مشكلات فئوية تراكم الأزمات أمام الحكومة المصرية

احتجاجات المحامين والأطباء ومتاعب المعلمين تقيد حكومة مدبولي.
السبت 2025/04/19
مستمرون رغم الضغوط

تواجه الحكومة المصرية غضب قطاعات مهنية واسعة نتيجة سياساتها الارتجالية، لكنْ يستبعد مراقبون أن يجري تغييرها حيث لم تمض مدة طويلة على آخر تعديل لها، فضلا عن أن هناك حاجة إلى قدر من الاستقرار لتنفيذ البرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.

القاهرة - تصدرت مشكلات فئوية يعانيها محامون وأطباء ومعلمون المشهد العام في مصر، بما راكم التحديات أمام حكومة أصبحت تواجه سخطا كبيرا بسبب ضعف أدائها وقلة حيلتها، واستمرار المتاعب المعيشية المرتبطة بسياساتها العامة، ما انعكس على تزايد وتيرة الاحتجاجات وحدة الانتقادات الموجهة إليها مؤخرا.

ونظم المئات من المحامين قبل أيام احتجاجات متزامنة في العديد من المحافظات، اعتراضا على زيادة رسوم التقاضي لدى محاكم الاستئناف، وتستمر إجراءاتهم التصعيدية التي بدأت بمنع التعامل مع مخازن محاكم الاستئناف والتهديد بالإضراب عن حضور جلسات المحاكم الجنائية.

وأكدت نقابة المحامين، ويبلغ عدد الأعضاء فيها نحو 700 ألف محامي، التزام أعضائها بقرار مجلس النقابة وقْف توريد مبالغ مالية بجميع خزائن محاكم الاستئناف ومأمورياتها حتى الخميس (17 أبريل)، وتركت الباب مفتوحا أمام استمرار خطواتها التصعيدية في الأيام المقبلة أو عدم استمرارها.

ودخلت نقابة الأطباء على خط جدل مقترح من البرلمان بتغريم خريجي كليات الطب مقابل دراستهم وتدريبهم فى الجامعات والمستشفيات، واعتبرت أن محاولة معالجة أزمة هجرة الأطباء عبر فرض قيود على حريتهم الشخصية تمثل تجاهلًا متعمدًا للأسباب التي تدفع الأطباء إلى الهجرة، وأبرزها تدني الرواتب وسوء بيئة العمل وتكرار حوادث الاعتداء وعدم وجود تأمين للمستشفيات وغياب التقدير المعنوي والمهني.

أحمد بلال: الحكومة مستمرة في نهجها القائم على افتعال أزمات
أحمد بلال: الحكومة مستمرة في نهجها القائم على افتعال أزمات

وتفاعلت قطاعات عريضة من المعلمين، ويبلغ عددهم أكثر من مليون معلم، مع مشكلات عدم التزام الحكومة بتعيين أجيال جديدة تسد العجز الحالي، بما يخفف الأعباء الملقاة عليهم في ظل ضعف رواتبهم، ووجد هؤلاء فرصة في وفاة أحد مديري الإدارات التعليمية عقب جولة قام بها وزير التعليم محمد عبداللطيف لتصعيد مشكلتهم، وتجاوبت معهم شريحة مجتمعية، إذ يصل أعداد الطلاب إلى نحو 25 مليون طالب.

ويرى مراقبون أن المطالب والمشكلات التي تعبر عنها نقابات ومهنيون تعكس واقعا مأزوما، وأن تحمل الأزمات المعيشية لا يعني أن تلحق بهم مشكلات تضر بمهن راسخة، شكلت قاعدة مهمة في مصر على مدار سنوات طويلة.

وتبدو عودة الاحتجاجات مؤشرا سلبيا على حجم السخط الكامن في نفوس مواطنين لديهم رغبة التفرغ للبحث عن لقمة العيش ويهدفون إلى الاستقرار والابتعاد عن أي عوامل تؤدي إلى تراكم الأزمات الداخلية، حيث يدركون مآلاتها على حياتهم ومستقبلهم.

وأصبحت حكومة مصطفى مدبولي أمام مشكلات مركبة، لأنها لم تستطع أن تثبت للمواطنين قدرتها على السير في طريق صحيح اقتصاديا، رغم أن رئيس الحكومة يتواجد في منصبه منذ سبع سنوات، ولم تذهب هذه الحكومة باتجاه تحسين الأوضاع التي تجنبها تبعات توظيف النقابات سياسيا، مثلما كان الوضع سابقا.

