حمّى تفتيت المناطق على أسس طائفية وعرقية تسري في العراق بعد استحداث محافظة حلبجة

الاستجابة للمطلب الكردي القديم بتحويل حلبجة إلى محافظة تاسعة عشرة ضمن الدولة الاتحادية العراقية لم تمرّ على الأحزاب والميليشيات دون محاولة لاستثمار هذه الخطوة بشكل آني في الدعاية الانتخابية، والسعي لتحقيق مكسب أبعد مدى يتمثّل في تأسيس بؤر جديدة للنفوذ السياسي ومجالا للسيطرة على المقدرات المادية للمناطق.
الموصل (العراق) - تحركت قوى شيعية عراقية وأخرى حليفة لها بسرعة لاستثمار تحويل حلبجة إلى محافظة بعد أن كانت تابعة قبل هذا التغيير لمحافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان العراق.
وأذكت تلك القوى مطالباتها بتحويل أقضية ومناطق أخرى إلى محافظات لأسباب انتخابية آنية تتعلق باستمالة سكان تلك المناطق وكسب أصواتها خلال الانتخابات البرلمانية المقررة لشهر نوفمبر القادم، وأيضا لتحقيق مكاسب أبعد مدى تتعلق بترسيخ عدد من الأحزاب والميليشيات الشيعية المتبنية لتلك المطالبات لوجودها وتوسيع نفوذها في مناطق واقعة خارج معاقلها التقليدية على غرار محافظتي صلاح الدين ونينوى شمالي العاصمة بغداد.
وتتمثّل خطورة تلك المطالبات بحسب منتقديها في أنّ إنشاء محافظات جديدة سيكون على أساس طائفي وعرقي محض على خلاف الأسس التي تمّ وفقها التقسيم الإداري للجمهورية العراقية بعد تأسيسها في عشرينات القرن الماضي وهي أسس جغرافية وأخرى تتعلق بتقريب الخدمات الإدارية من السكّان.
وتظهر الخلفيات العرقية والطائفية لتلك المطالبات في طبيعة المناطق المستهدفة بها مثل تلعفر وسنجار بمحافظة نينوى حيث تسكن الأولى غالبية تركمانية والثانية غالبية كردية، والطوز التابعة إداريا لمحافظة صلاح الدين والتي ينتمي أغلب سكانها للطائفة الشيعية، ثم سهل نينوى موطن الأكثرية العربية المسيحية.
ومن شأن تحويل مناطق بعينها إلى محافظات تتمتع بقدر من الاستقلال الإداري والمالي أن يحوّلها إلى بؤر طائفية وعرقية تتحكمّ بها أحزاب معينة.
كما أن المزيد من فرز المناطق وفقا لتلك الاعتبارات الثانوية غير الوطنية سيكرس إضعاف اللحمة الوطنية للعراق ويمكن أن يفتح الأبواب لصراعات مستقبلية بين المناطق على الموارد والحصص في الموازنة الاتّحادية وهو أمر متحقق بشكل جزئي حاليا حيث بدأت تظهر بوادر صراعات بين بعض المحافظات على المياه والنفط.
وانتقلت بعض القوى من مجرّد المطالبة بإنشاء محافظات جديدة إلى اتخاذ خطوات عملية في ذلك الاتّجاه.
وقال النائب في البرلمان العراقي مختار الموسوي إنّ إدراج التصويت على تحويل قضاء تلعفر إلى محافظة ضمن جدول أعمال مجلس النواب يحظى بأغلبية ما يجعل ذلك المطلب يمتلك حظوظا للمرور.
وذكر النائب لوسائل إعلام محلية أنّ تلعفر والمناطق القريبة منها قدّمت تضحيات كبيرة في مواجهة الإرهاب إذ تجاوز عدد القتلى في صفوف قواتها الأمنية حاجز الثلاثة آلاف قتيل.
وأضاف أن مشروع تحويل القضاء إلى محافظة ليس وليد اللحظة بل تمّت الموافقة عليه سابقا خلال حكومة نوري المالكي ويُعد استحقاقا مشروعا تمتلك الأغلبية النيابية الإرادة للمضي فيه.
إنشاء محافظات جديدة سيكون على أساس طائفي وعرقي محض على خلاف الأسس التي تمّ وفقها التقسيم الإداري للجمهورية العراقية
وأوضح الموسوي أن من شأن تحقيق هذا المطلب أن يعزز البعد الإداري خاصة وأن الجغرافيا المقترحة للمحافظة الجديدة تتضمن مكونات متعددة دون استثناء، مؤكدا أنّ التعامل مع هذا الاستحقاق يجب أن يتم وفق مبدأ يحفظ حقوق جميع المكونات في تلعفر ويضمن تمثيلهم العادل.
كما اعتبر أن تلعفر من ناحية البُعد السكاني والإداري والمقومات البنيوية مهيأة تماما للتحول إلى محافظة وهو أمر بحسب رأيه لا يختلف عليه اثنان.
وفي سياق المطالبات ذاتها باستحداث المزيد من المحافظات في العراق قال قصي الشبكي النائب السابق عن محافظة نينوى إنّ سهل نينوى يعد من المناطق المرشحة للتحول إلى محافظة نظرا إلى تنوع المكونات والأقليات التي يضمها.
وذكر في تصريحات لوسائل إعلام محلية أنّ بعض الأقضية في المحافظات الكبيرة مثل نينوى في حاجة إلى ترقية وتحويلها إلى محافظات خاصة في ظل زيادة عدد سكانها موضّحا أن هذه الفكرة قد تم طرحها في توصية لمجلس الوزراء عام 2012 بهدف تحويل سهل نينوى إلى محافظة على غرار محافظة حلبجة.
ووصف السهل بأنّه يعد نموذجا للتعايش السلمي بين مختلف المكونات العرقية والدينية حيث يضم الشبك والتركمان والإيزيديين والكاكائيين والمسيحيين والعرب في مناطق مثل تلكيف والحمدانية وبعشيقة وبرطلة والنمرود والقوش.
وأكد أن “سهل نينوى يستحق أن يكون من المناطق المرشحة للتحول إلى محافظة خصوصا أنه يضم العديد من المناطق التي تعرضت لعمليات إبادة جماعية على يد داعش” مشيرا إلى أن “المنطقة كونها محاذية لإقليم كردستان ومركز مدينة الموصل قد تعرضت لاستغلال سياسي في بعض الأحيان”.