قوى شيعية تهدد استقرار البرلمان العراقي بعد استحداث محافظة حلبجة

محاولة كتلة "الصادقون" إقالة رئاسة البرلمان تكشف استمرار عرقلة قوى شيعية لمكاسب وحقوق إقليم كردستان الدستورية والإنسانية الرمزية.
الثلاثاء 2025/04/15
حلبجة تنتصر بعد طول انتظار

بغداد – أثار إقرار البرلمان العراقي الاثنين تحويل قضاء حلبجة إلى محافظة، رغم مرور 12 عاما على طرح استحداثها وما تبع ذلك من استكمال للهياكل الإدارية، خلافات حادة حول رئاسة المجلس، ما يكشف عن استمرار محاولات بعض القوى الشيعية، وعلى رأسها كتلة "الصادقون" التابعة لعصائب أهل الحق، لعرقلة أي مكاسب أو استحقاقات لإقليم كردستان.

فقد أعلنت كتلة "الصادقون" النيابية التابعة لحركة عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي الاثنين، عزمها التحرك لإقالة رئاسة مجلس النواب بدعوى "الإدارة المخالفة للجلسة" التي شهدت تمرير قانون تحويل حلبجة إلى محافظة رقم 19 في العراق بأغلبية الحضور.

وبرر النائب عن الكتلة، عادل الركابي، في تصريح لوكالة "شفق نيوز" الكردية العراقية، هذا التحرك قائلا إن الجلسة شهدت "التصويت على أمور مهمة دون نصاب قانوني، كما لم يحصل اتفاق على الفقرات الجدلية، فيما تم تأجيل قوانين وأمور مهمة دون سبب، ورفعت الجلسة بعد استحداث محافظة جديدة".

ويثير هذا التحرك تساؤلات عميقة حول النوايا الحقيقية وراء هذا التوقيت بالذات. فبدلا من إظهار الوحدة الوطنية وتقدير معاناة مدينة حلبجة التي تعرضت لأبشع جريمة إنسانية، تسعى قوى شيعية نافذة إلى خلق أزمة سياسية جديدة، مستغلة حدثًا كان من المفترض أن يكون نقطة وفاق وتضميد للجراح.

ويرى مراقبون أن هذا الإجراء يكشف عن استمرار أجندة خفية تهدف إلى الضغط على إقليم كردستان وتقويض أي خطوات نحو تعزيز مكانته الدستورية والإدارية، مشيرين إلى أن محاولة إقالة رئاسة البرلمان تلقي بظلال من الشك على مستقبل التعاون بين بغداد وأربيل.

وتزامن هذا الاعتراض مع دعوات من قوى أخرى، مثل كتلة بدر، لاستحداث محافظة جديدة تضم تلعفر وسنجار وسهل نينوى بهدف "إنقاذ المكونات العراقية من التهميش".

وبينما أبدت كتلة بدر دعمها لاستحداث محافظة حلبجة باعتباره "حقًا دستوريًا وقانونيًا"، فإن ربط هذا الدعم بمطلب استحداث محافظة أخرى يشي بمحاولة للمساومة أو خلق توازنات سياسية قد لا تخدم مصالح إقليم كردستان بشكل مباشر.

وقد أشاد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، الاثنين، بالتصويت مؤكدا أن بغداد استكملت جهود الاقليم للاعتراف بالمدينة.

وقال بارزاني في بيان إنه "بمناسبة تصويت مجلس النواب العراقي على قرار تحويل حلبجة إلى محافظة رسمية، أتقدّم بأحرّ التهاني إلى أهالي حلبجة وجميع أبناء إقليم كردستان، وأوجّه شكري وتقديري وامتناني إلى مجلس النواب العراقي، وكل الجهات والأطراف في إقليم كردستان والعراق التي أسهمت وساعدت في إنجاح هذه العملية".

وأضاف أن "ما تحقق اليوم يمثل مصدر فخر وفرح لنا جميعًا في كوردستان، ولقد بدأنا فعليًا، ومنذ فترة، في إقليم كوردستان خطوات عملية من أجل تنظيم الوضع الإداري لمحافظة حلبجة، واليوم تُستكمل هذه الجهود بالقرار الرسمي من بغداد، ليكون الاعتراف بها كمحافظة أقلّ ما يمكن تقديمه وفاءً لتضحيات ومعاناة حلبجة وأهلها المناضلين".

