تونس وليبيا تهدران فرص الاندماج التجاري عبر معبر رأس جدير

تونس - تسود قناعة بين الخبراء بأن الأوضاع وعدم الاستقرار في معبر رأس جدير الحدودي بين تونس وليبيا نتيجة عدة عوامل تهدر فرص الاندماج التجاري بين الجارين، لكنهم يعتقدون أن اعتماد حلول فعالة أمر ممكن رغم صعوبتها.
وأوقفت السلطات الليبية تونسيين يتاجرون بمواد مصدرها ليبيا في مارس الماضي، واتهمتهم بالتهريب عبر المعبر عقب سجن السلطات التونسية فردا ليبيا بنفس التهمة.
وبعد جهود دبلوماسية توصل الطرفان إلى اتفاق تم بموجبه إطلاق سراح 49 تونسيا مقابل 3 ليبيين، تم توقيفهم على المعبر بتهم التهريب.
ورغم محاولة إيجاد حلول لتنظيم عمل المعبر سواء على مستوى حركة المسافرين أو التجارة، إلا أن أوضاعه تبقى صعبة وغير مستقرة.
وفي نهاية الشهر الماضي عقدت اللجنة الفنية الجمركية المشتركة اجتماعا أفرز توصيات تهدف إلى تعزيز التعاون الجمركي وتسهيل حركة المسافرين والمبادلات التجارية.
وناقش الاجتماع، وفق بيان للجمارك التونسية آنذاك، معالجة الإشكاليات المتعلقة بمادة المنشأ، كما تم تناول تنفيذ عدد من الدورات التدريبية لصالح الأعوان والضباط من الجانبين بما يسهم في رفع المستوى المهني في المعبر.
وتم الاتفاق على اعتماد آلية تواصل آنية بين الجانبين لمكافحة التهريب والجرائم الجمركية. كما تم التطرق إلى الحرص على مزيد تفعيل آلية المنفذ الجمركي المشترك بمعبر رأس جدير.
وتشترك تونس وليبيا بخط حدودي على طول نحو 500 كيلومتر، ويربطهما منفذان بريان فقط، هما معبر رأس جدير ومعبر الذهيبة وازن.
ويقع معبر رأس جدير في مدينة بنقردان بولاية (محافظة) مدنين جنوب شرق البلاد، ويبعد نحو 30 كيلومترا عن مركز المدينة، وقرابة 180 كيلومترا عن العاصمة الليبية طرابلس.
ويقول مصطفى عبدالكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان “رأينا إيقافات عديدة ومحاضر عديدة للبضاعة على أنها مهربة سواء كان (ذلك) من الجانب التونسي أو الليبي، كذلك تم حجز سيارات من الجانب الليبي إلى يومنا هذا.”
وأكد أن هناك حلولا لهذا الوضع يمكن تعدادها ولكن تطبيقها يصعب حاليا. وقال “يجب وضع خارطة إستراتيجية تبنى على تنفيذ الاتفاقيات، والالتزام بها وتبنى على تطبيق القانون والالتزام به، وعلى الوعي بأننا شعب واحد.”
وأوضح في مقابلة مع وكالة الأناضول أن التوتر تصاعد في المعبر خلال شهر رمضان، الأمر الذي دعا سلطات البلدين إلى الاجتماع في وزارة العدل التونسية والاتفاق على التنسيق للإفراج عن الموقوفين وتسريع محاكمة المسجونين تمهيدا للإفراج عنهم.
وأضاف عبدالكبير الخبير بشأن المنطقة الحدودية التونسية – الليبية “معبر رأس جدير ليس مكانا للتهريب بل هو بوابة رسمية وإذا حصلت تجاوزات فهي إخلالات إجرائية.”
وأشار إلى أن “تطبيق الاتفاقيات المشتركة سهل عودة الليبيين إلى بلدهم والإفراج عن بضائعهم، وفي المقابل تم الإفراج عن عدد كبير من التونسيين في ليبيا على دفعات وبلغ العدد 51 تونسيا و30 سيارة لهم.”
وقال “اليوم لا تزال هناك صعوبات حقيقية ويستمر الجدل طالما ليس هناك اتفاق وبروتوكول رسمي يلتزم به الجميع، وهذا راجع إلى بعض المشاكل سواء لدى الطرف الليبي أو الجانب التونسي.”
وهذه الصعوبات مردها، وفق عبدالكبير، أن “المعبر هو معبر كبير جدا وهناك أعداد كبيرة من المسافرين وشاحنات السلع والسيارات ولا بد من خطة كاملة وشاملة لإدارة المعبر، بل لا بد من قوة استقرار في البلدين لتسيير المعبر على أحسن وجه.”
تونس فقدت أكثر من (83.3 مليون دولار) نتيجة توقف الحركة التجارية في المعبر بين مارس وأكتوبر 2024
وخسر البلدان ملايين الدولارات نتيجة توقف التبادل التجاري، بالإضافة إلى خسائر اجتماعية وتعطل السياحة الاستشفائية للمسافرين عبر معبر رأس جدير، وهذا يؤثر على الاقتصاد التونسي وجزء من الاقتصاد الليبي.
