مسار تطوير قطاع التعدين السعودي يتحدى التقلبات العالمية

الرياض - تسير السعودية عكس التيار الذي تواجه فيه صناعة التعدين العالمية تحديات قاسية، من ارتفاع التكاليف إلى تقلبات أسعار السلع الأساسية، من خلال مضاعفة رهانها على هذا القطاع باعتباره ركيزة إستراتيجية لرؤية 2030.
وتواصل الحكومة الدفع بالقطاع رغم ضغوط تتعلق بلوائح صارمة، وظروف بيئية وتشغيلية صعبة، وضعف في البنية التحتية، إلى جانب المنافسة العالمية الشرسة، وفق تقرير حديث لمؤسسة ستاندرد أند بورز نشرته وكالة بلومبيرغ الجمعة.
ويأتي هذا بينما تسود مخاوف من أن تؤثر الاضطرابات التجارية العالمية على الطلب على المعادن، وسط ركود متوقع وارتفاع التوترات الجيوسياسية التي أفرزت فرصا جديدة في البلد الخليجي.
ومع تضرر سلاسل التوريد العالمية إثر العقوبات المفروضة على روسيا بعد الحرب مع أوكرانيا، واجهت شركتا أيرباص وبوينغ تحديات في تأمين مواد خام مثل التيتانيوم.
وتسعى أيرباص إلى شراء بعض المعادن المستخدمة في تصنيع الطائرات من السعودية، ضمن صفقة أوسع تشمل طائرات عريضة البدن لصالح شركة “الخطوط الجوية السعودية”.
وتشير التقديرات إلى أن النمو الاقتصادي طويل الأجل في السعودية سيعتمد بشكل متزايد على هذا القطاع، مدفوعا بدعم حكومي قوي وتمويلات ضخمة وإستراتيجية واضحة لتقليل الاعتماد على النفط.
وعلى عكس نظرائها حول العالم، تستفيد كبرى شركات التعدين السعودية من حوافز تنظيمية وتمويلية، أبرزها نظام الاستثمار التعديني ومنصات التراخيص الرقمية.
وذكرت ستاندرد أند بورز أن الاستثمارات في مشاريع مثل وعد الشمال وخطط تمويل بنحو 100 مليار دولار تستهدف المعادن الحيوية، ساعدت في تحفيز الطلب المحلي وتحسين الكفاءة التشغيلية.
وتعتزم السعودية الترويج لفرص استكشاف المعادن على مساحة تصل إلى 50 ألف كيلومتر مربع هذا العام، بحسب تصريحات سابقة لوزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف.
وأشار في ذلك الوقت إلى أن برنامج تمكين الاستكشاف التعديني دعم بالفعل شركات التنقيب لحفر أكثر من 440 ألف متر مربع.
وتملك السعودية احتياطيات معدنية تقدر بحوالي 2.5 تريليون دولار، تشمل النحاس والذهب والفوسفات وعناصر انتقالية نادرة. ويُعد الموقع الجغرافي ميزة تنافسية إضافية، إذ يربط البلد بأسواق رئيسية في أوروبا وآسيا وأفريقيا.
وتعمل الحكومة على استثمار 40 مليار دولار سنويا في مشاريع محلية كبرى عبر صندوقها السيادي، في حين تتوقع أجندة التحول رفع مساهمة قطاع التعدين إلى 75 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030.
وتتصدر شركة معادن المملوكة للدولة المشهد بوصفها أكبر شركات القطاع في السعودية، مسجلة إيرادات تجاوزت 8.5 مليار دولار وأرباح تشغيلية بنحو 3 مليارات دولار في 2024.
وتغطي محفظتها مناجم للذهب والفوسفات والألومنيوم والمعادن الأساسية، ويعد قسم الذهب فيها من الأبرز في المنطقة.
وتعمل شركة منارة للمعادن، وهي شراكة بين معادن وصندوق الثروة، على تطوير مشاريع في النحاس والليثيوم، فيما يسهم القطاع الخاص بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المئة من قيمة القطاع، عبر شركات مثل عجلان وإخوانه وأماك ونورين.
النمو الاقتصادي طويل الأجل في السعودية سيعتمد بشكل متزايد على قطاع التعدين مدفوعا بدعم حكومي قوي وتمويلات ضخمة وإستراتيجية واضحة
ورغم التوسع، يرى خبراء ستاندرد أند بورز أن القطاع يواجه تحديات تشمل ضعف البنية التحتية في المواقع النائية وندرة المياه والحاجة إلى قوى عاملة ماهرة. كما أن بعض مشاريع التعدين تعتمد على استيراد الخبرات والعمالة، مما يرفع التكاليف التشغيلية.
ومع ذلك تؤكد مؤسسة التصنيف الدولية أن مرونة الشركات السعودية في مواجهة هذه التحديات تعود إلى تماسك ميزانياتها، ووجود أصول ملموسة مثل المصانع والمناجم، إلى جانب الانضباط المالي، وانخفاض مستويات الديون.
وزادت ميزانية الاستكشاف للشركات على مدى السنوات الخمس الماضية، مما يسلط الضوء على تركيز الحكومة على الاستفادة من إمكاناتها المعدنية.
ويتماشى هذا الاتجاه التصاعدي مع خطط رؤية 2030 الأوسع نطاقا ويؤكد على الدعم القوي للسياسة، وفق البيانات الأخيرة الصادرة عن شركة أس أند بي غلوبال ماركت أنتيليجنس.
ومع استمرار الزيادة في الميزانيات، فإن احتمال اكتشاف موارد إضافية وتوسيع العمليات الحالية يدعم النمو المستدام وطويل الأمد لقطاع المعادن والتعدين في المملكة العربية السعودية.
وشهدت أعداد شركات الاستكشاف العاملة بالبلاد ارتفاعا ملحوظا إلى 133 شركة في عام 2023، من ست شركات في عام 2020.