إصلاح السلطة الفلسطينية بتعيين نائب أم بتنحية عباس

رام الله (الأراضي الفلسطينية) – يسعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإظهار استعداده لإصلاح السلطة الفلسطينية من خلال عقد المجلس المركزي بهدف إضافة منصب نائب له على رأس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، في خطوة يرى مراقبون أنها شكلية باعتبار أن إصلاح السلطة لا يتم بإضافة منصب جديد ولكن بتغييرات جذرية وعلى رأسها تنحّي الرئيس عباس.
ولا يبدو عباس، بالرغم من كل الانتقادات التي وجهت له، مقتنعا بأن مرحلته قد انتهت وأن عليه تسليم الحكم لجيل جديد يقدر على إخراج السلطة من الأزمة الحالية التي تعيشها، وحرص على استثمار ورطة حركة حماس وترديد المطالب الإقليمية والدولية بشأن إخراجها من الحكم ومطالبتها بتسليم سلاحها.
ويرى مراقبون أن الوضع الذي وصلت إليه غزة بسبب هجوم حماس في أكتوبر 2023 وما تبعه من دمار واسع يتحمل رئيس السلطة الفلسطينية جزءا كبيرا منه لعجز سلطته عن تأمين القطاع وتركه لحماس، فضلا عن أزمة قيادة داخل السلطة وحركة فتح ما وضع السلطة في موقف الضعيف أمام نفوذ حماس المتزايد عسكريا وسياسيا دون أن يتخذ الرئيس الفلسطيني أيّ مبادرة لتوحيد القوى التي تنتمي لمنظمة التحرير، وعلى العكس فقد دفعت سياساته إلى توسيع الخلافات داخل حركة فتح نفسها.
سياسيون فلسطينيون يرون أن ما يقوم به عباس من إصلاحات شكلية أقرب إلى المناورة وشراء الوقت
وكان أولى بعباس أن يفتح حوارا مع قوى منظمة التحرير للاتفاق حول نقاط الإصلاح المطلوبة، وخاصة ما تعلق بتجديد دماء مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير وانتخاب قيادات جديدة بما في ذلك منصب الرئيس. لكن الهروب إلى الإجراءات الشكلية لن يحل مشكلة السلطة وعباس.
وتعهد الرئيس الفلسطيني في الاجتماع الطارئ للقمة العربية الذي عقد في القاهرة في الرابع من مارس الماضي بـ”إعادة هيكلة الأطر القيادية للدولة الفلسطينية، وضخ دماء جديدة في منظمة التحرير وحركة فتح وأجهزة الدولة.”
وقال عباس في كلمته أمام الزعماء العرب “قرّرنا استحداث منصب وتعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، واتخاذ الإجراءات القانونية من أجل ذلك.”
لكن سياسيين فلسطينيين ومراقبين يرون أن ما يقوم به عباس من إصلاحات شكلية لا يعدو أن يكون أقرب إلى المناورة وشراء الوقت لتلافي الضغوط الدولية.
ويقول الكاتب والمحلل خليل شاهين إن هذه الخطة “انحناء أمام عاصفة الضغوط الدولية والإقليمية.” إلا أنه شكّك في “أن تجدي نفعا إذا لم تشمل رئيس السلطة الوطنية.”
ويعتبر المحلل السياسي جهاد حرب أن انتخاب نائب للرئيس “منصب شكلي ولا يلبّي المطالب العربية والأجنبية.”
وللتغطية على محدودية الإجراءات التي ينوي إدخالها على مؤسسات السلطة لجأ عباس إلى توجيه انتقادات لحماس ومطالباتها بتسليم الرهائن ونزع سلاحها، في تناغم مع المطالب الدولية، وليقدم نفسه كرجل المرحلة المقبلة النافذ الذي يقدر على فرض ما عجز عنه الوسطاء.