وقال عبدالكريم “عام 2024 هو الأسوأ بالنسبة إلى الجانبين وخاصة تونس التي فقدت أكثر من 250 مليون دينار (83.3 مليون دولار) نتيجة توقف الحركة التجارية في المعبر بين مارس وأكتوبر 2024 وفي الجانب الليبي هناك خسائر كبيرة أيضا.”
وأشار إلى أن “هناك أكثر من 300 مصنع تونسي صغير تعيش صعوبات نتيجة توقف المعبر لأن 70 في المئة من منتجاتها تصدر إلى ليبيا.”
وفي الأسبوع قبل الماضي اجتمعت في العاصمة طرابلس لجنة عليا تونسية – ليبية خرجت بخمس نقاط توافقية في إطار لجان مشتركة أمنية وجمركية تعمل على تسيير المعبر والتدخل كلما حدث طارئ والعمل على تبادل المعلومات وتطبيق الاتفاقيات المشتركة.
وكذلك العمل على التمكين الاقتصادي بين البلدين وتسهيل حركة مرور المسافرين وتخفيض ساعات الانتظار في الجانبين.
واعتبر عبدالكبير أن عدم الاستقرار في المعبر “مرتبط بعدة نقاط منها عدم الاستقرار في الجانب الليبي،” مشيرا إلى أنه “في كل فترة هناك قوى متصارعة للسيطرة على المعبر.”
ولفت إلى وجود “قوى خارجية وعدة تدخلات تغذي هذا الصراع، وأيضا لوبيات اقتصادية ومالية (لم يوضحها)، سواء كان (ذلك) من الجانب التونسي أو الليبي، لها دور كبير في عدم الاستقرار.”
وأرجع عدم استقرار المعبر أيضا إلى ما وصفه بـ”ضعف اللجان المشتركة التونسية – الليبية التي لم تقم بدورها كما يجب،” لافتا إلى أنها “مطالبة بالعمل أكثر.”
300
مصنع تونسي صغير تمر بصعوبات نتيجة توقف المعبر لأن 70 في المئة من منتجاتها تصدر إلى ليبيا
وتابع عبدالكبير “المسافرون عبر هذا المعبر متعودون على نوع من العشوائية والفوضى وعدم احترام القانون، إضافة إلى سيطرة لوبيات التهريب على جزء معيّن من المعاملات في المعبر.”
وقال “من الجانب التونسي لا بد من توعية الأمنيين بواجباتهم تجاه المسافرين، كما يجب تجهيزه من الجهتين بالإمكانيات اللوجستية اللازمة، فالمعبر يفتقد لأبسط الإمكانيات من مقاهٍ ومطاعم وخدمات سريعة.”
والتأثير الاقتصادي للمعبر ليس على مدينة بنقردان فقط، بل هناك 70 مدينة تونسية وليبية تعيش على إيرادات المعبر منذ ما قبل عام 2011 وقد تطورت بفضل المعبر الذي هو شريان تنموي مهم.
وفي ظل غياب سهولة الحركة وانسياب السلع وغياب التبادل التجاري على المعبر بات أغلب التجار الليبيين يعانون صعوبات لأنهم مرتبطون بالتجار التونسيين، والعكس صحيح.
وأردف عبدالكبير “الارتباط الاقتصادي الوثيق بين البلدين يؤثر كثيرا على مئات الآلاف من العائلات التونسية في الجنوب والداخل والعائلات الليبية في الغرب الليبي.”
وتابع “معبر رأس جدير الذي يعد الحل لتنمية هذه الجهات بقي على حاله رغم قوة السلطة في ليبيا في عهد معمر القذافي.”
وبقي الجانب التنموي في هذه المناطق مرتبطا بالمعبر، وهي تعيش صعوبات حقيقية نراها الآن في مدن الزاوية وصرمان وزوارة وجميل والعجيلات والراقدالين وحتى جبال نفوسة لأنها مرتبطة بالجانب التجاري مع تونس.
وكلما توتر الوضع في المعبر أصبحت الحياة أصعب لدى تلك المناطق الليبية، وكذلك الحال بالنسبة إلى مدن الجنوب التونسي مثل مدنين وتطاوين وسيدي بوزيد والقيروان وقفصة.
وأضاف “الحلول تبنى أيضا على أن الدولتين تكونان قويتين وتطبيق القانون فيهما قوي.” وتابع “أيضا مهم أن تكون هناك سلطة قرار واحدة وقوية واستقلالية القرار الوطني لأننا نرى أن أطرافا خارجية (لم يسمها) تتدخل في تونس وفي ليبيا أكثر باعتبار عدم الاستقرار السياسي فيهما.”
وتلقي التحولات الدولية بظلالها على المعبر والحلول مرتبطة بأمور أكثر من المعبر فهي مرتبطة أكثر بنجاح المسار السياسي والأمني والاقتصادي في ليبيا التي تعيش تعثرات كبيرة تلقي بظلالها على المعبر وعلى نجاح أي خطة قد تبنى مع الطرف التونسي.
وتتصارع في ليبيا حكومتان، إحداهما معترف بها دوليا، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ومقرها العاصمة طرابلس (غرب)، وتدير منها كامل غرب البلاد.