رهان عراقي على الاستثمارات الأميركية لتحقيق السيادة الكهربائية

شراكة مع فيرنوفا لإنتاج 24 غيغاواط واتفاقية أخرى مع رينيوبل لإنتاج 3 غيغاواط من الطاقة الشمسية.
الجمعة 2025/04/11
هذه البروتوكولات لا تهم العراقيين

تُمثل الاستثمارات الأميركية التي وقعت هذا الأسبوع بموجب اتفاقيات شراكة هي الأكبر مع العراق في قطاع الكهرباء نقطة تحول محورية، وفق الخبراء، نحو تحقيق البلد سيادته الكهربائية، والتي لطالما كانت مرتهنة للإمدادات الإيرانية على مدار سنوات طويلة.

بغداد - اعتبر المراقبون أن الاتفاقيات التي أبرمها العراق مع شركات أميركية للنهوض بإنتاجية قطاع الكهرباء تشكل خطوة مهمة من أجل بناء أسس قوية لمجال ظل يعاني من التآكل والخراب على مدار أكثر من عقدين بسبب كثرة الأزمات.

ووقّعت الحكومة العراقية الأربعاء مع شركة جينرال إلكتريك فيرنوفا للطاقة مذكرة تفاهم لإنتاج الكهرباء بما يناهز 24 غيغاواط خلال زيارة أكبر وفد تجاري أميركي إلى البلاد يضم 60 شركة تتبع غرفة التجارة في الولايات المتحدة.

كما أبرمت وزارة الكهرباء وشركة يو.جي.تي رينيوبل الأميركية مذكرة تفاهم لإنشاء مشروع متكامل للطاقة الشمسية بقدرة 3 غيغاواط، بالإضافة إلى إنشاء ما يصل إلى ألف كيلومتر من البنية التحتية الجديدة لنقل التيار المباشر عالي الجهد.

ورعى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مراسم توقيع مذكرة تفاهم بين وزير الكهرباء زياد علي فاضل وممثل عن فيرنوفا، والتي يقول المسؤولون والمحللون إنها بداية لإنهاء ارتهان العراق لجارته التي هيمنت على الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد منذ 2003.

فرهاد علاء الدين: لدى الحكومة خطط لتحقيق استقلالية الطاقة وتغطية الطلب
فرهاد علاء الدين: لدى الحكومة خطط لتحقيق استقلالية الطاقة وتغطية الطلب

وذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء أن هذه الاتفاقيات تأتي في سياق “خطة هي الأوسع والأحدث في تاريخ العراق.” وأشار إلى “إمكانية تأمين التمويل الخارجي من البنوك العالمية.”

ولم يتم الكشف عن حجم الاستثمارات، لكن السفارة الأميركية في بغداد ذكرت في منشور على منصة إكس بعد مراسم التوقيع أن الاتفاقات مع فيرنوفا ورينووبل تبلغ قيمتها “مليارات الدولارات”.

وتأتي الشراكات ترجمة لاتفاقيات وقعها العراق خلال زيارة أجراها السوداني إلى واشنطن في أبريل العام الماضي، شملت مذكرات تفاهم في مجال الطاقة والمحروقات إحداها مع جنرال إلكتريك “لصيانة وتحديث قطاع الكهرباء لمدة 5 سنوات.”

وبحسب أرقام رسمية، يتوجب على العراق إنتاج نحو 55 غيغاواط من الكهرباء سنويا ليحول دون انقطاع التيار، غير أن الإنتاج حاليا يصل إلى نحو 16 غيغاواط. وتسعى وزارة الكهرباء إلى أن يتجاوز الإنتاج 27 غيغاواط هذا الصيف.

وكان الإنتاج قد بلغ بنهاية العام 2021 حوالي 21.1 غيغاواط، ولكن سرعان ما تراجع مرة أخرى بسبب نقص الغاز المخصص لتشغيل المحطات. وإلى غاية سنة 2023 كانت حاجة العراق إلى الكهرباء قد بلغت نحو 35 غيغاواط.

وقال مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية فرهاد علاء الدين لوكالة فرانس برس الأربعاء إن الحكومة العراقية “وضعت خططا لتحقيق استقلالية الطاقة وتلبية احتياجات الشعب العراقي من الكهرباء المستقرة وغير المنقطعة.”

وأشار إلى أن مذكرة التفاهم التي وقعها العراق مع فيرنوفا تعكس “العلاقة المستدامة مع الشركات الأميركية التي يمكنها توفير الخبرات والخدمات التي يحتاج إليها العراق.” وأضاف أن “العراق أرض فرص للشركات الكبرى للعمل والاستثمار فيها.”

