انتفاضة برلمانية على الحكومة المصرية تكشف السياسة الاقتصادية

غياب الرقابة على أداء الحكومة يكرس الوضع المالي القاتم في البلاد.
الجمعة 2025/04/18
فقاعة المديونية تكبر

صدم نواب في البرلمان المصري بحجم أرقام المديونية خلال نقاش الحساب الختامي للموازنة الذي تقدمت به الحكومة، ورفض بعضهم إقراره بسبب ما اعتبروه الارتفاع المستمر وغير المبرر في معدلات الاقتراض دون تحقيق نتائج ملموسة.

القاهرة- قادت انتفاضة داخل مجلس النواب المصري على أداء الحكومة إلى اكتشاف مؤشرات خطيرة عن الأزمة الاقتصادية أثناء مناقشة الحساب الختامي لموازنة الدولة عن العام المالي الماضي، ما عكس سلبيات الخمول في مراقبة الأداء الحكومي.

وفي جلسة وصفها رئيس مجلس النواب حنفي جبالي بأنها “الأكثر سخونة” منذ تشكيل البرلمان الحالي، رفض نواب المعارضة والنواب المستقلون الحساب الختامي للموازنة الذي تقدمت به الحكومة، لما تضمنه من مؤشرات وصفت بـ”الخطيرة” وتقود إلى المزيد من الأزمات المالية، في ظل سياسة اقتصادية خاطئة تتمسك بها الحكومة.

وكشف الحساب الختامي للموازنة عن مخالفات، بينها عدم تطبيق الحد الأقصى للأجور على رواتب الموظفين والمسؤولين المقدر بـ42 ألف جنيه (نحو 800 دولار)، وحصول بعضهم على مبالغ مالية تفوق هذا الرقم، رغم شكوى الكثير من العاملين في الدولة من المرتبات الهزيلة، بالتزامن مع ظروف معيشية قاسية.

وانتقد نواب المعارضة توسع الحكومة في الاستدانة وتراكم الديون، وتذهب نحو 60 في المئة من استخدامات الموازنة العامة للدولة إلى سداد أعباء الديون، واتهمت الحكومة بأنها المسؤولة عن تلك الأزمة.

وقال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحرية المصري محمد عطية الفيومي إن الدين العام تخطى 11.5 تريليون جنيه (الدولار= 51 جنيها) وهذا مؤشر خطير جدا، لأن الحكومة تساهلت أمام ارتفاع الدين بما يقارب 7 تريليونات جنيه خلال السنوات الخمس الأخيرة، محذرا من خطورة هذا المسار على مستقبل البلاد، ومعقبا “مصر في خطر، وعلى البرلمان أن ينبه الحكومة ويشعل اللمبة الحمراء.”

ورغم أن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تصنف بأنها من المؤيدين للحكومة، لكن بعض نوابها في البرلمان رفضوا الحساب الختامي للموازنة بسبب ما وصفوه بالارتفاع المستمر وغير المبرر في معدلات الاقتراض دون تحقيق نتائج ملموسة، وثمة مشروعات تستنزف موارد الدولة بعمولات إضافية لتأخر تنفيذها بشكل منضبط.

وكانت صدمة بعض النواب من تحقيق هيئات خدمية أرباحا مالية وسط سوء الخدمات المقدمة للمواطنين في مؤسسات تابعة لها، وبينها هيئة الرعاية الصحية التي حققت فائضا بلغ 36 مليار جنيه، وهو ما اعتبره معارضون “كارثة”، لأن هناك مستشفيات تفتقد إلى الحد الأدنى للمقومات التي تؤهلها لتقديم خدمة طبية.

وشهدت جلسة البرلمان، الاثنين، صداما بين وزير شؤون المجالس النيابية والتواصل السياسي محمود فوزي والبرلماني عن حزب الوفد عبدالحليم داوود، على خلفية مطالبة الأخير بإحالة الحكومة إلى المحاسبة الجنائية، ما أثار غضب الوزير الذي اعتبر حديث النائب اتهاما مسيئا للحكومة، ما دفع نواب الأغلبية من أعضاء حزب مستقبل وطن ليُظهروا الدعم للحكومة.