ولم تعد فكرة وجود مجلس نقابة المحامين قريبا من الحكومة تعني أن النقابة ستكون متناغمة مع توجهاتها، لأن عبدالحليم علام الرئيس الحالي للنقابة، ليس محسوبا على المعارضة وهو قريب من دوائر السلطة، لكنه أيد الإجراءات الاحتجاجية ضد زيادة رسوم التقاضي، كذلك الوضع بالنسبة إلى نقيب الأطباء أسامة عبدالحي المحسوب على تيار المستقبل، وهو قريب أيضا من السلطة.

ويشير تصاعد المشكلات المهنية إلى أن الأزمات الفئوية تفرض تحديات كبيرة على الحكومة، وقد تذهب نحو تصعيد المطالب، ما يحتاج مرونة من جانب الحكومة للتعامل معها، خاصة أن هناك تحديات خارجية تتطلب تهدئة داخلية، بدلا من اصطناع صدامات تقود إلى تأزيم الموقف.

ناجي الشهابي: التحديات الخارجية قد تنقذ الحكومة من مقصلة تغييرها
ناجي الشهابي: التحديات الخارجية قد تنقذ الحكومة من مقصلة تغييرها

وقال عضو مجلس النواب المصري عن حزب التجمع أحمد بلال إن المشكلة الحقيقية تتمثل في أن الحكومة مستمرة في نهجها القائم على افتعال أزمات، وكان يمكن التعامل مع الوضع عبر إجراءات تخفف السخط، لافتا إلى وجود مخصصات مالية لتعيين 150 ألف معلم في غضون خمس سنوات، لكن ذلك لم يحدث لأسباب روتينية، كما يمكن التراجع عن قرار غير دستوري اتخذته محاكم الاستئناف بشأن زيادة رسوم التقاضي.

وأضاف بلال في تصريح لـ”العرب” أن تغيير الحكومة لن يحدث حاليا، لأنها بعد التعديل الأخير والواسع في أعضائها لم تستكمل عاما واحدا، والمشكلة أنها ملتزمة بتوصيات صندوق النقد الدولي، وإذا حدث تغيير فإن السياسات لن تتغير وتبقى الأزمة كامنة في ضرورة انتهاج سياسات مختلفة.

وكشفت مراجعة الحساب الختامي للموازنة أمام البرلمان قبل أيام عن انحياز للأغنياء وليس الفقراء، وقد كانت أرقام الجهاز المركزي للمحاسبات واضحة وكاشفة.

وتحول النقاش حول الحساب الختامي لموازنة الدولة للعام المالي 2023 – 2024 إلى معركة كلامية، أكدت وجود انقسام حاد بين نواب المعارضة المُطالبين بمحاسبة الحكومة، وبين نواب الأغلبية المدافعين عنها، مع تزايد اتهامات الفساد التي وجهها الجهاز المركزي للمحاسبات ونواب المعارضة، وبعض الموالين لها على استحياء، ما عزز القناعة العامة بأن استمرار الأداء ليس في صالح الحكومة.

وذكر رئيس حزب الجيل الديمقراطي ناجي الشهابي أن ما تعانيه فئات من المواطنين من أزمات مستمرة يؤكد وجود انسداد سياسي بين الحكومة وقطاعات من المجتمع، بما فيها النقابات المهنية والعمالية، وذلك نتيجة لغياب الشعور بالمسؤولية لدى الحكومة، وعدم تفاعل البرلمان وهيئاته مع القضايا بشكل مستمر.

وأوضح الشهابي في تصريح لـ”العرب” أن التحديات الخارجية قد تنقذ الحكومة من مقصلة تغييرها وتزايد السخط عليها، لأن المشكلات الراهنة تأتي في وقت تتعرض فيه الدولة لتهديدات تجعل هناك من يرون أن التماسك الداخلي ضروري لمجابهتها، وهو مقدم على التصعيد المجتمعي ضدها، لكن المطلوب هو حكومة لها خلفية سياسية ورؤية محددة للتعامل مع القضايا المتباينة، وأبرزها القضايا الاقتصادية.

ولفت إلى أن الثقة شبه منعدمة في الحكومة الراهنة منذ تشكيلها، وموافقة البرلمان عليها لا تعكس موقف الشارع، كما أن ضعف الأدوات الرقابية وعدم الاتجاه نحو الاستجوابات البرلمانية لها قادا إلى المزيد من التراجع في الأداء العام، وتغييرها يمكن أن يحدث عقب إجراء الانتخابات البرلمانية قبل نهاية العام الجاري.

2