بغداد أولى محطات باريس ضمن جولة إقليمية للدفع بحل الدولتين

بغداد - استهل وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو الأربعاء من العراق جولة إقليمية تشمل الكويت والسعودية، في إطار مساعي باريس إلى الدفع بحلّ الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
وتأتي هذه الجولة في توقيت بالغ الحساسية، حيث تسعى باريس بقوة للدفع بمسار حل الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي المساعي التي تتزامن مع تصاعد ملحوظ في حدة الخلافات بين باريس وتل أبيب على خلفية إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نيته الاعتراف بدولة فلسطين.
وفي بغداد، عقد بارو مباحثات معمقة مع نظيره العراقي فؤاد حسين، ومن المقرر أن يلتقي لاحقا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، على أن يسافر إلى إقليم كردستان الواقع بشمال العراق حيث سيجتمع بمسؤولين أكراد، قبل أن يغادر الخميس إلى الكويت ثمّ السعودية.
وشكلت القضية الفلسطينية وسبل إحياء مسار حل الدولتين محورا أساسيا في المحادثات، حيث تستعد باريس بالاشتراك مع الرياض لاستضافة مؤتمر دولي حول هذا الملف في نيويورك خلال يونيو المقبل.
وخلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره الفرنسي، أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين على توافق البلدين بشأن ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية. وشدد الوزيران على أهمية أن تشمل العملية السياسية في سوريا كافة الأطراف والمكونات السورية، بهدف الوصول إلى نظام حكم ديمقراطي يضمن حقوق جميع أطياف الشعب السوري.
وفي سياق التحديات الإقليمية الأوسع، أعرب الوزيران عن دعمهما الكامل للمفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، مؤكدين على الأهمية القصوى لتحقيق تفاهمات مشتركة تسهم في إبعاد منطقة الشرق الأوسط عن شبح صراعات وحروب جديدة، باعتبار الحوار والتفاوض هما السبيل الأمثل لتحقيق نتائج إيجابية ومستدامة.
من جهته، جدد وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو التأكيد على التزام بلاده الثابت بدعم سيادة جمهورية العراق ووحدة أراضيها واستقرارها. وأشار إلى الأهمية الاستراتيجية لاستمرار الدعم الاقتصادي والتنموي للعراق في المراحل المقبلة، مؤكدًا على قناعة باريس الراسخة بأن "عراقا قويا ومستقلا يمثل حجر الزاوية في تحقيق الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط" التي تشهد تقلبات وتوترات متزايدة.
واستعرض بارو اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي تم توقيعها بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في شهر يناير من العام 2023، مشددا على أن هذه الاتفاقية تعكس التزاما سياسيا عميقا بدعم العراق في مساراته السيادية وتمكينه من بناء مستقبله على أسس راسخة ومتكاملة.
كما أشاد الوزير الفرنسي بالدور المحوري الذي يلعبه العراق في تعزيز الحوار الإقليمي، مؤكدا على دعم فرنسا المستمر لمؤتمر بغداد بمختلف دوراته، باعتباره "منصة فريدة في المنطقة" تجمع العراق بجيرانه والدول الإقليمية المؤثرة مثل تركيا وإيران، بالإضافة إلى المنظمات الإقليمية، بهدف تعزيز التعاون الجماعي وضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط.
وكشف عن التحضيرات الجارية لعقد نسخة جديدة من هذا المؤتمر الهام في المستقبل القريب، مشيرًا إلى أهميته في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية المشتركة.
على الصعيد الأمني، أكد وزير الخارجية الفرنسي استمرار التعاون العسكري الوثيق بين البلدين، من خلال برامج تعزيز قدرات القوات المسلحة العراقية، وتنظيم دورات تدريبية متخصصة للقضاة والأجهزة الأمنية المدنية وقوات الشرطة، بهدف تطوير البنى المؤسسية ورفع مستوى الأداء الأمني والعدلي في العراق.
وفي الجانب الاقتصادي، شدد بارو على "التزام فرنسا بدعم طموحات العراق في تنويع اقتصاده وتحقيق التنمية الصناعية المستدامة"، مؤكدًا على أن "استقرار البلاد وطاقات شبابه المبدعة يمنحان العراق إمكانات هائلة للنهوض الاقتصادي والازدهار". ودعا الشركات الفرنسية إلى "استئناف نشاطها وتعزيز علاقاتها التجارية والاستثمارية مع العراق، وإعادة بناء الروابط التي تضررت في السنوات الماضية".
وفي بيان سابق للخارجية الفرنسية، فإن الهدف من زيارة نويل بارو لبغداد، هو التأكيد على "تمسّك فرنسا باستقرار العراق وبدوره كمركز للتوازن الإقليمي".
وستتيح كذلك "إعادة التأكيد على التزام فرنسا بمواصلة محاربة داعش (أي تنظيم الدولة الإسلامية)، على خلفية المرحلة الانتقالية في سوريا المجاورة وإعادة تموضع القوات الأميركية"، بحسب البيان.
وكشفت السلطات العراقية قبل أشهر عن جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من أراضيها، وذلك بعد سبعة أعوام من إعلان القوات العراقية دحر تنظيم الدولة الإسلامية محليا. وستحلّ محلّ ذلك شراكات ثنائية مع كل دولة عضو في التحالف العسكري المنخرط في القتال ضد الجهاديين.
ويسعى بارو من خلال جولته إلى الإعداد لمؤتمر حلّ الدولتين وكذلك "مؤتمر بغداد الثالث للاستقرار الإقليمي".
وتزايدت الدعوات الداعمة لـ"حل الدولتين" منذ أن اندلعت حرب غزة التي أشعل فتيلها هجوم غير مسبوق شنّته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.
وتعترف بالدولة الفلسطينية نحو 150 دولة بينها العراق. وفي مايو 2024، اتخذت أيرلندا والنرويج وإسبانيا هذه الخطوة، ثم تلتها سلوفينيا في يونيو. لكن حل الدولتين ما زال مرفوضا من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتكتسب محطة بغداد أهمية خاصة في هذه الجولة، ليس فقط لتعزيز العلاقات الثنائية ودعم استقرار العراق، بل أيضًا لتأكيد الدور العراقي المحوري كمركز إقليمي يمكن أن يسهم في تحقيق التوازن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.