سياسات ترامب تحبط جهود فرض ضرائب عالمية على عمالقة التكنولوجيا

لندن- تصطدم الخطط الضريبية العالمية التي تستهدف أصحاب المليارات والشركات متعددة الجنسيات بواقع جديد في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأعلن ترامب الملياردير وقطب العقارات انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية دولية تفرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، فيما يهدد بفرض رسوم جمركية على البلدان التي تستهدف شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة.
واتّهمت بلدان شركات تعمل في قطاع التكنولوجيا مثل أمازون ومايكروسوفت وألفابيت المالكة لغوغل وميتا المالكة لفيسبوك بالالتفاف على الضرائب المحلية.
ووجّه ترامب تحذيرا أواخر فبراير الماضي للبلدان التي تنوي فرض ضرائب أو غرامات على شركات التكنولوجيا الكبرى وغيرها من الشركات الأميركية، وهي ضرائب تعد “تمييزية وغير متناسبة” أو مصممة لنقل أموال لشركات محلية.
وقال في المذكرة “ستتحرّك إدارتي. ستفرض رسوما جمركية وتتخّذ تدابير ردّ ضرورية لتخفيف الضرر على الولايات المتحدة.”
وتعيد الخطوة فتح الهوة بين واشنطن وحلفائها بشأن فرض ضرائب على الخدمات الرقمية. ففي ولايته الأولى، هدد ترامب بفرض رسوم على الواردات الأميركية من الشامبانيا والأجبان من فرنسا.
وجاءت تلك الخطوة بعدما أطلقت باريس ضريبة على الخدمات الرقمية عام 2019. وحذت سبع دول أخرى حذو فرنسا مذاك. وجمعت الحكومة الفرنسية مبلغا قدره 780 مليون يورو (887 مليون دولار) بفضل الضريبة العام الماضي.
ويهدد الاتحاد الأوروبي حاليا بفرض ضريبة على الخدمات الرقمية إذا فشلت المفاوضات المرتبطة بخطط ترامب فرض رسوم جمركية نسبتها 20 في المئة على منتجات بلدان التكتل.
وأما بريطانيا التي تأمل التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، فقد تعيد النظر في الضرائب التي تفرضها حاليا على الخدمات الرقمية وتدر عليها 800 مليون جنيه إسترليني (1.06 مليار دولار) سنويا.
وأفاد وزير التجارة البريطاني جوناثان رينولدز بأن الضريبة على الخدمات الرقمية هي “أمر لا يمكن تغييره إطلاقا أو لا يمكننا فتح نقاش بشأنه على الإطلاق.”
وأبرمت نحو 140 دولة اتفاقا عام 2021 لفرض ضرائب على الشركات المتعددة الجنسيات تم التفاوض عليه برعاية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
وتتضمن اتفاقية المنظمة “ركنين”، ينص الأول على فرض ضرائب على الشركات في البلدان حيث تجني أرباحها، في خطوة تهدف إلى الحد من التهرب الضريبي، وتستهدف بشكل رئيسي شركات التكنولوجيا العملاقة.
وأما الركن الثاني، فيحدد نسبة حدّ أدنى على المستوى العالمي تبلغ 15 في المئة تبنتها حوالي 60 دولة بما في ذلك البرازيل وبريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي وسويسرا واليابان.
وأفاد دانيال بون مدير مؤسسة الضرائب، وهو مركز أبحاث أميركي غير ربحي، بأن المفاوضات بشأن تطبيق الركن الأول “متوقفة منذ مدة” حتى في عهد الرئيس السابق جو بايدن.
وتعليقا على ذلك، قال خبير الاقتصاد الفرنسي – الأميركي غابريال زوكمان لوكالة فرانس برس إن رد فعل الاتحاد الأوروبي في الأسابيع المقبلة “سيكون حاسما.”
140
دولة أبرمت اتفاقا عام 2021 لفرض ضرائب على الشركات المتعددة الجنسيات تم التفاوض عليه برعاية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي
وأضاف “إذا استسلم الاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى وسمحوا للشركات الأميركية المتعددة الجنسيات بإعفاء نفسها، سيعني ذلك للأسف انتهاء هذا الاتفاق الذي يعد غاية في الأهمية.”
في هذه الأثناء، تتعثّر أيضا الجهود المبذولة لفرض ضرائب على أصحاب الثروات الطائلة في العالم من أجل الاستفادة منها في رفد الميزانيات السنوية، بما يخدم اقتصادات الدول التي تلاحق هؤلاء المليارديرات.
واستغلت البرازيل الفترة التي ترأست فيها مجموعة العشرين للضغط من أجل فرض ضريبة بنسبة اثنين في المئة كحد أدنى على صافي ثروة الأفراد الذين تزيد قيمة أصولهم عن مليار دولار، وهو مشروع يُقدّر بأن يجمع ما يصل إلى 250 مليار دولار سنويا.
واعترضت إدارة بايدن على هذه الخطة، ويستبعد أن تحظى بأي زخم مع وجود ترامب في البيت الأبيض، وهو نفسه ملياردير ومؤيد لخفض الضرائب.
ويتحدر حوالي ثلث أصحاب المليارات في العالم من الولايات المتحدة، حيث يتجاوز عددهم كامل عدد أولئك الذين في الصين والهند وألمانيا معا، بحسب مجلة فوربس.
وخلال مؤتمر في باريس مؤخرا، أفاد خبير الاقتصاد الفرنسي توماس بيكتي بأن العالم لا يمكنه انتظار توصل جميع بلدان مجموعة العشرين إلى اتفاق.
وقال بيكتي “يجب أن تتحرك الدول بصورة فردية ما إن أمكنها ذلك”. وأضاف “يثبت التاريخ إلى أنه ما إن تتبنى مجموعة من الدول القوية هذا النوع من الإصلاح، يصبح هو المعيار.”
وفي تقرير الثروات العالمية الذي أصدره بنك يو.بي.أس في يوليو الماضي، فقد توقع البنك السويسري أن يتم تمرير ما يزيد قليلا عن 10 في المئة، أي نحو 9 تريليونات دولار، من تحويل الثروة الكبيرة أفقيا أولا، معظمها في الأميركيتين.
وأشار الاقتصاديون في البنك أن تحليلهم يظهر أن الأفراد هم أكثر عرضة لتسلق سلم الثروة بدلا من الانزلاق إليه. وفي الواقع، يميل واحد من كل 3 أفراد إلى الانتقال إلى شريحة ثروة أعلى على مدار عقد، بينما تزيد فرص الهروب من شريحة الثروة الأدنى إلى أكثر من 60 في المئة.