تركيا تتطلع إلى تعزيز مكانتها الإقليمية في قطاع الطاقة

تتطلع تركيا إلى تعزيز مكانتها الإقليمية في قطاع الطاقة من خلال عقد المزيد من الشراكات الدولية وتعزيز التعاون مع دول عربية خلال الفترة المقبلة، أملا في تحقيق هدف الاستقلالية المنشودة في هذا المجال، وفي الوقت ذاته دعم نفوذها خارجيا رغم التحديات التي تواجهها.
جيرسون (تركيا) - تعتزم تركيا توقيع حزمة من الاتفاقيات لاستكشاف النفط والغاز في كل من ليبيا والعراق، إضافة إلى دول أخرى مثل بلغاريا وأذربيجان وباكستان تركمانستان.
وتأتي الخطوة في سياق خطط أنقرة لتحويل البلد إلى مركز إقليمي للطاقة مستقبلا والذي كان منذ فترة طويلة جزءا من سعي الحكومة لتحقيق الاستقلال الإستراتيجي، وهو هدف طموح لبلد يتمتع بموارد طاقة محدودة للغاية.
كما أن هزات الاقتصاد المتلاحقة، وخاصة تأمين الإمدادات الكافية من الوقود الأحفوري ومنتجات التكرير، والسعي لكبح أسعاره، تدفع أنقرة إلى السير في هذا المسار رغم العناوين البراقة للحكومة حول الاكتشافات وعمليات التنقيب التي تنوي القيام بها.
وأفاد وزير الطاقة ألب أرسلان بيرقدار في تصريحات أثناء زيارة إلى مدينة جيرسون المطلة على البحر الأسود بأن بلاده ستعلن قريباً عن اتفاقية مع ليبيا التي أطلقت في مارس أول مناقصة للتنقيب منذ أكثر من 17 عاماً، مؤكدا أن ثمة اهتماما باستكشاف حقول في العراق.
وترغب تركيا أيضا في الاستفادة من موقعها الجغرافي لتصبح مركزاً للغاز يلبي الطلب في الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط.
وبحسب بيرقدار تجرى محادثات مع بلغاريا لاستكشاف خيارات زيادة سعة نقل الغاز المسال عبر حدود البلدين المشتركة لتعزيز تدفقاته إلى أسواق أوروبا.
وتسعى تركيا، التي تستورد أكثر من 90 في المئة من حاجتها إلى الطاقة، لخفض فاتورة الواردات وتعزيز أمن الإمدادات من خلال تطوير الموارد المحلية وتوسيع الشراكات الدولية في مجال استكشاف النفط والغاز.
ويدرك المسؤولون أن الطريق إلى الاستقلال الإستراتيجي يتطلب بناء الجسور مع الحلفاء والأعداء على حد السواء. ومن المجالات التي قد تكون مفيدة في بناء التحالفات قطاع الطاقة.
وتركيا هي أحد أكبر مستهلكي الطاقة في العالم، لكنها فقيرة في الموارد الطبيعية، وهي تعتمد بشكل كبير على روسيا وجيران مثل العراق وإيران لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وهذا الاعتماد يفرز نقاط ضعف بالنسبة إليها.
وللتغلب على هذه التحديات وتعزيز موقف أنقرة، سعى الرئيس رجب طيب أردوغان منذ سنوات إلى وضع بلاده كمركز للطاقة، وربط منتجي الغاز الطبيعي في شرقها وجنوبها بالأسواق في الغرب.
والتقارب بين تركيا وليبيا في قطاع النفط بدأ عام 2022، عندما وقعت أنقرة وحكومة الوحدة الوطنية الليبية مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية الليبية.
وكانت الخطوة امتدادا لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة في نوفمبر 2019، ضمن مساع تركية استهدفت توسيع أعمال استكشافها في البحر المتوسط والتي أغضبت بعض الدول، منها مصر واليونان وقبرص.
أنقرة تسعى إلى إقامة شراكات لتطوير حقول نفط وغاز في تركمانستان التي بدأت في استيراد الغاز الطبيعي منها خلال الفترة الماضية
وخفض التقارب التركي – المصري وتبادل الزيارات على مستوى القيادتين، بعد سنوات من توتر العلاقات، من شدة الصراع في ليبيا، بل وانخرط الطرفان في مساعٍ لتهدئة الأمور بين الحكومتين المتخاصمتين من أجل التوصل إلى اتفاق ينهي حصار تصدير النفط من الحقول الليبية.
