زوجة ريجيس ديبراي تحتفي بالنساء اللائي عرفهن زوجها في كتاب

تختزل زوجات الفلاسفة والأدباء الكثير من أسرارهم، كثير منهن يكتبن تلك الأسرار أو بعضها على الأقل لتعريف القراء بخفايا حياة هذا الكاتب والمفكر أو ذاك، وبالفعل تساهم مثل هذه اللفتات إلى الإضاءة على مناطق مجهولة ومثيرة لحب الاكتشاف. ولا تكتفي كتابات مثل هذه بالتاريخ الشخصي بل تنتقل لتكون تأريخا لحقبة وجيل كامل، وإن كانت كاتباتها لا يدعين الأدبية فإن كثيرا منهن يحققن أدبية عالية في ما يكتبنه على غرار إيزابيل ديبراي التي اختارت موضوعا طريفا متناولة نساء عرفهن زوجها الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبراي.
شاركت إيزابيل ديبراي، وهي المولودة تحت لقب أمبروسيني، حياة الفيلسوف والكاتب والمناضل الأممي ريجيس ديبراي لأكثر من ثلاثين عاما. أنجبا ابنا اسمه أنطوان، ولد في عام 2001، والذي كان قد وجه إليه والده كتابا ضاربا في الذكاء تحت عنوان “بيان إفلاس”، وقع نشره في سلسلة الجيب تحت عنوان “نصائح من أب إلى ابنه”.
في فبراير 2024، نشرت إيزابيل ديبراي كتابا تحت عنوان “في الظل” عند منشورات ميركور دي فرانس، تزامنا مع صدور كتاب صغير لزوجها، تحت عنوان “وجيز”، وهو يتمثل في مجموعة من الشذرات والحكم الفكرية والفلسفية على طريقة هراقليطس وماركوس أوريليوس والكتّاب الأخلاقيين الفرنسيين أمثال بسكال ولاروشفوكو وصولا إلى شوبنهاور ونيتشه فسيوران.


يبدو نص “في الظل” مفاجئا للغاية في الكثير من النواحي. فالكتاب لا ينتمي إلى جنس أدبي معين، بل يتألف من فقرات قصيرة مجزأة، تسلط الضوء على هذه العبارة الافتتاحية للموسيقار جون لينون “من السهل العيش مغمض العينين، فاشلين في تفسير كل ما يُرَى…”.
لا غيرة من الماضي
• العرب: يتركنا كتاب “في الظل” في حيرة وهو الذي يتناول في جزء منه نساء في حياة الزوج. ما هو بالضبط؟ كيف وُلِدَ؟ وكيف كتب؟
إيزابيل ديبراي: بما أنني عرفتهن وأحببتهن جميعهن، فقد شعرت بالحاجة إلى تكريمهن، لأنهن كن كائنات استثنائية. وأعتقد أن جمع الماضي مع الحاضر أمر مهم. وهذا ما سمح لريجيس بمواصلة العلاقات معهن، وظل ماضيه حيا في حاضره.
يعيش العديد من النساء والرجال مغلقي الأعين أمام ماضي بعضهم البعض. هل هذا جيد؟ لا أعتقد ذلك.
• العرب: كتبت في بداية “في الظل”، “عشرون عاما تفصلنا. جيل الأربعينات، نهاية البداية لأحدهما، والآخر غائب. الستينات والولادة لكليهما. سنة 1968: سجنٌ وطفولة. 1981، الأول يصوت وبعض الخطوات نحو السلطة. الحدسي يعثر على المفكر. لا شيء، لا شيء كان لينبئ بلقاء، فما بالك بولادة ابن، وحياة من السعادة معا، وبيت اخترناه سويا. ظل سيجمعكم جميعا بحبه لكم لما يقرب من ثلاثين عاما من خلال هذا الرجل الذي صقلتموه.”
إيزابيل ديبراي: كتابتك مزيج من اللمسات والحركات، مثل الخطوط المنقطة أو المربعات الفسيفسائية الصغيرة التي تشكل معا لوحة جدارية. هل هذا مقصود أو مصمم بشكل إرادي؟ هل يمكننا اعتبار أسلوبك هذا على أنه مستوحى من أحدث أعمال ريجيس ديبراي الشذرية؟
لقد كتبتُ هذا النص منذ أكثر من عشر سنوات، لذا فهو لم يكن مستوحى من كتب ريجيس الأخيرة. لقد جاءتني هذه الطريقة في الكتابة تدريجيا.
• العرب: عن ريجيس ديبراي، كتبتِ ما يُلامس مشاعرنا: “دائمًا في حالة حب. ستكون حياته جديرة برواية مُتسلسلة. لن يكون رجلًا مُنفردًا. ينتقل من واحدة إلى أخرى، من اليمين إلى اليسار، من البرجوازي إلى الطالب، من العلية إلى القصر الرئاسي، من الأعداء إلى الأصدقاء، من الأرض إلى السماء، من الجنوب إلى الشمال، من الحبس إلى الانفتاح.”
بالطبع، نود أن نعرف ليس فقط رأي ريجيس ديبراي عن هذه الصورة التي ترسمينها له وحول كل هذا العمل، ولكن أيضا كيف تعيشين الحرية التي يُطالبُ بها زوجك؟ بمعنى آخر، هل لا تشعرين بالغيرة؟
إيزابيل ديبراي: لمعرفة ما يعتقده ريجيس حول هذا النص، يجب أن تطرح السؤال عليه. لكن بما أنه أذن لي بنشره، أعتقد أنه أعجبه. نعم أعتقد أن الغيرة عدو. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو لي
من الجنون أن أشعر بالغيرة من الماضي.