وعبر بارزاني عن أمله في، أن "يسهم هذا القرار في تحسين حياة المواطنين، وتحقيق التنمية والخدمات وإعادة الإعمار، والنهوض بحلبجة في جميع المجالات، وهو واجب ومسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا، ويجب أن نؤديه بإخلاص ووفاء".

وأكدت النائب عن كتلة الديمقراطي الكردستاني، إيمان عبدالرزاق، لوكالة "شفق نيوز" أن "مجلس النواب صوت بأغلبية الحضور على استحداث محافظة حلبجة لتكون المحافظة رقم 19 في العراق".

وفي المقابل، أفادت مصادر نيابية عن اعتراضات رافقت التصويت بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني حيث لم يتجاوز عدد الحضور 60 نائبا، واتهام بعض النواب للنائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي بـ"التواطؤ" في تمرير القانون، من خلال المضي بعقد الجلسة والتصويت رغم الاعتراضات المتكررة ومغادرة عدد من النواب القاعة احتجاجا على ما وصفوه بـ"الخرق الواضح للنظام الداخلي للمجلس".

كما أشار النائب عن كتلة الاتحاد الإسلامي الكردستاني، مثنى أمين، إلى وجود "استغلال سياسي" من قبل بعض الكتل التي تسعى للمساومة على إقرار محافظات أخرى مقابل الموافقة على حلبجة، لافتا إلى أن رئيس البرلمان السابق كان معارضًا للفكرة خشية فتح الباب لمطالبات مماثلة قد تؤثر على تمثيل المكون السني.

وتشير هذه التطورات إلى أن إقرار محافظة حلبجة، الذي طال انتظاره كتعويض رمزي عن التضحيات الجسام التي قدمتها المدينة، لم يمر دون محاولات لعرقلته أو استخدامه كورقة للمساومة من قبل بعض القوى السياسية في بغداد.

ويؤكد هذا المشهد استمرار التحديات التي يواجهها إقليم كردستان في الحصول على استحقاقاته الدستورية والإدارية في ظل محاولات مستمرة من بعض القوى، وعلى رأسها قوى شيعية نافذة، لتقويض هذه المكاسب أو ربطها بأجندات سياسية أخرى.

ووقعت مجزرة حلبجة في 16 مارس 1988، عندما قصف نظام الرئيس الراحل صدام حسين المدينة بالأسلحة الكيميائية، ما أسفر عن مقتل أكثر من خمسة آلاف مدني، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة آلاف آخرين بجروح خطيرة، لا يزال العديد منهم يعانون من تبعاتها الصحية حتى اليوم.

وقررت حكومة إقليم كردستان في يونيو 2013 إنشاء محافظة حلبجة مقرها مدينة حلبجة وتلحق بها أقضية: حلبجة، وشهرزور، وبينجوين، وسيد صادق، وهي أقضية كانت مرتبطة إداريا بمحافظة السليمانية، ولكن لم تعترف الحكومة الاتحادية بها كمحافظة حتى جاء تصويت مجلس النواب على استحداثها الاثنين.

ووقع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني (رئيس حكومة الإقليم السابق) في 13 مارس 2014 على قرار إنشاء المحافظة الجديدة وأعلنت حلبجة كمحافظة رابعة لكردستان؛ وقد صدر القرار قبل ثلاثة أيام من ذكرى الهجوم الكيميائي على حلبجة.

وجاءت فكرة جعل حلبجة محافظة تعويضا لها عن التضحيات التي قدمها أهالي المدينة عندما أقدم نظام الرئيس الراحل صدام حسين في مارس عام 1988 بقصف المدينة بالأسلحة الكيمياوية وقتل منهم خمسة آلاف شخص وجرح آلافا آخرين.

وتشمل محافظة حلبجة مركز قضاء حلبجة والنواحي الثلاث (سيروان، خورمال، وبيارة)، وبحسب إحصاء رئاسة البلدية فإن عدد سكان حلبجة ومحيطها يبلغ نحو 200 ألف شخص، فيما يضم مركز قضاء حلبجة 14 ألف أسرة تتألف من 66 ألف شخص.