حكومة الدبيبة تحاول التنصل من دهس سيارة أمنية مشجعين بملعب طرابلس

وزارة الداخلية تفتح تحقيقا في الحادث الذي وصفته بالسلوك الفردي، فيما يؤكد شهود عيان أن السيارة اقتحمت تجمعات الجماهير ما أدى إلى إصابات.
الثلاثاء 2025/04/22
مآسي تتكرر في ظل الفلتان الأمني

طرابلس - هزت واقعة مروعة محيط ملعب طرابلس الدولي عقب مباراة كرة قدم بين ناديي الأهلي طرابلس والسويحلي، حيث أقدمت سيارة تحمل شعار وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية على دهس مشجعين بشكل متعمد، وفقا لشهود عيان ومقاطع فيديو متداولة.

وفي محاولة واضحة للتنصل من مسؤوليتها المؤسسية، سارعت وزارة الداخلية التابعة لحكومة عبدالحميد الدبيبة إلى وصف الحادث بأنه "سلوك فردي"، مؤكدة فتح تحقيق عاجل في الواقعة التي أسفرت عن إصابات خطيرة وحالة من الغضب الشعبي.

في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، أعلنت وزارة الداخلية عن "ضبط السيارة التابعة لإحدى الجهات الأمنية المتورطة في دهس مشجعين"، مشددة على اتخاذ "الإجراءات القانونية حيال المتورطين".

وأكدت الوزارة على تعليمات "عاجلة" أصدرها وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي بفتح تحقيق "فوري وشامل" مع "تحديد المسؤوليات بدقة". وقد تم الإعلان عن "جلب المركبة المعنية وسائقها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".

والملفت في بيان الداخلية هو التركيز الشديد على وصف الحادث بأنه "سلوك فردي لا يعكس سياسة الوزارة أو نهجها المهني".

وقد عبرت الوزارة في بيان عبر صفحتها على فيسبوك عن "أسفها لما حدث"، مؤكدة أنها "لن تتهاون في اتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية لمحاسبة المتورطين وتحقيق العدالة وإنصاف المتضررين".

كما حاولت الوزارة تبرير الحادث بالإشارة إلى "اعتداء بعض المشجعين على دوريات الشرطة" وسعي الأخيرة إلى "تفادي التصعيد والابتعاد عن موقع الحادث".

وتتعارض الرواية الرسمية لوزارة الداخلية بشكل كبير مع شهادات شهود العيان والمقاطع المصورة التي انتشرت على نطاق واسع. فقد أكد شهود عيان لقناة "روسيا اليوم" أن سيارة مسلحة تابعة للوزارة اقتحمت تجمعات الجماهير عقب انتهاء المباراة، ودهست عددا من الشبان وسط حالة من الهلع والفوضى. كما أفادوا بسماع إطلاق نار في المكان، ما زاد من خطورة الوضع.

وتظهر المقاطع المصورة سيارات تحمل بوضوح شعار وزارة الداخلية وهي تسير بسرعة كبيرة خارج الملعب، وتقوم بدهس مشجعين كانوا يسيرون على الطريق، دون أي إشارة واضحة لمحاولة تفادي أو انسحاب حذر. وهذه المشاهد المصورة تقدم دليلا قويا يناقض وصف الوزارة للحادث بأنه مجرد "سلوك فردي" أو رد فعل على اعتداء.

وأكدت مصادر طبية لقناة "روسيا اليوم" نقل شاب عشريني إلى مصحة قريبة في حالة حرجة، بينما لم يتم الإعلان عن حصيلة نهائية للإصابات.

وقد أدت الواقعة إلى تصاعد الغضب بين الجماهير، حيث تطورت الأحداث إلى مناوشات مع المجموعة المسلحة، أسفرت عن حرق آلية تابعة لها في محيط الملعب، في ظل تأخر واضح في الانتشار الأمني الفعال.

