لبنان يغازل الإمارات بإصلاحات واعدة لاستعادة الدعم الخليجي

نواف سلام يستعرض خلال لقائه المسؤول الإماراتي صقر الغباش مجموعة من الضمانات والإجراءات الهادفة إلى معالجة الهواجس الخليجية وتعزيز العلاقات الثنائية.
الخميس 2025/04/24
مبادرة الثقة اللبنانية لإعادة الدفء

بيروت - أكد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، اليوم الخميس تصميم بلاده على ردم فجوة الثقة التي نشأت خلال السنوات الماضية مع الدول العربية، وذلك في مسعى حثيث يأتي في سياق إدراك بيروت العميق بأن الحلول الحقيقية لأزمتها الاقتصادية المستعصية تكمن في عودة الدفء إلى العلاقات مع دول الخليج، التي لطالما وقفت إلى جانب لبنان وقدمت له الدعم السخي.

وقد تجلى هذا التوجه خلال استقبال رئيس الحكومة اللبنانية لرئيس المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات العربية المتحدة صقر الغباش والوفد المرافق، بحضور الأمين العام لشؤون الرئاسة في المجلس الوطني طارق المرزوقي والقائم بأعمال السفارة الإماراتية في بيروت فهد سالم الكعبي.

وأشاد سلام خلال اللقاء بـ"العلاقات التاريخية التي تربط لبنان ودولة الإمارات"، معربا عن تقديره العميق "لاستضافة الإمارات لمئات الآلاف من اللبنانيين والمساعدات المتواصلة التي قدمتها وتقدمها للبنان في مختلف الظروف".

لطالما اتسمت العلاقات بين لبنان والإمارات العربية المتحدة بعمق الروابط والود المتبادل، حيث استضافت الإمارات جالية لبنانية كبيرة كان لها دور بارز في مسيرة التنمية والازدهار في الدولة الخليجية.

 كما كانت الإمارات من أوائل الدول التي سارعت إلى دعم لبنان في أوقات الشدة والأزمات، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الإنساني. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة فتورا ملحوظا في هذه العلاقات، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى التجاذبات السياسية الداخلية الحادة في لبنان وتأثيرات الأزمات الإقليمية المتلاحقة.

وقد أبدت دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، قلقا متزايدا إزاء تنامي نفوذ جماعة حزب الله الشيعية المسلحة المدعومة من إيران وتأثيرها المتزايد على السيادة اللبنانية والقرارات الحكومية.

وقد بلغ هذا التوتر ذروته عندما قررت الإمارات، على غرار دول خليجية أخرى، سحب دبلوماسييها من لبنان في أكتوبر 2021، في خطوة تعبر عن "تضامن" مع المملكة العربية السعودية على خلفية تصريحات وزير الإعلام اللبناني آنذاك جورج قرداحي بشأن حرب اليمن، حيث تقود الرياض تحالفًا عسكريا. وقد أثارت هذه التصريحات غضبا واسعا في دول الخليج واعتبرت مسيئة لدورها في المنطقة.

وفي محاولة جادة لاستعادة ثقة أبوظبي ودول الخليج عموما، قدم لبنان مجموعة من الضمانات والإجراءات التي تهدف إلى معالجة الهواجس الخليجية وتعزيز العلاقات الثنائية، حيث سعى سلام خلال لقائه بالمسؤول الإماراتي الرفيع إلى طمأنة الجانب الإماراتي، مؤكدا أن الحكومة اللبنانية الحالية عازمة على المضي قدمًا في إقرار خطة إصلاح شاملة تهدف إلى معالجة جذور الأزمة الاقتصادية واستعادة ثقة المستثمرين والدول الصديقة. وقد أعرب عن تفاؤله بإمكانية تحقيق تقدم حقيقي في هذا المسار.

وشدد سلام بشكل خاص على "العمل على إقرار قانون رفع السرية المصرفية في البرلمان"، معتبرا إياه "المدخل الأساسي لتحقيق الإصلاح المالي" الذي طال انتظاره، وهو مطلب يعد رئيسيا لصندوق النقد الدولي والدول المانحة.

