أوروبا القلقة من ترامب تندفع للعودة إلى الغاز الروسي

الشركات الفرنسية والألمانية منفتحة على استئناف متواضع لإمدادات غازبروم.
الثلاثاء 2025/04/15
الوضع لا يحسد عليه

أوروبا، التي كانت قد سعت لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، تجد نفسها مجددا أمام تحديات جديدة مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يتطلع إلى تعزيز مكانة الولايات المتحدة كمصدر رئيسي لهذا المورد، بينما يكافح التكتل بشق الأنفس لتحقيق أمن الطاقة.

باريس/برلين - بعد أكثر من ثلاث سنوات من غزو روسيا لأوكرانيا، لا يزال أمن الطاقة في أوروبا هشا. وساعد الغاز الطبيعي المسال الأميركي في سد فجوة الإمدادات الروسية في أوروبا خلال أزمة الطاقة بين عامي 2022 و2023.

لكن الآن، وبعد أن هزّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب العلاقات مع أوروبا التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، ولجأ إلى الطاقة كورقة مساومة في المفاوضات التجارية، تشعر الشركات بالقلق من أن الاعتماد على الولايات المتحدة أصبح نقطة ضعف أخرى.

وفي ظل هذه الخلفية، بدأ المسؤولون التنفيذيون في كبرى شركات الاتحاد الأوروبي يُصرّحون بما كان يُعتبر ضربا من المستحيل قبل عام: أن استيراد بعض الغاز الروسي، بما في ذلك من شركة غازبروم الروسية العملاقة المملوكة للدولة، قد يكون فكرة جيدة.

ويتطلب ذلك تحولا جذريا آخر في السياسات، نظرا لأن الحرب في أوكرانيا جعلت الاتحاد الأوروبي يتعهد بإنهاء واردات الطاقة الروسية بحلول عام 2027.

وتبدو خيارات أوروبا محدودة. فقد تعثرت المحادثات مع قطر للحصول على المزيد من الغاز، ورغم تسارع وتيرة نشر مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن وتيرة ذلك ليست سريعة بما يكفي لمنح الاتحاد الأوروبي شعورا بالأمان.

باتريك بويان: على أوروبا التنويع، وليس الاعتماد على مسار أو اثنين
باتريك بويان: على أوروبا التنويع، وليس الاعتماد على مسار أو اثنين

وصرح ديدييه هولو، نائب الرئيس التنفيذي لشركة إنجي الفرنسية، لرويترز في مقابلة “إذا ساد السلام في أوكرانيا بشكل معقول، يمكننا العودة إلى تدفقات تبلغ 60 مليار متر مكعب، وربما 70 مليار متر مكعب، سنويً، بما في ذلك الغاز”.

وتمتلك الدولة الفرنسية حصة جزئية في إنجي، التي كانت من بين أكبر مشتري غاز غازبروم. ويؤكد هولو أن روسيا قادرة على توفير ما يقارب 20 إلى 25 في المئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي، بانخفاض عن 40 في المئة قبل الحرب.

وحذر باتريك بويان، رئيس شركة توتال إنيرجيز الفرنسية العملاقة للنفط، أوروبا من الإفراط في الاعتماد على الغاز الأميركي. وقال لرويترز “نحن بحاجة إلى تنويع مصادرنا عبر العديد من المسارات وليس الاعتماد على مسار واحد أو اثنين”.

وتعد توتال مصدّرا رئيسيا للغاز الطبيعي المسال الأميركي، كما تبيع الغاز الطبيعي المسال الروسي من شركة نوفاتيك الخاصة.

وأضاف بويان “لن تعود أوروبا أبدا إلى استيراد 150 مليار متر مكعب من روسيا كما كانت قبل الحرب، لكنني أراهن على 70 مليار متر مكعب تقريبا.”

وتمتلك فرنسا، التي تُنتج كميات كبيرة من الطاقة النووية، بالفعل أحد أكثر مصادر الطاقة تنوعا في أوروبا، ولكن ألمانيا تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي الرخيص لدعم قطاعها الصناعي حتى اندلاع حرب أوكرانيا، ولم يعد أمامها خيارات كثيرة.

وفي مجمع ليونا الكيميائي، أحد أكبر التجمعات الكيميائية في ألمانيا، والذي يضم مصانع شركتي داو كيميكال وشل، وغيرهما، يرى بعض المصنّعين ضرورة عودة الغاز الروسي بسرعة.

وكانت روسيا تُغطي 60 في المئة من الاحتياجات المحلية، بشكل رئيسي عبر خط أنابيب نورد ستريم، الذي فُجّر عام 2022.

وقال كريستوف غونتر، المدير العام لشركة إنفرا ليونا، مُشغّل المجمع “نمرّ بأزمة حادة، ولا نطيق الانتظار.” وأضاف أن “قطاع الصناعات الكيميائية الألماني قد خفّض الوظائف لخمسة فصول متتالية، وهو أمر لم نشهده منذ عقود.”

كريستوف غونتر: نمر بأزمة حادة وهناك ضرورة للعودة إلى الغاز الروسي
كريستوف غونتر: نمر بأزمة حادة وهناك ضرورة للعودة إلى الغاز الروسي

وأوضح أن إعادة فتح خطوط الأنابيب ستُخفّض الأسعار أكثر من أي برامج دعم حالية، مشيرا إلى “إنه موضوع مُحرّم”، وأن العديد من الزملاء مُتفقون على ضرورة العودة إلى الغاز الروسي.

