أسعار الذهب القياسية تغير ديناميكية تجارة المجوهرات في دبي

يلمس تجار الذهب في دبي تغيرا ملحوظا بفعل الأسعار القياسية التي بات عليها هذا المعدن نتيجة التقلبات العالمية، الأمر الذي يجعل من عمليات البيع والشراء تنخفض، وهو ما يؤثر على ديناميكية القطاع في إحدى أبرز الأسواق على مستوى الشرق الأوسط.
دبي - تُعتبر المجوهرات الذهبية عيار 22 قيراطًا خيارًا تقليديًا مُفضلًا لحفلات الزفاف والاحتفالات الدينية، وكاستثمار عائلي في سوق الذهب الصاخبة في دبي، المُلقبة بـ”مدينة الذهب”.
ومع ذلك، مع بلوغ أسعار السبائك مستويات قياسية تتجاوز 3500 دولار للأونصة للمرة الأولى في تاريخها على وقع الحرب التجارية والتوتّر بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) جيروم باول، هناك بوادر تغيير، حيث يتجه المشترون إلى الماس والمجوهرات الذهبية الأخف وزنا.
وفي حين أن الرسوم الجمركية الأميركية وعوامل أخرى قد زادت الطلب المتزايد أصلاً على الذهب كاستثمار كونه ملاذا آمنا، إلا أن التأثير يختلف بالنسبة إلى المجوهرات الذهبية، وفقاً لأندرو نايلور، رئيس قسم الشرق الأوسط والسياسات العامة في مجلس الذهب العالمي.
وقال نايلور “في أسواق مثل دبي، يُحدث هذا تأثيراً مزدوجا، فمن جهة نرى إقبالاً متزايداً على الذهب كملاذ آمن، ومن جهة أخرى تُضعف الأسعار المرتفعة الطلب على المجوهرات.”
وتعد سوق الذهب في الإمارة الخليجية، وهي مركز مهم للأعمال والسياحة والسفر في منطقة الشرق الأوسط، واحدة من أبرز أسواق الذهب على مستوى العالم، حيث تتمتع بسمعة قوية في تقديم جودة عالية وأسعار منافسة.

وتشير التقديرات إلى أن ما بين 20 و40 في المئة من مخزونات الذهب في العالم تمر عبر دبي سنويا، ومعظم ذلك يأتي إلى سوق الذهب. ويوجد في المنطقة 300 متجر في نصف كيلومتر مربع فقط.
وصرّح تجار التجزئة لرويترز بأنهم يلاحظون هذا الاتجاه، حيث تدفع الأسعار الحالية المتسوقين إلى البحث عن بدائل. وقال فهد خان مندوب المبيعات في متجر داماس للمجوهرات “لا يوجد زبائن محتملون هذه الأيام بسبب أسعار الذهب.”
وبالنسبة إلى المشترين تبدو عليهم علامات التردد في دفع أموالهم لشراء حلي أسعارها في مسار صعودي. وقالت لاليتا ديف، 52 عاما، أثناء تجولها في السوق “من الصعب شراء الذهب، لذلك أعتقد أنه من الأفضل اختيار الماس.”
ولطالما كانت دبي وجهة جاذبة لمشتري الذهب منذ ما لا يقل عن ثمانية عقود، بدءًا من التجار الإيرانيين والهنود، حيث تتشارك كلتا الثقافتين تقاليد في صناعة مجوهرات عيار 22 قيراطا للزينة والاستثمار.
ومع ارتفاع أسعار الذهب بنسبة 27 في العام الماضي، انخفض الطلب على المجوهرات الذهبية في دولة الإمارات بنحو 13 في المئة، متجاوزًا بذلك انخفاضًا عالميًا بنسبة 11 في المئة، وفقًا لمجلس الذهب العالمي.
وأشار المجلس في تقريره حول اتجاهات الطلب على الذهب الصادر في فبراير الماضي إلى أن الطلب على المجوهرات قد يواجه ضغوطًا أكبر في المناطق الرئيسية عام 2025 إذا ظلت أسعار الذهب مرتفعة أو متقلبة. وأشار التقرير إلى أن تقلبات الأسعار، أكثر من مستوياتها، تُشكل سلوك المستهلك بشكل متزايد، لاسيما في الهند.
