السلطات التونسية أمام رهان معالجة ملف الأراضي الدولية

تقدّم عدد من نواب البرلمان التونسي بمبادرة تشريعية جديدة تهدف إلى استرجاع الأراضي الزراعية الدولية وحسن استغلالها، وذلك في إطار توجهات الدولة نحو التصدي لممارسات الفساد التي تطال الملك العام وضمان تحقيق الأمن الغذائي.
تونس - انطلقت، أشغال جلسات الاستماع التي تعقدها لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والمائي والصيد البحري بمجلس نواب الشعب، الخميس، لمناقشة مبادرة تشريعية تهدف إلى إعادة هيكلة الأراضي الدولية الزراعية وتحسين طرق استغلالها.
ومثل ملف الأراضي الدولية الزراعية، محور اهتمام من الرئيس التونسي قيس سعيد في الفترة الأخيرة، نظرا لأهمية استغلالها ومساهمتها في تحقيق الأمن الغذائي للبلاد.
وتبلغ الأراضي الدولية الزراعية في تونس قرابة 500 ألف هكتار، وهي مساحات متأتية أساسا من تصفية الأحباس والأراضي المسترجعة من المعمرين بعد استقلال تونس عن فرنسا ربيع العام 1956.
وللإشراف على هذه المساحات الشاسعة، أنشأت الديوان الوطني للأراضي الفلاحية (الزراعية)، وهو مؤسسة حكومية تدير أزيد من 150 ألف هكتار من الأراضي بمختلف مناطق البلاد، تستغل أساسا في مجال غراسة الزّياتين والأشجار المثمرة والزراعات الكبرى والمراعي.
وأكد النائب حسن جربوعي، صاحب المبادرة، أن مشروع القانون المتعلق بهذا الملف يتضمن 11 فصلاً ويهدف بالأساس إلى تنظيم الأراضي الدولية وتحقيق أقصى استفادة منها لفائدة القطاع الزراعي.
واعتبر جربوعي أن الإبقاء على التسيير المركزي لهذه الأراضي لم يعد مجديًا، داعيًا إلى منح الإدارات الجهوية للفلاحة صلاحيات أوسع وهامشًا أكبر من المرونة لتأطير هذا القطاع الحيوي.
وتنص المبادرة، في فصلها الثاني، على إحداث إدارة عمومية مستقلة ماليا وإداريا في كل إقليم، تحمل اسم “ديوان الفلاحة”، تتولى دراسة المشاريع الفلاحية وتنظيم الميزانيات ووضع إستراتيجيات استثمارية تهدف إلى تطوير مردودية القطاع.
كما يقترح الفصل التاسع من المشروع حل ديوان الأراضي الدولية وتعويضه بهياكل جهوية، أي دواوين الأقاليم، لتكون أكثر قربًا من الإشكاليات الميدانية وأكثر قدرة على تلبية احتياجات الفلاحين والمستثمرين في القطاع.
وتتواصل النقاشات داخل اللجنة خلال الأيام القادمة، في انتظار عرض المبادرة على الجلسة العامة للنظر فيها والمصادقة عليها.
وأكد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “هذا المشروع مهم جدا ويكرس عقلية التصرّف في المال العام،” قائلا إن “الزبونية كانت إحدى الآليات المعتمدة في القطاع الزراعي والنقل وغيره.”
وقال في تصريح لـ”العرب”، “المسألة الغذائية مهمة جدا في نظر السلطة، ولاحظنا أن الممارسات القديمة لاستغلال الأراضي الزراعية الدولية بمنطق إقطاعي تواصلت منذ الاستقلال وصولا إلى فترة الحكم بعد 2011 في البلاد.”
وأشار ثابت إلى أنه “من المهم جدا أن نحدد أيضا الأشكال الرشيدة للحوكمة، فالمساحات الزراعية مهمة للدولة لتحقيق الأمن القومي الغذائي، وهو ما تفطنا إليه خصوصا في أزمة فايروس كورونا في السنوات الماضية.”
وتابع ثابت، “هو مشروع تقدّمي شريطة أن يكون التعامل بعقلانية وتوفير التمويل الكافي حتى يتم استغلال تلك الأراضي كأفضل ما يكون.”
الأراضي الدولية الزراعية في تونس تبلغ قرابة 500 ألف هكتار، وهي مساحات متأتية أساسا من تصفية الأحباس والأراضي المسترجعة من المعمرين بعد استقلال تونس
ويخول القانون للديوان تأجير مساحات زراعية للقطاع الخاص بهدف إقامة استثمارات داخلها في قطاع زراعات الحبوب أو تربية الماشية أو الأشجار المثمرة.
وتعلن السلطات باستمرار عن استرجاع أراض وعقارات زراعية من خواص بسبب تجاوزات قانونية أو إشكاليات إدارية.
وفي أكتوبر الماضي، كشف الرئيس التونسي خلال زيارة غير معلنة أداها إلى ضيعة زراعية بولاية صفاقس شرق البلاد (هنشير الشعال) عن جملة من التجاوزات المالية والصفقات المشبوهة، وذلك في إطار مواصلة حربه على الفساد بعد تعهده بذلك خلال حملته الانتخابية الماضية.
وأكد سعيد خلال الزيارة “أنه لا مجال للتفريط في ملك الشعب التونسي وأن حرب التطهير ضد الفساد ستستمر دون هوادة.” وفق بيان من رئاسة الجمهورية نشر في صفحتها الرسمية على فيسبوك.
ووصف سعيد عملية بيع 37 جرارا فلاحيا تابعة لـ”هنشير الشعال” في بتة بقيمة 167 ألف دينار بتعلة أنها مسقطة بـ”غير الطبيعية”، مشيرا إلى وجود سوء تصرف في أملاك الدولة.
وفي تقرير سابق لها، ذكرت صحيفة “الصباح” المحلية أن وزارة أملاك الدولة تمكنت، خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى الربع الأول من العام 2021، من استرجاع أكثر من 86 ألف هكتار من خلال قرارات إخلاء وتنفيذ أحكام قضائية وغيرها من الآليات القانونية، أغلبها في محافظاتي باجة وسليانة، (شمال غرب) وهي مناطق متخصصة أساسا في زراعة الحبوب.