وحضّ عباس الأربعاء في افتتاح جلسة المجلس المركزي الفلسطيني في مدينة رام الله، حماس على تسليم الرهائن الإسرائيليين “لسد الذرائع” أمام إسرائيل التي تواصل قصفها لقطاع غزة.
وتوجه عباس بعبارة نابية عندما تحدث عن حماس، فقال “كل يوم هناك قتلى، لماذا؟ لا يريدون تسليم الرهينة الأميركي، يا أبناء الكلب سلّموا من عندكم وانتهوا من هذا الأمر.”
وقال عباس إنه يتعين “أن تنهي حركة حماس سيطرتها على قطاع غزة وأن تسلّم القطاع بكل شؤونه وأن تسلّم الأسلحة كذلك إلى السلطة الوطنية الفلسطينية وتتحول إلى حزب سياسي يعمل وفق قوانين الدولة الفلسطينية، ويلتزم بالشرعية الدولية وبالشرعية الوطنية التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية.”
ورفضت حماس مطالبات في الأشهر القليلة الماضية من إسرائيل والولايات المتحدة بإلقاء السلاح. ويتمتع المجلس المركزي الفلسطيني بصفة مراقب في الأمم المتحدة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، ويسيطر على السلطة الفلسطينية. وتولى عباس البالغ من العمر 89 عاما رئاسة السلطة الفلسطينية بعد وفاة الزعيم المخضرم لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات عام 2004.
وظل لسنوات يعارض تسمية نائب أو خليفة له، لكن حرب غزة زادت الضغوط عليه لاتخاذ الخطوة. واقترحت الدول العربية الشهر الماضي خطة لما بعد الحرب لإدارة غزة مؤقتا من قبل لجنة قبل إعادة القطاع إلى سيطرة السلطة الفلسطينية.
الوضع الذي وصلت إليه غزة بسبب هجوم حماس وما تبعه من دمار واسع يتحمل رئيس السلطة الفلسطينية جزءا كبيرا منه لعجز سلطته عن تأمين القطاع وتركه لحماس
وحثت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، التي يُتوقع أن تلعب دورا في تمويل أي إعادة إعمار لغزة بعد الحرب، مرارا على إصلاح السلطة الفلسطينية.
ويتألف المجلس المركزي الفلسطيني من 188 عضوا، وهو هيئة لها ثقلها في النظام السياسي الفلسطيني، ويتكوّن من ممثلين عن الفصائل الفلسطينية الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية التي لا تضم حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني إن المجلس المركزي يجتمع الأربعاء والخميس بناء على تخويل بصلاحيات المجلس الوطني، و”طبقا لهذا التخويل، سيقوم بتعديل الفقرة ب من المادة 13 من النظام الداخلي بحيث تُمنح اللجنة التنفيذية صلاحيات انتخاب نائب لرئيس اللجنة التنفيذية.”
ويرأس محمود عباس اللجنة التنفيذية، وهو أيضا رئيس حركة فتح، المكوّن الأكبر في منظمة التحرير، ورئيس السلطة الفلسطينية. وقال مجدلاني “اللجنة التنفيذية هي التي تنتخب رئيسا لها وتوزّع المهام على أعضائها سواء بانتخاب نائب للرئيس أو تكليف نائب للرئيس.”
وتضمّ اللجنة التنفيذية 15 عضوا، من بينهم ثلاثة يمثلون حركة فتح، وهم بالإضافة إلى عباس، أمين سر اللجنة حسين الشيخ والقيادي في حركة فتح عزام الأحمد. وتشير تقديرات إلى احتمال أن يكون أحدهما نائب الرئيس.
غير أن مصادر رفضت ذكر اسمها ذكرت أن عباس قد يدفع إلى انتخاب عضو اللجنة التنفيذية زياد أبوعمرو لهذا المنصب، لاسيما أن أبوعمرو يتحدّر من قطاع غزة الذي يشهد حربا مدمّرة منذ أكثر من 18 شهرا بين حركة حماس وإسرائيل.