وصوّت ما يقرب من ثلث الألمان لأحزاب مؤيدة لروسيا في الانتخابات الفيدرالية التي جرت في فبراير الماضي.

وفي ولاية مكلنبورغ فوربومرن، المنطقة الألمانية الشرقية التي ينطلق منها خط أنابيب نورد ستريم بعد أن يمر من روسيا تحت بحر البلطيق، يرغب 49 في المئة من الألمان في العودة إلى إمدادات الغاز الروسية، وفقا لمسح أجراه معهد فورسا.

وقال كلاوس باور، المدير العام لشركة ليونا – هارتسه، وهي شركة بتروكيماويات متوسطة الحجم في ليونا بارك “نحتاج إلى الغاز الروسي، نحتاج إلى طاقة رخيصة، بغض النظر عن مصدرها.. نحتاج إلى نورد ستريم 2 لأننا بحاجة إلى ضبط تكاليف الطاقة.”

وأكد دانييل كيلر، وزير الاقتصاد في ولاية براندنبورغ، موطن مصفاة شفيدت، المملوكة جزئيا لشركة روسنفت الروسية للنفط، ولكنها تحت وصاية الحكومة الألمانية، أن قطاع الطاقة يريد من الحكومة الفيدرالية إيجاد طاقة رخيصة.

وقال كيلر “يمكننا أن نتخيل استئناف استيراد أو نقل النفط الروسي بعد إحلال السلام في أوكرانيا.”

وغطّى الغاز الأميركي 16.7 في المئة من واردات الاتحاد الأوروبي العام الماضي، بعد النرويج التي بلغت 33.6 في المئة وروسيا التي بلغت 18.8 في المئة.

ومن المتوقع أن تنخفض حصة روسيا إلى أقل من 10 في المئة هذا العام بعد إغلاق أوكرانيا لخطوط الأنابيب. أما التدفقات المتبقية فهي في الغالب من الغاز الطبيعي المسال من شركة نوفاتيك.

ويستعد التكتل لشراء المزيد من الغاز الطبيعي الأميركي، إذ يريد ترامب من أوروبا خفض فائضها التجاري مع الولايات المتحدة.

وقال ماروس سيفكوفيتش، مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي “بالتأكيد، سنحتاج إلى المزيد من الغاز الطبيعي المسال.”

ترامب يجعل الغاز الأميركي سلعة ذات أغراض سياسية، بينما التكتل ليس خطة واضحة للابتعاد عن روسيا

وقالت تاتيانا ميتروفا، الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، إن “حرب الرسوم الجمركية عززت مخاوف أوروبا بشأن الاعتماد على الغاز الأميركي.”

وأضافت “يزداد صعوبة اعتبار الغاز الطبيعي المسال الأميركي سلعة محايدة: ففي مرحلة ما، قد يصبح أداة جيوسياسية.”

وقال آرني لومان راسموسن، كبير المحللين في شركة إدارة المخاطر العالمية، إن “في حال تصاعدت الحرب التجارية، فهناك خطر ضئيل من أن تحجم الولايات المتحدة عن صادرات الغاز.”

وأكد دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لرويترز أنه لا يمكن لأحد استبعاد “استخدام هذا النفوذ”.

وقال وارن باترسون، رئيس إستراتيجية السلع في بنك آي.أن.جي، إن “في حال ارتفعت أسعار الغاز الأميركي بسبب ارتفاع الطلب الصناعي والذكاء الاصطناعي، فقد تُقلص الولايات المتحدة صادراتها إلى جميع الأسواق.”

وفي عام 2022، حدد التكتل لنفسه هدفا غير ملزم بإنهاء واردات الغاز الروسي بحلول 2027، لكنه أرجأ مرتين نشر خططه بشأن كيفية تحقيق ذلك. ورفض متحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي التعليق على تعليقات الشركات.

ورفعت عدة شركات تابعة للاتحاد الأوروبي دعاوى تحكيم ضد شركة غازبروم لعدم تسليمها الغاز في أعقاب حرب أوكرانيا.

ومنحت المحاكم شركة يونيبر الألمانية وشركة أو.أم.في النمساوية تعويضات بقيمة 14 مليار يورو و230 مليون يورو على التوالي. وطالبت شركة آر.دبليو.إي الألمانية بتعويض قدره مليارا يورو، بينما لم تكشف إنجي وشركات أخرى عن مطالباتها.

ويؤكد هولو أن أوكرانيا قد تسمح لروسيا بإرسال الغاز عبر أراضيها لسداد مستحقات التحكيم كنقطة انطلاق لاستئناف العلاقات التعاقدية مع غازبروم. وقال “هل تريدون (غازبروم) العودة إلى السوق؟ هذا جيد جدا، لكننا لن نوقع عقدا جديدا إذا لم تدفعوا التعويض.”

وتقلق عودة الغاز الروسي مكسيم تيمشينكو، رئيس دي تيك، وهي شركة غاز أوكرانية خاصة تأمل في استيراد الغاز الأميركي إلى مخازن أوكرانيا وتصديره إلى أوروبا.

وقال تيمشينكو “من الصعب التعليق، كوني أوكرانيا، لكنني آمل أن يكون السياسيون الأوروبيون قد تعلموا درسا من التعامل مع روسيا.”

11