الرئيس اللبناني يقود حملة غير مسبوقة لكسر جدار الفساد

جوزيف عون يطلق ثورة إصلاح مؤكدا أن مكافحة الفساد أساس التعافي، داعيا إلى عدم التهاون مع الفاسدين، ورفض أي ضغوط.
الثلاثاء 2025/04/15
عون يتعهد بإنهاء عصر الإفلات من العقاب

بيروت -  يطلّ الرئيس جوزيف عون بمبادرة جريئة، يصفها البعض بـ"بثورة إصلاح"، في محاولة جدية لاستعادة هيبة الدولة المفقودة ومكافحة الفساد المستشري الذي يراه "الوباء" القاتل الذي يدفع البلاد نحو الهاوية، وذلك  في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بلبنان.

ففي زيارات مفاجئة، كان آخرها مقر المديرية العامة لأمن الدولة، أطلق عون الثلاثاء صرخة مدوية، حيث شدد على أن "مهمتكم الأساسية مكافحة الفساد لأنه في أساس الأزمة الاقتصادية وعذابات اللبنانيين". وفق بيان صادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية.

وأضاف بحزم "لا تهاون بعد اليوم مع الفاسدين والمرتكبين، ولا حماية لأحد. ارفضوا أي ضغط يمكن أن تتعرضوا له".

رسالة عون حازمة تتردد صداها أيضا في أروقة المؤسسات العامة، من مرفأ بيروت إلى مصلحة تسجيل السيارات والآليات "النافعة"، حيث أكد على ضرورة انتظام الرقابة الجمركية وعدم التهاون مع المخالفات، ودعا المواطنين إلى أن يكونوا "عيون الدولة" في كشف الفساد.

يرى مراقبون أن هذه الحملة، التي تتجاوز حدود الجولات التفقدية الروتينية، تمثل صرخة أخيرة لإعادة بناء الثقة المهزوزة بين الشعب ودولة لطالما كانت مرتعًا للفساد وسوء الإدارة والولاءات الطائفية الضيقة. لكن هذا "المسار الإصلاحي" الشجاع يصطدم بجدار صلب من الواقع المرير: إرث ثقيل من الفساد السياسي المتجذر، والذي ترسخ لعقود تحت مظلة هيمنة حزب الله وحركة "أمل" (الثنائي الشيعي) على مفاصل الدولة.

وهذه الهيمنة، التي وفرت غطاء سياسيا حصينً لرموز الفساد، وعلى رأسهم رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان المركزي السابق المتهم بتبييض الأموال واختلاس المال العام، تقف كحجر عثرة عملاق أمام أي محاولة جادة للمحاسبة وتحقيق العدالة.

فالحصانة السياسية الممنوحة من هذا التحالف القوي تحول دون تطبيق القانون، وتحيل الإصلاح إلى مهمة شبه مستحيلة، وتعرقل أي جهود لإحياء الاقتصاد المنهار.

ومع ذلك، وفي تطور قضائي لافت، أصدر قاض لبناني الأسبوع الماضي قرارًا مبنيًا على قرينة خلص فيه إلى أن سلامة أقدم على "الإثراء غير المشروع" عن طريق تحويل أموال من البنك المركزي إلى حسابات خاصة، مما يمهد الطريق لإدانته. وهذا القرار، الذي يمثل خرقًا لـ"جدار الحماية" الذي طالما تمتّع به سلامة، يطرح تساؤلات حول مدى جدية القضاء اللبناني في مواجهة رموز الفساد، وتأثيره المحتمل على حملة الرئيس عون.

فبينما يصر عون على المضي قدما في "صرخته الإصلاحية"، مدركا أن نجاحها يتطلب دعما شعبيا حقيقيا، وقضاء مستقلا، وغطاء سياسيا يسمح بالمحاسبة الشاملة، يظل السؤال المطروح: هل سيتمكن من كسر حصون الفساد المدعومة بنفوذ قوى الأمر الواقع، وعلى رأسها حزب الله؟

في بلد أنهكته الأزمات، قد لا تكفي الجولات التفقدية وحدها لتغيير الواقع. لكن الرسالة التي يوجهها عون، بوضوح وحزم، تحمل في طياتها بصيص أمل: "مرحلة الإفلات من العقاب يجب أن تنتهي... الدولة لا تزال قادرة على استعادة دورها، ولو تدريجيا". فهل يشهد لبنان فجرا جديدا في مكافحة هذا "الوباء" الذي يهدد وجوده؟ الإجابة مرهونة بمعركة شرسة تتطلب إرادة سياسية صلبة ودعمًا شعبيا واسعا، وقبل كل شيء، القدرة على تحدي قوى نافذة ترى في بقاء الوضع على ما هو عليه ضمانا لمصالحها.