55

غيغاواط من الكهرباء حجم الاحتياجات السنوية الضرورية ليحول البلد دون انقطاع الإمدادات اليومية

ويستخدم العراق، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك بعد السعودية، واردات الطاقة الإيرانية لتوليد الكهرباء، ويتعرض لضغوط من الولايات المتحدة لتقليل اعتماده على واردات الطاقة والغاز من إيران.

ولذلك تسعى بغداد للحفاظ على توازن في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع حليفتها الإستراتيجية واشنطن، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في العام 2024 نحو 9.1 مليار دولار، بحسب مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة.

ونقص الكهرباء في البلاد مشكلة كبيرة تعاظمت جراء الحروب على مدار العقود الأربعة الماضية، وأيضا الفساد الإداري والمالي والتخريب المنجر عن سيطرة تنظيم داعش على أجزاء من البلاد في منتصف العقد الماضي.

وتُعد انقطاعات التيار الكهربائي أمرا شائعا في البلاد بسبب نقص الإنتاج السنوي، لاسيما في أشهر الصيف الحارقة. ويضطر العديد من العراقيين إلى الاعتماد على مولدات الديزل أو تحمل درجات حرارة تتجاوز 50 درجة مئوية.

وتضطر وزارة الكهرباء في الكثير من الأحيان إلى العمل وفق نظام القطع المبرمج لتجهيز الأهالي بالطاقة الكهربائية لعدة ساعات يوميا فيما يلجأ البعض إلى شراء الإمدادات من محطات خاصة لسد النقص في التجهيزات.

وقبل ثلاث سنوات اعتمدت الحكومة خطة تشمل أنواع مصادر الطاقة ومصادر تمويل وزيادة الطاقة وتصريفها عبر قطاع النقل والتوزيع والوصول إلى إنتاج 44 ألف ميغاواط إضافية بحلول العام 2025.

وكشف تحقيق برلماني قبل سنوات أن الحكومات المتعاقبة بين 2005 و2019 صرفت على قطاع الكهرباء 80 مليار دولار، من دون أن تلامس ولو من بعيد الحاجة الاستهلاكية للبلاد.

ولم تشهد شبكة إنتاج ونقل الكهرباء قبل أكثر من عقدين أي تطوّر ملموس، ما اضطرّ حكومات بغداد إلى الاستيراد من الخارج وتحديدا من إيران، رغم أن العراق يهدر كميّات ضخمة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط بحرقه بدل معالجته.

وتعهدت السلطات مؤخرا ببلوغ مستوى إيقاف حرق الغاز المصاحب 80 في المئة مع نهاية 2025، على أن يتوقف بشكل كامل بحلول نهاية 2027.

والعراق ثالث أكثر دولة تحرق الغاز المصاحب عالميا بعد روسيا وإيران، وقد بلغ مجمل الغاز الذي أحرقه عام 2023 نحو 18 مليار متر مكعب، بحسب بيانات للبنك الدولي.

وبدأت واشنطن تقوم بدور أكبر لتشجيع بغداد على البحث عن بدائل للكهرباء الإيرانية، في مؤشّر على أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنوي في الفترة المتبقية لها في الحكم إجبار العراق بشكل حاسم على الالتزام بتطبيق العقوبات على إيران.

وبعدما كانت تعتمد محطات إنتاج الطاقة العراقية بشكل كبير على الغاز الإيراني في تأمين ثلث حاجات البلاد من الطاقة، لم تمدّد إدارة دونالد ترامب في مارس الماضي الإعفاء الممنوح للعراق منذ 2018 لشراء الكهرباء من طهران رغم العقوبات الأميركية على إيران.

وعلى المدى القصير قد تؤثر الخطوة على إمدادات الطاقة في العراق، حيث أن الكهرباء الإيرانية لا تشكل سوى 4 في المئة فقط من إجمالي الإنتاج المحلي، وسيكون لإلغاء إعفاء الغاز تأثيرٌ أكبر، إذ يُشكّل أكثر من 40 في المئة من إجمالي الإمدادات.

ولكن مسؤولا عراقيا قال لوكالة أسوشيتد برس، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن بلده قد يخسر نحو 8 غيغاواط تولدها المحطات المحلية التي تعمل بالغاز الإيراني، و500 ميغاواط أخرى من الكهرباء التي تزودها إيران مباشرة.

ومع ذلك، تؤكد بغداد سعيها إلى إيجاد بدائل عن وارداتها من الغاز الإيراني قبل الصيف الذي تنقطع فيه الكهرباء يوميا في بلد يقيم فيه أكثر من 46 مليون شخص ويعاني تداعيات عقود من النزاعات أدّت إلى تهالك بنيته التحتية.

وتأمل الولايات المتحدة عبر رفع كلفة الطاقة الإيرانية، في تحفيز بغداد على تنويع مصادر الطاقة وتقليل اعتمادها على طهران، وهو هدفٌ أجّلته الحكومة العراقية طويلاً رغم إدراكها لضرورته.

10