وفي وقت سابق هذا العام قال عبدالله أحمد آل صالح وكيل وزارة الاقتصاد خلال أحد المؤتمرات إن “إجمالي تجارة الذهب في دولة الإمارات خلال العام الماضي نما بمقدار 43 في المئة على أساس سنوي، ليبلغ أكثر من 191 مليار دولار.”
وبحسب بيانات الوزارة توجد أكثر من 5067 شركة عاملة في قطاع الذهب والمعادن الثمينة، إضافة إلى 57 مصفاة مرخصة، تعمل وفق معايير صارمة تضمن التوريد المسؤول بالدولة.
وغالبًا ما تمتد تأثيرات التحولات في أنماط الشراء الهندية إلى أسواق الخليج العربي، مثل دولة الإمارات، حيث يُعدّ المشترون محركًا رئيسيًا للمبيعات.
ورفع بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس مؤخرًا توقعاته لسعر الذهب بنهاية هذا العام إلى 3700 دولار للأونصة. وأشار محللو البنك إلى إمكانية ارتفاع الأسعار إلى 4500 دولار.
وصرح روس مولد مدير الاستثمار في شركة أي.جي بيل لرويترز بأنه “من المرجح أن يُضعف ارتفاع أسعار الذهب الطلب على المجوهرات، في مثال واضح على أن أفضل علاج لارتفاع الأسعار هو ارتفاع الأسعار.”
ومن مؤشرات التوفير ارتفاع أسعار الماس المُصنّع في المختبرات. وأظهرت بيانات مجلس ترويج صادرات الأحجار الكريمة والمجوهرات أن الهند صدّرت ما قيمته 171 مليون دولار إلى الإمارات في 2024، بزيادة 57 في المئة مقارنة بنحو 109 ملايين دولار قبل عامين.
وارتفعت صادرات الهند من الماس المقطوع والمصقول إلى الإمارات في الفترة من أبريل إلى نوفمبر الماضيين بنسبة 3.7 في المئة.
13
في المئة انخفاض الطلب على المجوهرات بالإمارات في 2024، وفق مجلس الذهب العالمي
وتؤكد بيانات تجارية أن دولة الإمارات احتلت المرتبة الثالثة في واردات الماس العالمية في عام 2023، ومن بين شركائها التجاريين الرئيسيين الهند وجنوب أفريقيا وبلجيكا.
وفي حين أن إيرادات سوق المجوهرات الماسية العالمية لم تتجاوز 1.5 في المئة خلال 2023 من المتوقع أن تنمو بنسبة 5.9 في المئة سنويًا لتصل إلى ما يقارب ملياري دولار بحلول عام 2030، وفقًا لشركة غراند فيو ريسيرش.
ويتجاوز هذا النمو توقعات النمو العالمي البالغة 4.5 في المئة، ما يجعل الإمارات العربية المتحدة أسرع الأسواق نموًا في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وصرح مسؤولان تنفيذيان في كبرى شركات تصدير الماس الهندية لرويترز بأن أحد تأثيرات التوترات التجارية الأخيرة مع الولايات المتحدة كان تسريع الحديث عن إيجاد أسواق ومراكز إنتاج بديلة.
وقال أحد المصادر، الذي تحدث إلى رويترز شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه “في حال استمرار التوترات، والتي قد تمتد لسنوات، فإن خطط شركته الطارئة تتضمن نقل بعض الإنتاج الهندي إلى الخارج، بما في ذلك إلى الإمارات.”
وأوضح شاملال أحمد، المدير الإداري للعمليات الدولية في شركة مالابار للذهب والماس، لرويترز أن ارتفاع مبيعات الماس المزروعة في المختبر بالإمارات يبدو مدفوعًا بتفضيلات التصميم أكثر من السعر. وظل متفائلًا بشأن الطلب على مجوهرات الذهب.
وقال “في حين أن المشترين المهتمين بالأسعار قد ينتظرون انخفاضًا، إلا أن تجربتنا تُظهر أن مثل هذه الانخفاضات غالبًا ما تكون قصيرة الأجل، حيث يتكيف المشترون بسرعة مع مستويات الأسعار الجديدة.”