تنامي النزعة الحمائية للتجارة يزيد من إثقال كاهل شركات الشحن

باريس - تواجه شركات الشحن البحري الدولية حتمية التأقلم مع الاضطرابات المرتبطة بالقرارات الأميركية للتعريفات الجمركية، والتي أثارت تقلبات غير مسبوقة في النشاط خلال الأسابيع الأخير مع تراجع حمولات السفن والتقلب المستمر في الأسعار.
وأحدث تعليق الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرسوم الجمركية الإضافية على الواردات لمدة 90 يوما، مع الاستثناء الملحوظ لتلك المفروضة على الصين، هزة جديدة في الأسواق بعد الاضطرابات المسجلة في بداية عام 2025.
وتؤدي شركات الشحن من خلال أسطول سفنها دورا محوريا ليس في تغذية الأسواق بالسلع الضرورية فحسب، وإنما في ضمان تدفق الإمدادات إلى المصنعين العالميين.
ويقول ألكسندر شاربنتييه خبير النقل المتعاون مع شركة رولان بيرجيه إنه “في الأسابيع الثلاثة التي سبقت الإعلان شهدنا تباطؤا في التجارة، وكانت سفن كثيرة محملة بنسبة 50 في المئة فقط في المسارات العابرة للمحيطين الأطلسي والهادئ باتجاه الولايات المتحدة.”
خلال هذه الفترة انخفضت أسعار الشحن البحري، واحتفظت شركات الشحن بمخزوناتها احترازيا، غير أن ألكسندر شاربنتييه يلفت خلال حديثه مع وكالة فرانس برس إلى “تسجيل مفعول معاكس” في الأيام العشرة الماضية.
كما أن قرار الممثل التجاري للبيت الأبيض جيمسون غرير الخميس الماضي بفرض ضرائب على السفن المصنعة في الصين عندما ترسو في الموانئ الأميركية، بدءا من منتصف أكتوبر، من شأنه أن يزيد الأمور تعقيدا.
ومن المعلوم أن قرابة نصف السفن المشيدة في العالم تأتي من أحواض بناء السفن الصينية، وهي سوق تقدر بمليارات الدولارات.
ويوضح شاربنتييه أن “الناس يريدون شحن أكبر قدر ممكن من البضائع إلى الولايات المتحدة، وهم يقومون بتصفية مخزوناتهم، وهناك اندفاع إلى حجز مساحات لهم” في سفن الشحن، إلى درجة أنه أصبح من الصعب في بعض الأحيان نقل الحاوية وبدأت الأسعار في الارتفاع مجددا.
لكن على المدى الطويل تخشى الشركات انخفاض أسعار الشحن، كما حدث في عامي 2018 و2019، خلال ولاية ترامب الأولى، ومع فرض حواجز جمركية أقل حدة من تلك الموجودة اليوم.
وخلال تلك الفترة واجهت شركات النقل “طاقة فائضة وانخفاضا قي أسعار الشحن وارتفاعا في التكاليف، وفي نهاية المطاف انخفضت الإيرادات،” حسب ما تذكره ساندي غوسلينغ، المتخصصة في النقل والخدمات اللوجستية في شركة ماكينزي.
ويقول شاربنتييه إنه “من الصعب أن نقرأ ما يحمله المستقبل، ولكن ما يبدو لنا الأكثر احتمالا هو تراجع بعض الطرق لصالح دول أخرى في جنوب شرق آسيا أو الهند.”
وتتوقع آن صوفي فريبورغ، نائبة رئيس شركة الشحن البريطانية زينكارغو، أن يصبح مسار الشحن بين الصين والولايات المتحدة خاسرا. وقالت إذا تأكد ذلك “سيعدّل مالكو السفن عملهم. وهذا يعني التخلي عن المسارات التقليدية والتوجه نحو مسارات جديدة، مثل أميركا اللاتينية التي تشهد طلبا متزايدا نسبيا منذ فترة لا بأس بها.”
وفي الوقت الحالي لم تعمد الشركات العالمية الكبرى مثل أم.أس.سي أو سي.أم.أي – سي.جي.أم أو ميرسك إلى إعادة نشر أساطيلها للتكيف مع الوضع الجديد.
وأكدت شركة هاباغ لويد الألمانية أنها لم تشهد “أي تغيير في (مسارات) المحيط الأطلسي” لكنها سجلت “انخفاضا هائلا في الصين،” قابلته “زيادة كبيرة في الطلب في جنوب شرق آسيا.”
وفي مذكرة لزبائنها توقعت مجموعة بوسطن الاستشارية انخفاضا حادا في التجارة بين الصين والولايات المتحدة وزيادة في التجارة داخل “الجنوب العالمي” الذي يتكون من دول ناشئة وبلدان مجموعة بريكس وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
وبحسب منظمة التجارة العالمية، فإن التجارة العالمية في السلع قد تنخفض بنسبة 1.5 في المئة من حيث الحجم خلال 2025، وذلك تبعا لسياسة التعريفات التي ينتهجها ترامب. كما توقعت المنظمة انهيار حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة بنسبة 81 في المئة.
وكان قطاع الشحن البحري قد نجح في التغلب على الكثير من الأزمات في السنوات الأخيرة رغم أنها أثرت على نتائج أعماله التي تقلصت بعض الشيء.
وبعد انقطاع سلاسل التوريد خلال سنوات الوباء والحاجة إلى الالتفاف حول أفريقيا بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة أواخر 2023، اكتسب أصحاب السفن “المرونة اللازمة لتغيير الطرق،” وفق فريبورغ. ومع ذلك يعتقد شاربنتييه أن “إعادة توزيع تدفق (رحلات الشحن) إلى مناطق أخرى ستستغرق بعض الوقت.”
وترجح منظمة التجارة العالمية استنادا إلى خبرائها أن يزيد حجم مبادلة السلع بنسبة 3 في المئة خلال عام 2025، ولكنها حذرت من أن التوترات الجيوسياسية المتزايدة وعدم اليقين المتفاقم بشأن السياسة الاقتصادية لا يزالان يشكلان مخاطر سلبية كبيرة.