تكثيف الاستثمار يصنع نموذج الإمارات في الذكاء الاصطناعي

البلد يشهد تقدما متسارعا في المؤشرات الدولية المتعلقة بقطاع التكنولوجيا.
الاثنين 2025/04/28
لم يعد الطموح ضربا من الخيال

يشكل تكثيف الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لبناء قاعدة قوية للبنية التحتية أحد أبرز محاور إستراتيجية دولة الإمارات لتطوير نموذجها الريادي في هذا المجال المهم والحيوي، حيث تسعى الدولة إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي للابتكار التكنولوجي وصناعة نموذج خاصة بها في هذا المضمار.

أبوظبي - رسخت دولة الإمارات موقعها كأحد أبرز النماذج العالمية في تطوير البنية التحتية الرقمية واعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن منظومة العمل الحكومي والخاص، بفضل مبادراتها المبتكرة واستثماراتها الضخمة في تنمية هذا القطاع وإعداد كوادر مؤهلة.

وتضع الحكومة الاتحادية التكنولوجيا والابتكار في صميم إستراتيجياتها التنموية، ما سيسهم في تشكيل بيئة متقدمة تجذب أنظار العالم وتستقطب المزيد من رواد الأعمال والشركات الكبرى والمستثمرين.

كما يلتزم المسؤولون بالتطوير الرقمي والتحديث المستمر للبنية التحتية التكنولوجية، بما يؤكد التزامها بالتحول الرقمي وتعزيز مكانتها كمركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار.

روب فان ديل: ما يحدث في الإمارات هو حوكمة للذكاء الاصطناعي
روب فان ديل: ما يحدث في الإمارات هو حوكمة للذكاء الاصطناعي

وتوقعت دراسة أعدتها وزارة الاقتصاد الإماراتية في عام 2018 بأن تكون تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على تحفيز النمو بواقع 35 في المئة بحلول عام 2031 مع خفض النفقات الحكومية إلى النصف.

وتستثمر دول الخليج العربي بشكل ملموس في تطوير البنية التحتية الرقمية، حيث تتصدر الإمارات المشهد بامتلاكها 35 مركز بيانات متطورا، وتُسجل أعلى إنفاق سحابي عام للفرد في المنطقة بواقع 228 دولارا.

ورغم أن الإمارات أطلقت مبادرة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي بقيمة 100 مليار دولار، إلا أن خبراء يرون أنها لا تزال متأخرة عن الدول الرائدة في توليد ابتكارات عالمية ذات تأثير واسع.

وبحسب بيانات منصة فيجول كابيتاليتس التي تم نشرها الأسبوع الماضي، فقد بلغت استثمارات البلد الخليجي نحو 4 مليارات دولار فقط خلال الفترة بين عامي 2013 و2024، لتحتل المركز العاشر عالميا، في قائمة تحتلها الولايات المتحدة بمقدار 471 مليار دولار ثم الصين بنحو 119 مليار دولار.

وكانت الحكومة قد أطلقت صندوقا استثماريا مخصصا لهذا المجال يُسمى “أم.جي.إكس” الذي دعم صندوقا للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي بقيمة 30 مليار دولار. وتم تعيين مراقب لهذه التقنية المتقدمة في مجلس إدراته لتعزيز التوجهات المستقبلية للقطاع.

وأكد روب فان ديل، الشريك ورئيس قسم التحول الرقمي والتحليلات في شركة كيرني لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أن الإمارات لم تعد تتعامل مع الذكاء الاصطناعي كمجرد تجربة أو مشروع بحثي، بل بات بمثابة “نظام تشغيل” متكامل يعيد تشكيل القطاعين العام والخاص معا.

فيصل حمادي: الحكومة لا تكتفي بتبني التقنيات المتقدمة، بل تطورها
فيصل حمادي: الحكومة لا تكتفي بتبني التقنيات المتقدمة، بل تطورها

وأشار في تصريحات لوكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إلى أن ما يحدث في الإمارات هو “حوكمة الذكاء الاصطناعي” بشكل مؤسسي ومتكامل.

وقال إن “القطاع الخاص العالمي استجاب لتوجهات الإمارات في هذا المجال من خلال ضخ استثمارات بمليارات الدولارات من قبل كبريات الشركات.”

وفي خطوة رائدة إقليميا وعالميا، أطلقت الحكومة في 2017 إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي الهادفة إلى رفع كفاءة الأداء الحكومي وتطوير منظومة رقمية ذكية وجعل البلد في صدارة الدول المستثمرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031.

كما تهدف هذه الإستراتيجية إلى التركيز على قطاعات إستراتيجية مثل النقل والطاقة المتجددة والتعليم والصحة والبيئة.

