة تضم مكونات أصيلة من عرب وأكراد ومسيحيين وغيرهم، مضيفة “مصادرة قرار أي مكون واحتكار تمثيله أمر مرفوض، فلا استقرار ولا مستقبل دون شراكة حقيقية وتمثيل عادل لجميع الأطراف.”

وأعرب البيان عن قلق عميق إزاء بعض “الممارسات التي توحي بتوجهات خطيرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق،” ما يهدد النسيج الاجتماعي السوري ويضعف فرص الحل الوطني الشامل.

وجددت الرئاسة تأكيدها أن حقوق الأكراد، كسائر مكونات الشعب السوري، مصونة في إطار الدولة الواحدة، على قاعدة المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون، دون الحاجة إلى أي تدخل خارجي أو وصاية أجنبية.

ويعكس موقف الرئاسة السورية أن مشوار الأكراد لن يكون سهلا في إقناع دمشق ومن خلفها أنقرة بأهمية رؤيتهم للحل في سوريا.

ويرى مراقبون أنه سيكون على الأكراد التحرك من أجل حشد الدعم الداخلي والخارجي لرؤيتهم، لكن الخوف هو من تحرك مباغت لدمشق وأنقرة.

ولطالما عانى الأكراد في سوريا من التهميش في ظل نظام مركزي قامت عليه سوريا لعقود، ويرى الأكراد أن الإبقاء على هذا النظام أمر لا يمكن القبول به، وهو ردة إلى الوراء ولا يتناغم مع تطلعات السوريين خلال العهد الجديد، لكن القيادة السورية ومن خلفها تركيا لهما موقف مغاير.

وسبقت بيان الرئاسة السورية تصريحات لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، شدد من خلالها على أن تركيا لا تقبل بأي تدخل يستهدف وحدة الأراضي السورية أو يمس سيادتها، مشيرًا إلى أن بلاده لا تقبل أيضًا بوجود جهة تحمل السلاح خارج سلطة الحكومة المركزية في سوريا.

وأشار فيدان خلال مؤتمر صحفي عقد في الدوحة الأحد مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى أن أنقرة ترغب في رؤية دستور وحكومة في سوريا تضمن إعطاء فرص متساوية لجميع المكونات في البلاد، لافتًا إلى أن دمشق أقدمت على خطوات إيجابية في هذا السياق.

وتنظر دمشق وأنقرة إلى أي تحرك من قبل الأكراد على أنه تهديد للأمن القومي ومقدمة للتقسيم، رغم أن الأكراد أوضحوا خلال المؤتمر وأيضا في بيانه الختامي على أن تحركهم يستهدف الحفاظ على وحدة سوريا وليس العكس.

وبحسب البيان الختامي للمؤتمر الكردي، الذي عقد السبت بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة وإقليم كردستان العراق، تم التوافق بين الأطراف المشاركة على أن تكون سوريا دولة لامركزية تضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة بين المركز والأطراف، وضرورة أن يُعبر اسم البلاد ونشيدها الوطني عن التعدد القومي والثقافي للمجتمع السوري، وضمان المساواة الدستورية بين الرجل والمرأة، مع إعادة النظر في التقسيمات الإدارية الحالية بما يراعي الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية.

بدران جيا كورد: يجب أن تشكل الخطوة مصدر أمل لا سببا للخوف
بدران جيا كورد: يجب أن تشكل الخطوة مصدر أمل لا سببا للخوف

وطالب المشاركون في المؤتمر بالاعتراف الدستوري باللغة الكردية كلغة رسمية في سوريا، وضمان تمثيل الأكراد في مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية والأمنية، و”تقدير تضحيات قوات سوريا الديقمراطية، واعتبار مقاتليها الذين لقوا حتفهم شهداء،” ومساندة عائلاتهم وضمان حقوقها.

كما دعوا إلى إنشاء مراكز وإدارات تهتم باللغة والتراث والتاريخ والثقافة الكردية، وفتح مراكز للإعلام من قنوات إذاعية وتلفزيونية باللغة الكردية، واعتماد “عيد النوروز” عيدا رسميا في البلاد، وإلغاء الإجراءات والقوانين الاستثنائية التي طبقت بحق أكراد سوريا في الماضي.

وشدّد المؤتمرون في الوقت نفسه على ضرورة إعادة الجنسية السورية للمواطنين الأكراد الذين جُردوا منها وفق إحصاء عام 1962، والعمل على تطوير البنى التحتية للمناطق الكردية وتخصيص نسبة من عائدات ثرواتها في التنمية والإعمار.

وكان مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية الكردية، قال في كلمة الافتتاح إن “المؤتمر لا يهدف، كما يقول بعضهم، إلى التقسيم، بل على العكس تماماً، (يُعقد) من أجل وحدة سوريا.”

وشدد عبدي على حاجة البلاد إلى “دستور جديد لامركزي”، قائلاً “نحن مع أن تأخذ كل المكونات السورية حقها في الدستور لنستطيع بناء سوريا ديمقراطية لامركزية.”

وقال القيادي الكردي البارز بدران جيا كورد في منشور على منصة إكس إن مخرجات المؤتمر تتيح للمكونات الكردية “تحقيق وتثبيت الحقوق المشروعة للشعب الكردي،” إضافة إلى “القيام بدور ريادي في التحولات الديمقراطية الجذرية في سوريا.”

وأضاف جيا كورد أن “هذه الخطوة المباركة يجب أن تشكل مصدر أمل وتفاؤل وارتياح لجميع السوريين من أجل وحدتهم وقوتهم، لا سبباً للتحفظ أو الخوف.”

2