وفي نهاية الأسبوع الماضي استضافت مدينة إسطنبول المؤسسة الوطنية للنفط الليبية ضمن حملة تستهدف جذب المستثمرين إلى القطاع، بعد فعاليات مماثلة قامت بها في لندن وهيوستن الأميركية.
أما العلاقات النفطية بين العراق وتركيا فتواجه تحدياتٍ مستمرة منذ توقفت صادرات الخام عبر خط أنابيب كركوك – جيهان في مارس 2023، عقب قرار تحكيم دولي صدر عن غرفة التجارة الدولية في باريس.
وألزم قرار الغرفة آنذاك أنقرة بدفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار جراء تسهيل صادرات النفط الخام من إقليم كردستان دون موافقة البلد العضو في منظمة أوبك.
ولا تزال المفاوضات جارية بين بغداد وأنقرة لإعادة تشغيل خط الأنابيب، وأشار مسؤولون عراقيون أكثر من مرة إلى قرب استئناف تدفقات النفط من كردستان غير أن مسائل مالية وقانونية عطلته.
ومطلع 2025 أعلنت شركة نفط الوسط العراقية في بيان عن اكتشاف أكبر مخزون في حقل شرق العاصمة بغداد، بالتعاون مع شركة إي.بي.أس الصينية. وتوقعت أن يضيف أكثر من ملياري برميل إلى احتياطيات البلاد.
90
في المئة حجم ما تستورده تركيا من النفط والغاز والوقود لتلبية احتياجاتها السنوية، وفق التقديرات
وفي الصومال حيث وقعت تركيا خلال الآونة الأخيرة اتفاقية لاستكشاف النفط والغاز، من المتوقع أن تنتهي عملية جمع البيانات السيزمية بحلول نهاية مايو، مع احتمال اتخاذ قرار بشأن الحفر في نهاية العام.
وقال بيرقدار إن “تركيا أضافت ثلاث مناطق برية إلى تراخيصها البحرية في الصومال.” وأضاف أن “المسح البحري للصومال سيكتمل في نهاية مايو تقريبا. وبحلول نهاية العام الحالي، سنتخذ قرارنا بشأن الحفر.”
وبالإضافة إلى البلدان العربية الثلاثة، صرح الوزير بأن أنقرة تهدف إلى الانتهاء من اتفاق في الشهر المقبل يسمح لمؤسسة البترول التركية الحكومية (تي.بي.إي.أو) وشريك أجنبي باستكشاف منطقة في البحر الأسود قبالة سواحل بلغاريا المجاورة.
وبدأت شركة النفط التركية إنتاج الغاز من حقل في الجزء التابع لها من البحر الأسود عام 2023. وتظهر حسابات رويترز أن حقل سكاريا الجديد ساهم بنحو 6.6 في المئة من الغاز المستهلك في تركيا والبالغ 53 مليار متر مكعب العام الماضي.
وقال بيرقدار إن “تركيا مهتمة بحقلين بحريين جديدين في منطقة بحر قزوين.” ووقعت مؤسسة البترول التركية أيضا اتفاقيات مع شركات باكستانية لتقديم عطاءات مشتركة للحصول على تراخيص التنقيب قبالة سواحل باكستان.
كما تسعى أنقرة إلى إقامة شراكات لتطوير حقول نفط وغاز في تركمانستان التي بدأت في استيراد الغاز الطبيعي منها خلال الفترة الماضية.
وفي نوفمبر الماضي أعلنت أنقرة أنها تتفاوض مع موسكو بشأن إقامة مركز لتجارة الغاز، والذي قد يبدأ العمليات في إسطنبول هذا العام في خطوة من شأنها تعزيز حضورها في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، بينما ستخفف من العزلة ومن تداعيات العقوبات على قطاع الطاقة الروسي.
ويقابل هذا المشروع بمخاوف وقلق من الجانب الأوروبي الذي توجه منذ سنتين لتقليص اعتماده على الغاز الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا.