حكومة حميدتي ترى النور مع دخول الحرب عامها الثالث

دارفور (السودان) - أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الثلاثاء، عن قيام حكومة موازية في البلاد، وذلك بالتزامن مع دخول الحرب الدائرة رحاها عامها الثالث. وقد خلّف هذا النزاع عشرات الآلاف من القتلى ودفع بأجزاء واسعة من البلاد نحو شفا المجاعة.
وفي بيان نشره على تطبيق تلغرام، أكد دقلو "بفخر قيام حكومة السلام والوحدة - تحالف مدني واسع يمثل الوجه الحقيقي للسودان".
وأضاف أن "حكومتنا ستوفر الخدمات الأساسية - التعليم والصحة والعدالة - ليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وقوات الحركات بل في جميع أنحاء البلاد. نحن نصنع عملة جديدة، ونعيد الحياة الاقتصادية. ونصدر وثائق هوية جديدة، حتى لا يُحرم أي سوداني من حقوقه".
وأشار البيان إلى دستور مقترح يتضمن تشكيل مجلس رئاسي من 15 عضوا "يختارون من جميع الأقاليم، يرمز إلى وحدتنا الطوعية"، مؤكداً أن قوات الدعم السريع لا تسعى لبناء "دولة موازية"، بل ترى في هذه الخطوة "المستقبل الوحيد القابل للاستمرار للسودان".
ويأتي هذا الإعلان في وقت تصاعدت فيه الدعوات الدولية لوقف القتال، فخلال مؤتمر عقد في لندن، طالب 15 بلداً والاتحادان الأوروبي والأفريقي بـ"وقف لإطلاق النار فوري ودائم" في السودان، مع التشديد على "ضرورة الحؤول دون تقسيم السودان".
وبالمثل، دعت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى إلى "وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار"، وحثت الطرفين المتحاربين، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، على "الانخراط بشكل هادف في مفاوضات جادّة وبنّاءة".
وفي بيان مشترك صادر عن وزراء خارجية دول مجموعة السبع والممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، تم التعبير عن "إدانة شديدة لاستمرار الصراع والفظائع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في السودان". كما أعرب الوزراء عن قلقهم العميق إزاء "أكبر أزمة إنسانية في العالم" وتأثيرها المدمر على المدنيين، وخاصة النساء والأطفال الذين يتعرضون للنزوح والعنف والانتهاكات، بما في ذلك العنف الجنسي والعرقي.
ودانت المجموعة بشدة الهجمات على مخيمات النازحين والعاملين الإنسانيين، مطالبة بتسهيل إيصال المساعدات وضمان سلامة العاملين في هذا المجال، ومؤكدة رفضها "استخدام التجويع سلاح حرب".
وجدد الوزراء تمسكهم بـ"سيادة السودان ووحدة أراضيه" وتعهدوا بمواصلة الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة.
من جانبها، دانت الولايات المتحدة "بأشد العبارات" تصعيد قوات الدعم السريع لهجماتها في غرب السودان، مندّدة باستهداف مخيمي نازحين ومواطنين في مدينة الفاشر ومحيطها.
وأعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية عن "قلق عميق إزاء تقارير تفيد بأن قوات الدعم السريع استهدفت عمدا مدنيين وجهات فاعلة إنسانية في زمزم وأبو شوك"، مشيرة إلى مقتل عشرة من عمال هيئة إغاثة تمولها الولايات المتحدة جراء هذه الهجمات.
ومع دخول الحرب عامها الثالث، تتفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كارثي. فقد تسببت الحرب في مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص، مما أدى إلى ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث. وخلال الأسبوع الماضي وحده، قُتل 400 شخص ونزح 400 ألف آخرون في هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم في شمال دارفور.
وقد أدلى ناجون بشهادات مروعة عن العنف والمعاناة. وروت آمنة حسين (36 عاماً) كيف "دخلوا زمزم وراحوا يطلقون النار علينا"، وكيف أصيبت وهربت سيراً على الأقدام لمدة ثلاثة أيام.
كما كشف سكان في الخرطوم وولايات أخرى عن فقدانهم للوزن ونقص حاد في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بمنازلهم وممتلكاتهم.
وفي سياق متصل، أعلن الجيش السوداني عن تنفيذه "ضربات جوية ناجحة استهدفت تجمعات العدو شمال شرق الفاشر"، مما أسفر عن مقتل عدد من المقاتلين وتدمير مركبات عسكرية.
ويرى محللون أن إعلان قوات الدعم السريع عن حكومة موازية يهدف إلى تعزيز سيطرتها على المناطق التي تسيطر عليها وتأمين خطوط إمدادها، وهو ما قد يعمق الانقسام الفعلي للبلاد. فبينما يسيطر الجيش السوداني على الشمال والشرق، تهيمن قوات الدعم السريع وحلفاؤها على الغرب ومناطق في الجنوب.
واندلع النزاع في السودان بين الحليفين السابقين، عبدالفتاح البرهان قائد الجيش ونائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 وسرعان ما امتدت الاشتباكات التي بدأت في الخرطوم إلى معظم ولايات البلد المترامي الأطراف.
وفي غضون ساعات تحولت مدينة الخرطوم الهادئة إلى ساحة حرب تملؤها الجثث بينما لاذ مئات الآلاف بالفرار.
وخلال عامي الحرب اتُهم طرفا النزاع، الواقعان تحت العقوبات الأميركية، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين بينها القصف العشوائي واستهداف الأحياء السكنية والبنى التحتية. وتواجه قوات الدعم السريع تحديدا اتهامات بالعنف الجنسي الممنهج والإبادة الجماعية والنهب.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان الثلاثاء إن السودانيين "محاصرون من كافة الجهات - حرب وانتهاكات واسعة النطاق ومهانة وجوع وغيرها من المصاعب. يواجهون حالة من اللامبالاة من العالم الخارجي الذي لم يُبدِ خلال العامين الماضيين اهتماما يُذكر بإحلال السلام في السودان أو إغاثة جيرانه".
وبحسب الأمم المتحدة، قد يعود أكثر من 2.1 مليون نازح إلى الخرطوم في خلال الأشهر الستة المقبلة، إذا ما سمحت الأوضاع الأمنية والبنى التحتية بذلك.
وشهد إقليم دارفور أكثر المعارك حدة في الأشهر الماضية، خصوصا مع محاولة قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر مدينة رئيسية لا تزال خارجة عن سيطرتها في الإقليم.
وأطلقت هذه القوات الأسبوع الماضي هجوما جديدا عند أطراف الفاشر التي تحاصرها، أتاح لها السيطرة على مخيم زمزم الذي يعاني المجاعة، بعد يومين من القصف المدفعي العنيف وإطلاق النار.
ونقلت الأمم المتحدة الاثنين عن "مصادر موثوقة" تأكيدها أن حصيلة هذه المعارك تجاوزت 400 قتيل، بينما فرّ نحو 400 ألف شخص من المخيم، حسبما أفادت المنظمة الدولية للهجرة.
ويرى محللون أن قوات الدعم السريع ستركز في الفترة المقبلة على تأمين المناطق الحدودية وضمان خطوط إمدادها، ما يعزز الانقسام في البلاد التي يسيطر الجيش السوداني على شمالها وشرقها بينما تسيطر الدعم السريع وحلفاؤها على الغرب ومناطق في الجنوب.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الإثنين إن السودان "لا يزال عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى" داعياً إلى "إنهاء هذا الصراع العبثي".
ودعا غوتيريش "المتمتعين بأكبر قدر من النفوذ لدى الأطراف" المتحاربة إلى "استخدام هذا النفوذ لتحسين حياة شعب السودان بدلا من إطالة أمد هذه الكارثة".
وشدد غوتيريش في بيانه على أهمية "وقف الدعم الخارجي وتدفق الأسلحة" مشيراً إلى "مواصلة تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان بما يسمح باستمرار الصراع وانتشاره".
ويتّهم الجيش السوداني الإمارات بمدّ الدعم السريع بالأسلحة، ما تنفيه الدولة الخليجية وقوّات دقلو بدورها.
وفي البيان الختامي، تعهّدت البلدان المشاركة في مؤتمر لندن بأكثر من 80 مليون يورو إضافية لمساعدة السودان في مواجهة أزمة إنسانية كارثية.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في افتتاح المؤتمر المنظّم بمبادرة من بريطانيا والاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا والاتحاد الإفريقي "لا يمكننا بكلّ بساطة أن نشيح نظرنا".
وتابع أن "كثيرين تخلّوا عن السودان... وهذا خطأ أخلاقي نظراً لعدد القتلى المدنيين والرضّع الذين بالكاد بلغوا عامهم الأوّل وتعرّضوا لعنف جنسي وعدد الأشخاص المهدّدين بالجوع الذي يفوق المستويات المسجّلة في أيّ مكان آخر في العالم".
وشارك في الاجتماع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والإمارات المتحدة وتشاد وممثلون عن الاتحاد الأوروبي بينما يغيب عنه طرفا النزاع السوداني.
وأحصت الأمم المتحدة قتل أو تشويه 2776 طفلا بين 2023 و2024 في السودان، مقابل 150 في 2022. ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى.
ومن الصعب التوصل لأرقام دقيقة لضحايا حرب السودان بسبب انهيار القطاع الصحي، إلا أن المبعوث الأممي السابق إلى السودان توم بيرييلو قدر عدد القتلى بنحو 150 ألفا.
واعتبرت منظمة الأمم المتّحدة للطفولة (اليونيسف) أن "عامين من الحرب والنزوح حطّما حياة ملايين الأطفال في أنحاء السودان".
ويبقى مصير السودان معلقا في ظل استمرار القتال وتصاعد الانقسام السياسي، وسط مخاوف متزايدة من تفاقم الأزمة الإنسانية وتقسيم البلاد.