وانعكس هذا التوجه في تحول رقمي شامل داخل القطاع الحكومي، إذ باتت الإمارات تحتل الريادة في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، ما جعلها في طليعة الدول على المستويين الإقليمي والعالمي.

وتُعد الإمارات الدولة الأولى عالميا للعام التاسع على التوالي في تغطية شبكة الألياف الضوئية، بنسبة تصل إلى 99.5 في المئة من إجمالي مساحة الدولة، ما يعكس تفوقها في تأسيس بنية تحتية رقمية متقدمة.

وتحتل موقع الصدارة عالميا من حيث سرعة الإنترنت، سواء على مستوى الشبكات المنزلية أو الهواتف المتحركة، بحسب تقارير شركة أوكلا الدولية، الأمر الذي يعكس كفاءة الشبكة الوطنية وقدرتها على دعم خدمات رقمية متطورة وشاملة.

أحمد جمال: الإمارات انتقلت من مرحلة الاستثمار إلى تحقيق العوائد
أحمد جمال: الإمارات انتقلت من مرحلة الاستثمار إلى تحقيق العوائد

وقال فيصل حمادي المدير والشريك في مجموعة بوسطن الاستشارية العالمية، إن الإمارات لا تكتفي بتبني الذكاء الاصطناعي، بل تعمل على تطويره، في إطار نهج شامل تقوده الحكومة، مؤكدا أن الدولة انتقلت من مرحلة الطموحات والأفكار إلى مرحلة التنفيذ الواسع.

وأسهم اعتماد الحلول الرقمية والذكاء الاصطناعي في إحداث قفزات نوعية داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية، حيث أُعيدت هيكلة بعض الخدمات الحكومية باستخدام تقنيات ذكية، ما أدى إلى تحسين تجربة المتعاملين ورفع جودة الخدمات.

وتوجّت الجهود بتصدر الإمارات المركز الأول عالميا في مؤشر البنية التحتية للاتصالات ضمن تقرير الأمم المتحدة لمسح الحكومة الإلكترونية لعام 2024، الذي يسلط الضوء على جهود تسريع التحول الرقمي وتوظيف الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية المستدامة.

وأكد أحمد جمال، المدير الإقليمي لحلول الذكاء الاصطناعي في شركة إنفيديا – أدفانسد إنتغريشن الشريك الإستراتيجي للشركة الأميركية، أن الإمارات باتت سباقة في عالم الذكاء الاصطناعي إلى درجة أنها انتقلت من مرحلة الاستثمار في البنية التحتية والتقنيات إلى مرحلة تحقيق العوائد.

وقال لوكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “لقد كانت (الإمارات) من أول الدول التي تبنت نهجا شاملا لتقنيات الذكاء الاصطناعي.”

100

مليار دولار الاستثمارات التي تنوي الحكومة توظيفها وفق إستراتيجية مرحلية لتطوير القطاع

واحتلت الدولة المرتبة الأولى إقليميا في مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي الصادر عن مؤسسة أوكسفورد إنسايتس، والذي شمل 193 دولة.

وحققت هذا الإنجاز مستفيدة من الأداء المرتفع في الركائز الثلاث للمؤشر والتي تتمثل في كفاءة الحكومة وتطور قطاع التكنولوجيا وتوفر البيانات والبنية التحتية الرقمية.

وبهذا المشهد المتكامل تواصل الإمارات تأكيد موقعها المتقدم كدولة سبّاقة في استشراف المستقبل الرقمي وتكريس الذكاء الاصطناعي ركيزة رئيسية في عمل الحكومة.

وأوضح مركز إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية في أبوظبي، أن التوجه الحثيث للبلد الخليجي نحو الاستثمار في الذكاء الاصطناع سيجعلها تتصدر وظائف هذا القطاع على مستوى المنطقة.

وذكر المركز أن وظائف الذكاء الاصطناعي في الإمارات تشهد نموا سنويا بنسبة 74 في المئة، وفق منصة لينكيدإن، ما يجعلها من أسرع الوظائف نموا في الدولة.

وقال هيتندرا باتيل، مؤسس معهد الابتكار العالمي، إن “ما أنجزته الإمارات يعكس استيعابا عميقا لأهمية الذكاء الاصطناعي، حيث تم تبنيه بسرعة، تماشيا مع تسارع التغيرات على مستوى العالم.”

كما لفت إلى أن الإمارات تسير بخطى ثابتة وسريعة نحو المستقبل الرقمي، وهي تبني نموذجا يُحتذى به في المنطقة والعالم.

10