وأصدر نادي الأهلي طرابلس بيانا رسميا أعرب فيه عن "إدانته الشديدة واستنكاره البالغ" للحادث "المؤسف"، محملا "جهاز الدعم المركزي" التابع لوزارة الداخلية مسؤولية "الانتهاكات التي طالت المشجعين".

وطالب النادي بفتح تحقيق "فوري وشفاف" من قبل وزير الداخلية والنائب العام، مؤكداً أن "هذا الفعل غير المقبول يُعد انتهاكًا صارخًا لسلامة الجماهير ولا يمكن السكوت عنه". كما دعا النادي إلى محاسبة المسؤولين وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث، معلناً تضامنه الكامل مع المصابين وأسرهم.

وتبدو محاولة وزارة الداخلية التابعة لحكومة الدبيبة حصر المسؤولية في "سلوك فردي" محاولة لتجنب المساءلة المؤسسية والاعتراف بفشل محتمل في إدارة الأمن وضبط سلوك الأفراد المنتمين للأجهزة الأمنية.

وحادثة دهس المشجعين في طرابلس ليست الأولى من نوعها في ليبيا، حيث تكررت حوادث العنف والفلتان الأمني المرتبطة بأفراد أو مجموعات تنتمي إلى مختلف الأجهزة الأمنية.

ويثير هذا التكرار تساؤلات جوهرية حول آليات الرقابة والتدريب المتبعة داخل هذه الأجهزة، وكيفية تأهيل الأفراد العاملين في القطاع الأمني، والإجراءات المتخذة لضمان التزامهم بالقانون والمعايير الإنسانية الدولية.

وعلاوة على ذلك، تبرز قضية مسؤولية القيادات الأمنية بشكل ملح، ففي ظل تكرار مثل هذه الحوادث، يصبح من الضروري مساءلة القيادات عن أفعال مرؤوسيها، وتحديد مدى تحملهم للمسؤولية عن ضمان سلوك أفرادهم.

كما أن جدية التحقيقات المعلنة تبقى محل شكوك، حيث يطالب الليبيون بتحقيقات شفافة ونزيهة لا تستثني أحدا، وتطال جميع المتورطين في الحادثة بغض النظر عن رتبهم أو الجهات التي ينتمون إليها، بدلا من الاقتصار على تحميل "السائق" المسؤولية كما قد يوحي البيان الأول لوزارة الداخلية.

ويكشف الحادث عن غياب واضح أو قصور في آليات حماية الجماهير خلال الفعاليات الرياضية، كما يسلط الضوء على الإجراءات الأمنية المتبعة لتأمين محيط الملاعب وضمان سلامة المشجعين، ومدى كفايتها وفعاليتها في منع وقوع مثل هذه الحوادث المأساوية.

وتشهد ليبيا حالة من الانقسام السياسي والصراع على السلطة منذ سنوات، ما أثر بشكل كبير على أداء المؤسسات الحكومية والأمنية، فحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، والتي تتخذ من طرابلس مقرا لها، لا تحظى بالاعتراف الكامل من كافة الأطراف الليبية، وتواجه تحديات كبيرة في بسط سيطرتها وتوحيد الأجهزة الأمنية المختلفة التي تشكلت في ظل الانقسام.

وجهاز "الدعم المركزي"، الذي اتهمه نادي الأهلي طرابلس بالمسؤولية، هو أحد الأجهزة الأمنية القوية في طرابلس، وله تاريخ في بعض الحوادث الأمنية التي أثارت جدلا.

وقد تعكس محاولة الحكومة التنصل السريع من مسؤولية هذا الجهاز خشيتها من تداعيات أوسع للحادث وتأثيره على استقرار الوضع الأمني الهش في العاصمة. وتنتظر الأوساط الرياضية والحقوقية في ليبيا تحركا جادا يضمن عدم تكرار مثل هذه المآسي ويحمي أرواح وسلامة المواطنين.