• العرب: كلمة “امرأة” هي الأكثر حضورا في كتابك. هل ذلك من محض الصدفة أو وعيا منك؟ لكن يمكن تشبيه كتاب “في الظل” بكتاب صور يحتوي على شخصيات نسائية، مثل عشيقات زوجك السابقات. في حالتك، هل يمكننا أن نتحدث عن النسوية، أو حتى بما يسمى “الأختية” أي التضامن بين النساء؟
إيزابيل ديبراي: كلا، لا نسوية ولا أختية. كتب ريجيس مليئة بالنساء. أنا أحتفي بهن، بكل حب، هذا كل ما في الأمر.
اليسار وغزة
• العرب: كتابتك وطريقة تفكيرك تذكرنا بديونيس ماسكولو، الذي كان قريبا جدا من مارغريت دوراس وروبرت أنتيلم وإدغار مورين: “إن اليساريين في الواقع - ويمكن القول إنهم يساريون - أناس ليس لديهم أي شيء مشترك: لا ذوق، ولا شعور، ولا فكرة، ولا طلب، ولا رفض، ولا انجذاب أو نفور، ولا عادة أو تحيز… إنهم ومع ذلك يشتركون في كونهم يساريين، دون أدنى شك، ودون أن يكون لديهم أي شيء مشترك. يشكو البعض أحيانا من أن اليسار ‘ممزق’. من طبيعة اليسار أن يكون ممزقا. ولكن هذا ليس صحيحا على الإطلاق بالنسبة إلى اليمين، على الرغم مما قد يوحي به المنطق الساذج للغاية. إن اليمين مصنوع من القبول، وإن القبول هو دائما قبول لما هو موجود، ولطبيعة الأشياء، في حين أن اليسار مصنوع من الرفض، وأن أي رفض، بحكم التعريف، يفتقرُ إلى هذا الأساس العجيب والذي لا يمكن تعويضه (والذي قد يبدو معجزة حتى في نظر نوع معين من الرجال، المفكر، بشرط أن يكون محظوظا بالتعب): الدليل والثبات على ما هو.”
بناءً على هذه الأطروحة، هل تعتبرين نفسك امرأة يسارية؟ إذا كان الأمر كذلك، فماذا يمثل لك اليسار؟
إيزابيل ديبراي: أنا لم أعد أعرف حقا ماذا يعني اليوم “أن تكون يساريا”. ولكن نعم، أنا امرأة صوتت دائمًا وأبدا لليسار، وفي طفولتي المبكرة، علقت ملصقات الحزب الشيوعي مع جدي على الجدران. لكن، هذا عصر كامل اختفى منذ زمن طويل.
◄ إيزابيل لم تعد تعرف حقا ماذا يعني اليوم “أن تكون يساريا” ولكنها تقر بأنها امرأة صوتت دائما لليسار
• العرب: لقد أصبح العالم، المظلم بالفعل، مظلما بشكل وحشي منذ السابع من أكتوبر 2023. ويبدو أن ما يسمى بالعالم “المتحضر” يغرق في الهمجية والظلم لأن أولئك الذين يدعمون أوكرانيا ضد فلاديمير بوتين يدعمون بنيامين نتنياهو ضد فلسطين ولبنان واليمن. وإلى جانب المعايير المزدوجة، هناك مشكلة سياسية وأخلاقية حقيقية. كيف تتعامل الأديبة، وقبلها المرأة، مع هذا الموضوع الساخن؟ ما هي الأدوات التي نملكها للتعامل مع هذا الواقع المريب؟
إيزابيل ديبراي: أنا لست امرأة من أهل الأدب. لقد كنت محظوظة بمعرفة ستيفان هيسيل وبسماع ريجيس وهو يعود من غزة حيث كان يذهب إليها في الكثير من الأحيان. لا أزال أسمع كلمات إدغار مورين اليوم عندما يأتي إلى منزلي. تبدو أدوات اليوم مشوهة بالنسبة إلي. إن انتقاد سياسات نتنياهو ليس أمرا مسلما به في فرنسا. أرسلت لنا للتو امرأة شابة تدعى إيريس مانسارد رواية جميلة على طراز “جول وجيم”، بعنوان “فستان غزة”. هل سيتم نشرها يوما ما؟ أنا أشك في ذلك، ولكن علينا أن نناضل من أجله.
• العرب: إذا كان عليك أن تبدئي من جديد، ما هي الخيارات التي ستتخذينها؟ إذا كان عليك أن تتجسدي أو تتقمصي كلمة، أو شجرة، أو حيوانا، فمن ستكونين في كل مرة؟ أخيرا، إذا كان عليك ترجمة نص واحد فقط من نصوصك إلى لغات أخرى، وفي هذه الحالة إلى العربية، أي لغة ستختارين ولماذا؟
إيزابيل ديبراي: سأختار نفس الحياة مرة أخرى، نفس اللقاءات… ولكن الفهد يستهويني كثيرا بسبب جماله، وذكائه، وسرعته.
لقد كتبتُ كتابين فقط، “في الظل” و”أسرار الجبل”. لو وقع تخييري بينهما، لكان الكتاب هو “في الظل”، أما الكتاب الثاني فهو كتاب عن باريس من عام 1789 إلى يومنا هذا.