معركة الدبلوماسيين تكرّس الوجه الشامل للأزمة الجزائرية - الفرنسية

تبني الإليزيه لخيارات وزير الداخلية يبدد ورقة توريط اليمين المتطرف.
الخميس 2025/04/17
أزمة دبلوماسية بالأساس

تبنّى قصر الإليزيه رؤية وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، بتحميل الجزائر مسؤولية الأزمة الدبلوماسية القائمة، في حين راهن الطرف الجزائري على تحميل الوزير الفرنسي مسؤولية التوتر، في خطوة يعتبرها مراقبون أنها تعكس الوجه الدبلوماسي الشامل للأزمة بين البلدين.

الجزائر - أخذت الأزمة الجزائرية – الفرنسية طابعا سياسيا ودبلوماسيا شاملا، بعد قرار تبادل طرد الموظفين الدبلوماسيين بين البلدين، فضلا عن سحب فرنسا لسفيرها بالجزائر. ويرى مراقبون أن اللافت في التطور الجديد هو الطابع الشامل المعبر عنه في بيان الإليزيه الذي تبنى رؤية وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، عكس رهان الجزائر على تحميل الوزير المذكور مسؤولية التوتر، في محاولة للإبقاء على شعرة معاوية مع الأطراف الأخرى في باريس، مما يضعها الآن في مواجهة دولة بمؤسسات متكاملة وليس أمام طرف معزول فقط.

وأوحى القرار الفرنسي الصادر عن قصر الإليزيه، القاضي باستدعاء السفير الفرنسي بالجزائر ستيفان روماتيي، وطرد 12 موظفا دبلوماسيا جزائريا من فرنسا، بأن القيادة السياسية الفرنسية هي التي تتبنى خيارات التعامل مع الأزمة، وأن المسألة ليست مجرد خلاف بين السلطة الجزائرية، وجناح في السلطة يقوده وزير الداخلية.

وحاولت الدبلوماسية الجزائرية، طيلة أطوار الأزمة القائمة بين البلدين منذ نحو عشرة أشهر، تعليق شماعة الأزمة على الوزير المذكور، بسبب خلفيته السياسية والأيديولوجية المناهضة للجزائر، وحملته في مختلف بياناتها مسؤولية تفخيخ مسار التسوية بين البلدين، خاصة بعد الإعلان المشترك بين رئيسي البلدين، وزيارة وزير الخارجية للجزائر خلال الأسابيع الأخيرة. 

واكتفى كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية، المكلف بالجالية الوطنية بالخارج سفيان شايب، بتصريح للإذاعة الحكومية، الأربعاء، بالتعبير عن أسف بلاده لقرار السلطات الفرنسية بطرد 12 دبلوماسيا جزائريا من أراضيها، واستدعاء السفير الفرنسي للتشاور، وعدم توفر كل التفاصيل الدقيقة حول الأشخاص المعنيين.

وقال “الجزائر أكدت بوضوح في بيانها أن قرار طرد 12 موظفا قنصليا فرنسيا تابعين لوزارة الداخلية الفرنسية، هو قرار مبرر بالنظر إلى الطابع غير المسبوق للأزمة والتوتر الذي خلقه هذا الوزير (برونو روتايو) بسبب اعتقال موظف قنصلي جزائري في باريس.” وأضاف “لقد تم توضيح قدرة الجزائر في إطار رد حازم، على اتخاذ تدابير جديدة استنادا إلى مبدأ المعاملة بالمثل”، وأنه ليست المرة الأولى التي تندفع فيها فرنسا إلى توجيه اتهامات تخص قضايا أمنية إلى موظف في سلك ذي صلة بوزارة الخارجية.”

◙ قصر الإليزيه حمّل الطرف الجزائري مسؤولية الأزمة، باستعمال لهجة حادة عن أسباب تدهور العلاقات الثنائية

وأبدى المتحدث تمسك بلاده برؤيتها لأسباب الأزمة مع فرنسا، بالقول “الأزمة والتوتر الحاليان هما نتيجة لمؤامرة وتمثيلية وقضية مفبركة بالكامل من قبل وزير داخلية، لم يكتفِ بصناعتها، بل أعاد إحياء قضية تعود إلى أكثر من ثمانية أشهر، وتتعلق باختطاف مزعوم لشخص استخدم للأسف لتقويض علاقاتنا الثنائية والديناميكية التصاعدية التي أرادها رئيسا البلدين، وأن دور هذا الوزير قد تم التنديد به وتحديد مسؤوليته في بياننا، حيث وُضعت الأمور في نصابها في ما يخص هذه الأزمة الجديدة.”

ورغم الحرص الذي أبدته فرنسا على الحوار الجاد وحل الأزمة القائمة بين البلدين، إلا أن تكفل قصر الإليزيه بالرد على الخطوة الجزائرية، ينطوي على رسالة مفادها تبني الخيارات المتبعة من طرف القيادة السياسية للبلاد، وليس من طرف جهة معينة في الحكومة، وهو ما يجعل الجزائر في مواجهة دولة حقيقية، بعدما حاولت الحفاظ على شعرة معاوية، بتعليق الأزمة على شخص وزير الداخلية دون غيره من الحكومة.

وقال بيان الإليزيه “تُسجّل فرنسا بأسف شديد قرار السلطات الجزائرية القاضي بطرد 12 دبلوماسيا يعملون في سفارتنا في الجزائر. هذا القرار، الذي يتجاهل القواعد الأساسية لإجراءاتنا القضائية، غير مبرر وغير مفهوم. تتحمل السلطات الجزائرية مسؤولية التدهور الحاد في علاقاتنا الثنائية”.

وأعلن عن دخول الرد بالمثل بالإعلان عن إجراءات مماثلة من خلال طرد 12 دبلوماسيا يعملون في الشبكة القنصلية والدبلوماسية الجزائرية في فرنسا. وقد قرر رئيس الجمهورية استدعاء سفير فرنسا في الجزائر ستيفان روماتيي، للتشاور.

وذكر أن “في هذا السياق الصعب، ستدافع فرنسا عن مصالحها وستستمر في مطالبة الجزائر بالامتثال التام لالتزاماتها تجاهها، خاصة في ما يتعلق بأمنها الوطني والتعاون في مجال الهجرة. وترافق هذه المطالب طموحات فرنسا المستمرة في علاقاتها مع الجزائر، بالنظر إلى مصالحها وتاريخها والروابط الإنسانية القائمة بين بلدينا”.

وحمّل قصر الإليزيه الطرف الجزائري مسؤولية الأزمة، باستعمال لهجة حادة عن أسباب “تدهور العلاقات الثنائية”، والانحراف عن مسار الاتصال الذي جرى بين الرئيسين إيمانويل ماركون وعبدالمجيد تبون، مطلع الشهر الجاري، وعزمهما على فتح قنوات اتصال لاحتواء الأزمة، مما يوحي بأن الخطوات المتبادلة بين البلدين تدفع إلى تلاشي ما تبقى من أوراق الثقة والضمانات.

في المقابل، لم تعلن الجزائر عن خطوات إضافية أو مواقف جديدة، مما يفتح المجال أمام احتمالين: إما فتح قنوات حوار خلفية للتهدئة، وإما الذهاب نحو قطيعة دبلوماسية فعلية تُذكر بما حدث مع المغرب وإسبانيا، وهو ما يبقي الجزائر في حالة عزلة مركبة تؤثر على مصالحها ودورها في المنطقة.

4