شراكة عسكرية مع إثيوبيا تعزز حضور المغرب داخل القرن الأفريقي

الرباط - يسعى المغرب إلى تعزيز تعاونه مع بعض دول القرن الأفريقي على غرار إثيوبيا التي تعرف تطورا مطردا على كافة المستويات منها الجانب العسكري، حيث بحث المفتش العام للقوات المسلحة المغربية محمد بريظ، مع رئيس أركان الجيش الإثيوبي برهانو جولا، بأديس أبابا، آفاق تعزيز التعاون الثنائي بتوقيع اتفاقيات عسكرية.
وتناولت المباحثات إعداد مشروع اتفاق شامل لتأطير مختلف مجالات التعاون العسكري بين المغرب وإثيوبيا، بهدف تطوير هذه الشراكة الإستراتيجية، في أفق توقيع الاتفاق في المستقبل القريب. والزيارة شكلت أيضًا مناسبة للقاء بين الفريق أول بريظ ووزيرة الدولة للدفاع الإثيوبية، مارتا لويجي، بحضور سفيرة المغرب بأديس أبابا، نزهة العلوي المحمدي.
وتناول اللقاء بين الطرفين، والذي جرى في أجواء وُصفت بـ”الإيجابية والبناءة”، مختلف أوجه التعاون العسكري، سواء في مجالات التدريب، وتبادل الخبرات، وصيانة المعدات، والتكنولوجيا الدفاعية، في خطوة تمهّد لتوقيع اتفاق عسكري ثنائي خلال الفترة المقبلة، حسب ما أفاد به بيان رسمي صادر عن القوات المسلحة الملكية المغربية.
وتعكس زيارة المسؤول العسكري المغربي رفيع المستوى إلى أديس أبابا، التي استمرت لأربعة أيام، توجه المغرب نحو تقوية شراكاته الأفريقية، خصوصا مع الدول ذات الثقل الإقليمي على غرار علاقاته مع نيجيريا ورواندا وأنغولا، إلى جانب تعزيز تقاربه مع إثيوبيا بخطوات مدروسة وعلى كافة المستويات ضمن رؤية إستراتيجية بعيدة المدى تعززها القوة الناعمة والدبلوماسية الاقتصادية والأمنية والبعد العسكري والدفاعي.
وأكد هشام معتضد الأكاديمي والخبير في الشؤون الإستراتيجية أن “مباحثات محمد بريظ ونظيره الإثيوبي تأتي في سياق إستراتيجي مهم، يعكس الرغبة المشتركة بين المغرب وإثيوبيا في تعزيز التعاون الدفاعي،” لافتا إلى أن “هذه الزيارة تندرج في إطار الدبلوماسية العسكرية التي يعتمدها المغرب لتعزيز حضوره في القارة الأفريقية، وتوسيع دوره الإقليمي من خلال تعزيز التعاون مع دول القرن الأفريقي على رأسهم أديس أبابا في مجالات متعددة، أبرزها الأمن والدفاع.”
وأوضح لـ”العرب” أن “التحديات التي تواجهها المنطقة، بما في ذلك تهديدات القرصنة والهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة عبر الحدود البحرية، تفرض على المغرب البحث عن شراكات قوية وفعالة لمواجهتها، مشددا على أن الدبلوماسية العسكرية أصبحت ركيزة أساسية في الإستراتيجية الدبلوماسية المغربية، إذ تعكس براعة المغرب في استخدام القوة الناعمة لتعزيز موقعه الإقليمي والدولي، من خلال استضافة وفود عسكرية وتوقيع اتفاقيات دفاعية متقدمة ما يعزز مكانته كقوة إقليمية ذات تأثير متزايد،” مشددا على أن “هذا النهج الذي يقوده العاهل المغربي الملك محمد السادس يعتمد على بناء شبكة من التحالفات العسكرية التي تُسهم في تعزيز قدراته الدفاعية وتضاعف من وزنه السياسي داخل المنظمات الدولية.”
ولفت معتضد إلى أن التعاون المغربي – الإثيوبي، “يتجاوز كونه تعاونًا تكتيكيًا بل يعكس رؤية شاملة تتجسد في سياسة المغرب القارية لتعزيز الأمن والاستقرار في كل أفريقيا؛ فالمغرب بفضل تجربته الكبيرة في المجالات العسكرية والأمنية، يقدم نفسه كشريك موثوق به للدول الأفريقية.”
ويدفع المغرب نحو توسيع تحالفاته الدفاعية والعسكرية انطلاقا من حرصه على الاستقرار والتنمية والحضور الفاعل داخل مجاله الأفريقي، وذلك ضمن عقيدة عسكرية تتجنب التدخل في الشؤون الداخلية، خصوصا مع التطورات الكبيرة التي عرفتها المؤسسة العسكرية خلال أكثر من عقدين من حكم الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، حيث تعزز موقعها في الخريطة العسكرية العالمية والقارية ما دفع عدداً من الجيوش الأفريقية، ومن ضمنها الجيش الإثيوبي، إلى الانفتاح على التجربة المغربية والاستفادة من تطورها.
وعرفت علاقات الرباط وإثيوبيا تحولات مهمة بعد زيارة الملك محمد السادس إلى أديس أبابا في العام 2016، التي أسست لتقارب إستراتيجي بين البلدين، يشمل مختلف القطاعات منها المجال الدفاعي. ولتعزيز شراكة قوية وقوات مسلحة قادرة على حماية السلم والأمن، قام الماريشال برهانو غولا جيلالشا، رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، بزيارة إلى المغرب، في أغسطس الماضي، أجرى خلالها مباحثات مع مسؤولين عسكريين مغاربة بشأن “سبل توسيع التعاون العسكري بين البلدين.”
وحرص العاهل المغربي على تطوير المنظومة الدفاعية والهجومية على جميع الأصعدة والمستويات، وقد شكلت نقلة نوعية في مجال التحديث والتطوير العسكري، من خلال اقتناء منظومات دفاعية متطورة، وتوسيع دائرة الشراكات الدولية في ميدان التدريب والتسليح، بما يتماشى مع طبيعة التهديدات والتحديات التي تواجه المغرب، وتحسين الوضع المادي لأفراد القوات المسلحة الملكية، مع الرهان على جودة التكوين العسكري للرفع من كفاءتهم القتالية.
وخلال زيارته، قام محمد بريظ بجولة ميدانية لعدد من المنشآت العسكرية الإثيوبية، من بينها إدارة أمن الشبكات المعلوماتية، ومعهد الذكاء الاصطناعي، وقاعدة بيشوفتو الجوية، ومصنع الذخيرة، وهي منشآت تعكس الطموح الإثيوبي في بناء قدرات عسكرية متقدمة، ومن هنا تنبع أهمية الشراكة مع المغرب، بالنظر إلى الخبرة التكنولوجية والتدريبية التي تمتلكها القوات المسلحة الملكية.