◄ صدمة لدى النواب من تحقيق هيئات خدمية أرباحا وسط سوء الخدمات المقدمة للمواطنين في مؤسسات تابعة لها

وتعتقد دوائر سياسية أن المخالفات التي كشفها نواب المعارضة وقادت إلى تعقد الأزمة الاقتصادية هي نتيجة طبيعية لغياب مظاهر الحياة السياسية المتعارف عليها، وإصرار الأغلبية البرلمانية على التعامل مع الحكومة باعتبارهم منوط بهم الدفاع عنها، بحجة أن البلاد تواجه تحديات خارجية تستدعي الاصطفاف الوطني، ما قاد إلى تراكم المشكلات والخروقات.

وترى هذه الدوائر أن عدم وجود رقابة برلمانية بالمعنى الحرفي أساس الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر، لأن كل جهة حكومية تُدرك أنها بعيدة عن متابعة الأداء وتقويم السياسات، ولو كانت مخطئة، وهي إشكالية يتحملها من قاموا بهندسة الوضع العام وتسببوا في تحييد دور البرلمان وعدم مساءلة الحكومة على إخفاقاتها.

وقد يكون الغرض غير المعلن من تصعيد نبرة الهجوم على الحكومة وتوجيه اتهامات لها بالفشل، إبعاد الرئيس عبدالفتاح السيسي عن معادلة الأزمة الاقتصادية المعقدة، والنأي به عن الخروقات التي ارتكبتها بعض الوزارات والهيئات الحكومية، وتصبح التهمة موجهة إلى كل مسؤول تنفيذي تسبب في وصول الأوضاع إلى مستوى خطير.

وعبّر تراجع دور مجلس النواب المصري عن غياب الرقابة البرلمانية، التي قادت إلى تداعيات سلبية على الأداء الحكومي، ولم ينشط المجلس في مواجهة أيّ جهة تخالف اللوائح والقوانين أو يستدعي وزيرا لمحاسبته على التقصير والإهمال، ولم يفتح الباب لمناقشة بعض القضايا الحيوية والمرتبطة بوقائع بها إهدار للمال العام.

وهناك طلبات إحاطة كثيرة جرى تقديمها إلى عدد من المسؤولين، لكنها لم تقد إلى حلول ناجزة لمشكلات معقدة، ما سمح للحكومة بأن تمضي في تنفيذ سياساتها وخططها الاقتصادية دون اكتراث بوجود برلمان يجبرها على تعديل المسار، أمام افتقار بعض النواب لخبرات الرقابة وهيمنة أحزاب قريبة من الحكومة على مقاعد البرلمان.

◄ الكثير من المصريين اعتبروا انتفاضة بعض النواب مرتبطة باقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في نوفمبر

وبدا مجلس النواب في الكثير من الأحيان عاجزا عن المحاسبة المطلوبة، لأن معظم الأعضاء محرومون من حرية الحركة ولديهم التزامات حزبية بدعم الحكومة، بغرض تثبيت دعائم الأمن والاستقرار في مواجهة التيارات المعادية، بلا اهتمام بعواقب الصمت على الإخفاقات، والتي تقدم لخصوم السلطة هدايا سياسية مجانية.

وظهر عُمق الأزمة عندما استقبلت شريحة من المصريين الانتقادات البرلمانية الحادة للحكومة خلال مناقشة الحساب الختامي للموازنة بعدم اقتناع، من كثرة التعود على أن يكون تصعيد دور مجلس النواب يرتبط بضرورات سياسية أو متطلبات مرحلية، لامتصاص غضب الشارع وإظهار البرلمان بصورة حسنة.

وترسخت عند قطاع من المواطنين قناعة بأن البرلمان يتحرك وفق خطوط خضراء مرسومة له، بحكم تركيبته السياسية، إلى درجة أن الكثير من المصريين اعتبروا انتفاضة بعض النواب ضد الحكومة مرتبطة باقتراب موعد الانتخابات التشريعية (مجلس الشيوخ في أغسطس ومجلس النواب في نوفمبر)، أي أن المعارضة الحالية لا تخلو من مغازلة الشارع بهدف إعادة انتخابها مرة أخرى.

وتبدو الأخطاء المالية التي كشفتها موازنة الدولة أشبه بجرس إنذار للدوائر الفاعلة في السلطة، وأن تقييد حق البرلمان في الرقابة وتقويم الأداء وتصويب السياسات الخاطئة سوف يزيد الأزمة تعقيدا، ويخلف تداعيات خطيرة تتجاوز الحكومة، ولا غنى عن الاشتباك المنضبط بين البرلمان والحكومة من وقت إلى آخر.

2