إسناد تطوير الإعلام المصري إلى الحوار الوطني بعد إخفاق الهيئات المسؤولة

الرفض الرسمي في مصر لمسار الإعلام يسرّع من بحث الحكومة عن آلية غير تقليدية لتطوير المنظومة.
الجمعة 2025/04/11
بحث عن وسيط يصدقه الناس

القاهرة - سرّع الرفض الرسمي في مصر لمسار الإعلام الحالي من بحث الحكومة عن آلية غير تقليدية لتطوير المنظومة، ما دفعها إلى التعويل على منبر الحوار الوطني لمناقشة الملف بشكل معمق ودقيق للوصول إلى توصيات ورؤى واقعية يمكن تطبيقها، بعيدا عن احتكار أي هيئة إعلامية لتلك المهمة، مع إخفاق غالبية الجهات المعنية بإدارة المشهد في تحقيق نجاحات تقود إلى تعافي المنظومة الإعلامية قريبا.

والتقى مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء بوزير شؤون المجالس النيابية والتواصل السياسي محمود فوزي، وهو أيضا رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني، وطلب منه أن يُركز الحوار خلال الفترة المقبلة على ملف الإعلام والدراما للوصول إلى مخرجات إيجابية لتطوير المنظومة، مؤكدا استعداد الحكومة للاستماع إلى رؤى ومقترحات وتوصيات الخبراء والمتخصصين وتنفيذها بما يحقق الأهداف المرجوة.

وتؤكد هذه الخطوة أن الحكومة قررت تسليم ملف تطوير الإعلام المصري إلى الحوار الوطني، كمظلة مستقلة يمكن أن تناقش الملف بعيدا عن الهيئات المنظمة للمشهد، في ظل تهاوي صورة الإعلام وتراجع منسوب الثقة به إلى مستويات قياسية، ما تسبب في خسائر عديدة للحكومة قبل أي جهة أخرى، لأنها لم تعد لديها وسيط يصدقه الناس عندما تحاول توصيل رسائل إلى الشارع أو تحشد المواطنين لدعم قضايا وطنية.

حسن علي: كثرة عدد المنابر لا تصنع التعدد والتنوع وقوة التأثير
حسن علي: كثرة عدد المنابر لا تصنع التعدد والتنوع وقوة التأثير

ورغم وجود ثلاث هيئات إعلامية، هي: الهيئة الوطنية للإعلام، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، إلى جانب نقابتي الإعلاميين والصحافيين، يقول خبراء إن مصر تفتقر إلى سياسة إعلامية واضحة ومحددة الملامح، ويبدو المشهد عشوائيا وفوضويا، وكل جهة أو هيئة تدير ما يخصها من مؤسسات وفق رؤية أحادية بعيدة عن الرؤية العامة للتطوير والتغيير بما يتناسب مع طموحات السلطة.

واقتنعت الحكومة بأن التعويل على الهيئات الإعلامية لتطوير المنظومة وتطبيق ثقافة الإعلام المحترف سوف يقود إلى خسائر مضاعفة، ما لم يتم إسناد تلك المهمة – ولو بالنصيحة المستقلة – إلى جهة أخرى ليست لها مصالح مع أي طرف، حتى وجدت ضالتها في منبر الحوار الوطني بما يملكه من نخب فكرية وثقافية وقامات علمية ومتخصصين في مجالات مختلفة، يمكن أن يقدموا توصيات مناسبة قابلة للتنفيذ.

وتوحي الحكومة من خلال هذه الخطوة بأنها لن تبخل بأي جهد لتصحيح مسار منظومة الإعلام المصري، والذي بدا الرئيس عبدالفتاح السيسي غير راض عن مجمل ما وصل إليه، ووجه إليه انتقادات مؤخرا كي يحث القائمين عليه على المزيد من التطوير، وأعلن تحفظه على ما يقدم ويؤثر سلبا في الوعي الجماهيري والتماسك المجتمعي.

وبعد ذلك، هبت بعض الجهات بينها الحكومة، إلى مناقشة الأزمة بشكل مستقل، وحاولت أن تظهر أمام الرئيس السيسي أنها جادة في البحث عن حلول لتصويب الإعلام، ولم تجلس مع الهيئات والمؤسسات المعنية بالمنظومة على طاولة واحدة، ومعها خبراء المهنة، لوضع خطة قابلة للتطبيق.