كما كشف سلام عن خطوات أخرى تهدف إلى تهيئة مناخ جاذب للاستثمار واستعادة الثقة المفقودة، مؤكدا أنه "خلال الفترة القريبة المقبلة سيتم إقرار قانون استقلالية القضاء لتعزيز السلطة القضائية، ما من شأنه أن يفتح الطريق أمام حماية الاستثمارات والمستثمرين، ويعزز مكافحة اقتصاد الكاش، ويبني مقومات استعادة الثقة".

وتعتبر هذه الإجراءات الإصلاحية بمثابة خارطة طريق تسعى الحكومة اللبنانية من خلالها إلى تلبية المطالب الأساسية للمجتمع الدولي والدول العربية لاستئناف دعم لبنان اقتصاديا وتمكينه من تجاوز أزمته الراهنة.

وجدد سلام التأكيد على التزام الدولة اللبنانية الراسخ بـ"إرساء الأمن والاستقرار وبسط سيادتها على كامل أراضيها"، معتبرا ذلك "قرارا سياديا يحفظ لبنان وشعبه، ويفتح الطريق أمام التعافي على الصعد المختلفة".

كما أعرب عن "آماله في عودة المواطنين الإماراتيين إلى زيارة لبنان قريبًا"، مشيرًا إلى الإجراءات التي تتخذها الحكومة اللبنانية لضمان سلامة الطيران والمسافرين والسياح، مبديا استعداده لزيارة دولة الإمارات في القريب العاجل.

وفي تطرق لملف إقليمي حساس، شدد سلام على "أهمية الحفاظ على استقرار سوريا، بما ينعكس على دول المنطقة"، معتبرا أن "زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى دولة الإمارات تساهم في تعزيز هذا الاستقرار، لما لدولة الإمارات من دور مهم وأساسي".

وأكد سلام على حرص لبنان على "فتح صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية السورية"، مشيرا إلى "وجوب رفع العقوبات عن سوريا، ما سيكون له انعكاسات إيجابية على لبنان لجهة تسهيل عودة اللاجئين السوريين، واستفادة لبنان من قطاع النفط والغاز، وتفعيل خطوط التجارة والترانزيت." هذا الموقف المتوازن يعكس سعي لبنان للحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف الإقليمية.

ومن جانبه، أشاد رئيس المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي صقر الغباش بـ"مواقف الرئيس سلام الشفافة والواضحة"، مثمنا "تحمله للمسؤولية في هذه المرحلة الصعبة".

واعتبر الغباش أن "ما تحقق خلال فترة قصيرة من إنجازات هو محط تقدير لدى دولة الإمارات"، مؤكدًا "ثقة دولة الإمارات بأن لبنان سيستعيد دوره التاريخي في الداخل والخارج، وأنه يمتلك الكثير من الطاقات التي يجدر الاعتزاز بها."

كما أثنى الغباش على "سرعة تشكيل الحكومة وبالوزراء"، مشيدا بـ "الإجراءات المتخذة ولا سيما في المطار وعلى طريق المطار من خلال تعزيز الإجراءات الأمنية"، معتبرًا أن "زيارته تفتح الآفاق للعودة إلى لبنان".

وتأتي زيارة رئيس المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي إلى لبنان في توقيت بالغ الأهمية، حيث يسعى لبنان جاهدا للخروج من أزمته الاقتصادية والسياسية الخانقة واستعادة ثقة المجتمع الدولي والدول العربية.

وتعتبر هذه الزيارة الرفيعة المستوى، التي أعقبت لقاء الغباش بالرئيس اللبناني جوزيف عون، مؤشرا إيجابيا على إمكانية عودة الدفء تدريجيا إلى العلاقات اللبنانية الإماراتية، وقد تفتح الباب أمام دعم إماراتي جديد للبنان في المرحلة المقبلة، خاصة إذا ما استمرت الحكومة اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات المعلنة بخطوات ثابتة وجدية. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو قدرة لبنان على ترجمة هذه النوايا الحسنة إلى خطوات عملية وملموسة تزيل الهواجس الخليجية وتعيد بناء جسور الثقة المفقودة.