واشنطن بوست: إيران دربت المئات من عناصر بوليساريو

واشنطن - كشف تحقيق استقصائي نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية اليوم الأحد عن قيام إيران على مدى سنوات ببناء شبكة واسعة من الجماعات الوكيلة لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشملت هذه الشبكة ميليشيات جبهة بوليساريو التي تنطلق من الأراضي الجزائرية.
ويُعد هذا الكشف الأول من نوعه الذي يُبلغ عن تعاون مباشر بين طهران والجبهة الرافضة لمقترح المغرب خطة الحكم الذاتي تحت سيادته، وتطالب باستفتاء لتقرير مصير سكان الصحراء المغربية، في تطور يعكس استراتيجية إيرانية متسارعة لتوسيع نفوذها خارج معاقلها التقليدية في المشرق العربي. ولم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات الجزائرية أو الإيرانية على هذه التقارير، ولم يقدم التقرير تفاصيل مباشرة حول دور الجزائر في هذا التدريب.
ووفقا للواشنطن بوست، تلقى المئات من مقاتلي بوليساريو تدريبات عسكرية وأمنية على يد مدربين إيرانيين، وتم رصد عدد منهم لاحقا ضمن شبكات كانت تنشط في سوريا خلال فترة سيطرة نظام بشار الأسد. إلا أن الحكومة السورية الجديدة، التي تولت السلطة بعد الإطاحة بالأسد في ديسمبر الماضي، قامت بتفكيك هذه الشبكات واعتقال بعض عناصرها.
ووصف مسؤول أوروبي هذه الخطوة بـ"السابقة الخطيرة"، معتبرا أنها تندرج ضمن نمط متصاعد من محاولات إيران لتوسيع دائرة حلفائها عبر توظيف حركات انفصالية أو جماعات مسلحة خارج البيئة الشيعية التقليدية، وهو ما يمثل تحولًا لافتًا في عقيدة طهران العملياتية التي اعتمدت تقليديا على وكلاء طائفيين من الشيعة في لبنان والعراق وسوريا واليمن.
ويرى خبراء أمنيون تحدثوا للصحيفة أن هذا التوجه يعكس مسعى إيرانيا لتوسيع جغرافية المواجهة مع خصومها في المنطقة، وعلى رأسهم المغرب الذي يقيم علاقات وثيقة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
ويأتي هذا في وقت تُبدي فيه الرباط انخراطًا متزايدًا في جهود إقليمية لمكافحة النفوذ الإيراني، خاصة من خلال التنسيق الأمني مع دول الخليج العربي.
ويشير مراقبون إلى أن نقل إيران لتقنيات التدريب والتسليح إلى جبهة بوليساريو يحمل أبعادا مزدوجة، فهو يمكّن طهران من خلق بؤرة ضغط على المغرب في خاصرته الجنوبية، ويسمح لها باختبار أدوات جديدة لتصدير التوتر الإقليمي عبر دعم حركات انفصالية في دول لا تتفق معها سياسيا.
ويحذر مسؤول أمني أوروبي من أن هذا التعاون "يهدد بإعادة خلط الأوراق الأمنية في شمال أفريقيا"، خاصة في ظل "الفراغ الاستراتيجي المتنامي في منطقة الساحل".
ويختتم تقرير واشنطن بوست بالكشف عن أن السلطات السورية الجديدة، خلال تفكيكها لشبكات التهريب الإيرانية على الحدود اللبنانية السورية، عثرت على عدد من عناصر بوليساريو المدربين إيرانيا ضمن شبكات تهريب الأسلحة والطائرات المسيّرة، واصفا ذلك بأنه "واحدة من أوسع عمليات الانتشار غير التقليدي لوكلاء إيران خارج الهلال الشيعي التقليدي".
وتأتي هذه الحملة السورية في ظل تغيير جذري تشهده البلاد منذ سقوط بشار الأسد، حيث تعمل القيادة الجديدة بقيادة أحمد الشرع على تفكيك الشبكات التي كانت بمثابة خطوط إمداد لإيران وحلفائها، بما في ذلك قطع طرق التهريب واستعادة مناطق تخزين الأسلحة والمخدرات. وتطرد القوات السورية آخر ما تبقى من الوجود الإيراني، حتى مع استمرار القتال مع الميليشيات المحلية المرتبطة بحزب الله.
وتشعر إيران بضغوط متزايدة، وتشير التقارير إلى لجوئها إلى أساليب "أكثر يأسا"، بما في ذلك احتمال استغلال جماعات سنية متطرفة لزعزعة استقرار الحكومة السورية الجديدة. إلا أن حكام سوريا الجدد يواجهون تحديات كبيرة، حيث اختفت الميليشيات المرتبطة بإيران وانضمت إلى شبكات إجرامية لتجنب الكشف، بينما يحاول حزب الله نقل الأسلحة خارج سوريا متجنبا الغارات الإسرائيلية.
وكان المغرب، قد قطع في مايو 2018، علاقاته مع إيران بسبب دعم طهران جبهة بوليساريو المسلحة، بعد أن أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن بلاده "ستغلق سفارتها في العاصمة الإيرانية طهران، كما ستطرد السفير الإيراني من الرباط".
وأكدت الخارجية المغربية، في بيان لها، أن قرار قطع العلاقات مع إيران جاء بعد وقت كافٍ لدراسة الأدلة والمعطيات، على الدعم السياسي والعسكري والإعلامي الذي يقدمه "حزب الله" لبوليساريو بالتواطؤ مع إيران.
وفي 30 سبتمبر 2018، قدم 3 أعضاء بمجلس النواب الأميركي مشروع قانون يدينون فيه التواطؤ بين بوليساريو المسلحة وجماعة حزب الله اللبنانية، إلى جانب مساعي إيران المزعزعة للاستقرار في منطقة شمال أفريقيا وغيرها.
وأدان مشروع القانون، حسب بيان لوكالة الأنباء المغربية الرسمية، آنذاك، إيران التي "تقدم دعما ماديا وماليا لمنظمات إرهابية مثل حزب الله، الذي صنفته الولايات المتحدة منظمةً إرهابية دولية".
كما ندد بمساعي إيران وحليفها حزب الله، المزعزعة للاستقرار في شمال أفريقيا، والتي "تخالف أهداف الأمن القومي الأمريكي".
وكانت نحو 30 دولة حتى الآن افتتحت قنصليات وتمثيليات دبلوماسية لها في الأقاليم الجنوبية بالمغرب، تأكيدا على مغربية الصحراء.
وتتوالى اعترافات الدول، بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، ودعم مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كحل دائم ومعقول وواقعي للملف العالق منذ عقود، بينما تسعى بوليساريو إلى تأجيج النزاع وفصل الصحراء عن المغرب.
وكان على رأس تلك الدول، الولايات المتحدة، التي أكد وزير خارجيتها ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز الثلاثاء خلال لقاء في واشنطن بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن "الولايات المتحدة تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء وتدعم مقترح الحكم الذاتي الجاد وذي المصداقية والواقعي الذي يقدمه المغرب، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لهذا النزاع."