وتدخلت الحكومة مستعينة بالحوار الوطني ليكون قرار التغيير والتطوير بالأمر المباشر، بحكم أن هناك تضاربا في المصالح بين بعض الجهات التي تدير المشهد وبين طبيعة الملكية لمؤسسات صحفية وإعلامية، وقد يكون من الصعب حدوث تطوير يُرضي كل الأطراف ما لم يتدخل طرف ثالث لرسم ملامح وشكل الإعلام المحترف، ويكون دور كل جهة تطبيق ذلك بشكل حرفي.

ويعتقد متابعون للمشهد الإعلامي في مصر أن المنظومة الإعلامية ليست بحاجة إلى خطط وتوصيات جديدة من هنا أو هناك ليحدث التطوير والتغيير المأمول الذي يُرضي السلطة والجمهور معا، بقدر ما هي في حاجة ملحة وعاجلة إلى الاعتماد على الكفاءات والخبرات التي تزخر بها المهنة، ودون ذلك سوف تظل هناك أزمات تكرس تهاوي صورة الإعلام واستمرار إدارته بشكل تقليدي.

ويعاني الإعلام في مصر من أزمة معقدة ترتبط بآلية انتقاء العناصر التي يمكنها صناعة التفوق ونقل المهنة إلى مستوى جيد بإمكانيات قليلة، وهي معضلة يرى خبراء إعلام أنها مرتبطة بعدم توافر إرادة حكومية جادة لتسليم الملف إلى متخصصين ووضع معايير صارمة لاختيار الوجوه الإعلامية، بدلا من بعض الشخصيات الحالية التي تفتقد الحد الأدنى من الفهم لأبسط القواعد والمعايير المهنية.

وقد يقدم الحوار الوطني للحكومة توصيات واقعية لا يختلف عليها أبناء المهنة، لكن العبرة في تنفيذها وعدم وضعها في الأدراج كما حدث مع توصيات أخرى عديدة في ملفات اجتماعية واقتصادية وسياسية، ما يقود إلى بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، وتصبح مصر بلا إعلام حقيقي وفعال ومؤثر في ذروة حاجة الدولة إلى منابر قوية لها جماهيرية أمام زيادة التحديات الداخلية والخارجية.

الإعلام المصري يعاني من أزمة معقدة ترتبط بآلية انتقاء العناصر التي يمكنها صناعة التفوق ونقل المهنة إلى مستوى جيد بإمكانيات قليلة

وما جعل الحكومة مضطرة هذه المرة إلى تنفيذ ما سيعرض عليها من توصيات في الحوار الوطني، أن نبرة غضب الرئيس السيسي من أداء الإعلام جاءت حادة، على عكس مرات سابقة تطرق فيها إلى المشكلة بشكل هادئ، ويبدو أنه ضاق ذرعا من تراجع المهنية والمصداقية والتأثير، مقابل شعبية منابر عربية أصبح المواطن المحلي يلجأ إليها للحصول على المعلومة، ولو كانت عن مصر.

وأكد عميد كلية الإعلام بجامعة المدينة في القاهرة حسن علي أن توصيات تطوير الإعلام المصري معروفة وسهلة، والمهم الإرادة الجادة وانتقاء كوادر قادرة على تطبيقها بشكل حرفي، ومصر تمتلك أدوات النجاح والتأثير الإعلامي محليا وإقليميا، إذا أُحسن اختيار العناصر الجيدة، لأن الكثير من المنابر العربية المؤثرة شارك في تأسيسها مصريون، وهناك كفاءات في كل المؤسسات يجب اختيارها وتصعيدها.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن أزمة الإعلام ليست في الموارد المالية، وكثرة عدد المنابر لا تصنع التعدد والتنوع وقوة التأثير، لأن إحداث الفارق مع مساحة قليلة من الحرية عملية سهلة، ومن الضروري إسناد الملف إلى أهل التخصص بعيدا عن أهل الثقة، لافتا إلى أن دوائر رسمية في مصر بدأت تقتنع بأن المشكلة الحقيقية للإعلام مرتبطة بآليات إدارته من دون التعاون مع المخضرمين والمحترفين في المهنة.

وبعيدا عن توافر إرادة للتطوير أم أن الأمر مجرد محاولة للإيحاء بذلك، من المهم أن يحدد الحوار الوطني بالضبط، من أين يجب أن تبدأ عملية التطوير، هل بوضع سياسة إعلامية ملزمة للجميع أم استعادة المصداقية، أم تغيير الوجوه التي تتصدر المشهد، أم فتح الباب أمام الحريات وتكريس استقلالية المؤسسات؟ وإذا أرادت الحكومة تطويرا جادا وسريعا عليها اتخاذ كل هذه الخطوات في توقيت واحد.

5