تركيا وإسرائيل تتحاوران فنيا لتفادي الصدام في سوريا

وزير الخارجية التركي يؤكد أن المحادثات على المستوى الفني لا تهدف لتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية.
الخميس 2025/04/10
حوار فني وسط تباين استراتيجي وتوتر ثنائي

إسطنبول - أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الأربعاء عن أن بلاده تجري محادثات على المستوى الفني مع إسرائيل لخفض التوترات بشأن سوريا، لكنها لا تتحرك نحو تطبيع العلاقات.

وقال فيدان لقناة "سي ان ان تورك" التلفزيونية "الآن، بينما نقوم بعمليات معينة في سوريا، يتعين أن يكون هناك آلية تفادي صدام في مرحلة معينة مع إسرائيل التي تحلق طائراتها في تلك المنطقة، تماما كما نفعل مع الأميركيين والروس".

وأضاف "طبعا، أنه أمر طبيعي أن يكون هناك اتصالات على المستوى الفني لتأسيس ذلك".

إلى ذلك،  أفادت مصادر وزارية تركية اليوم الخميس بأن تركيا وإسرائيل عقدتا أول اجتماع فني لهما في أذربيجان الأربعاء لمناقشة وضع آلية لتفادي التضارب تهدف إلى منع الوقائع غير المرغوب فيها في سوريا.

وأضافت المصادر أن المحادثات تمثل بداية جهود لإنشاء قناة اتصال لتجنب أي صدامات أو سوء فهم محتمل لعمليات البلدين في المنطقة.

وقال أحد المصادر "ستستمر الجهود لوضع هذه الآلية" دون تقديم مزيد من التفاصيل بشأن نطاق المحادثات أو جدولها الزمني.

وتأتي هذه التصريحات في ظل وضع إقليمي بالغ التعقيد، حيث تعتبر تركيا من أبرز الداعمين لتحالف الفصائل الإسلامية التي تمكنت في ديسمبر الماضي من إنهاء حكم الرئيس السوري بشار الأسد بعد نحو 14 عاما من الحرب الأهلية.

وقد أثار هذا النفوذ التركي المتزايد في سوريا قلقا عميقا لدى إسرائيل، التي ردت بتنفيذ سلسلة من الغارات الجوية والتوغلات البرية بهدف إبعاد القوات الموالية لسوريا عن حدودها الشمالية.

وقد شهد الأسبوع الماضي تصعيدا ملحوظا في حدة الضربات الجوية الإسرائيلية على أهداف داخل سوريا، وهو ما اعتبرته تل أبيب بمثابة رسالة تحذيرية للحكومة السورية الجديدة في دمشق. وفي المقابل، اتهمت أنقرة إسرائيل بمحاولة تحويل سوريا إلى "محمية تركية".

وكانت وكالة رويترز قد أفادت في تقرير لها الأسبوع الماضي بأن فرقا عسكرية تركية قامت بمعاينة ما لا يقل عن ثلاث قواعد جوية داخل الأراضي السورية بهدف نشر قوات تركية فيها، وذلك في إطار اتفاق دفاع مشترك مزمع قبل أن تستهدف إسرائيل هذه المواقع بغارات جوية.

من جهته، صرح الجيش الإسرائيلي بأن الهدف الرئيسي من هذه الغارات هو توجيه "رسالة تحذيرية" إلى تركيا، وذلك عقب ورود تقارير عن نيتها إقامة قاعدة عسكرية في ريف حمص.

كما ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن إسرائيل قصفت بشكل مكثف مطاري حماة و "تي فور"، بهدف إيصال رسالة واضحة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفادها "لا تجرؤ على إقامة وجود عسكري على الأراضي السورية".

ونجحت تركيا، بعد فترة طويلة من الدعم، في بسط نفوذها على سوريا من خلال فصائل إسلامية موالية لها، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، التي تمكنت في الثامن من ديسمبر الماضي من الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد في أعقاب هجوم مفاجئ.

وقد شكل سقوط الأسد المدوي ولجوئه إلى روسيا بداية لمرحلة جديدة تتميز بسيطرة تركية شبه مطلقة على سوريا، وهو الأمر الذي يثير قلقا بالغا لدى إسرائيل، التي كثفت منذ ذلك الحين غاراتها الجوية وتوغلاتها البرية في جنوب سوريا، بالتوازي مع تفعيل دبلوماسيتها الناعمة لكسب ود الأقليتين الدرزية والكردية.

واستبعد فيدان أن يكون هناك تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، خاصة بعد أن تصاعد التوتر بين البلدين على خلفية الحرب التي شنتها إسرائيل على حماس في غزة.

وكانت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، قد انتقدت إسرائيل بشدة بسبب هجماتها على غزة منذ عام 2023، واصفة إياها بأنها ترقى إلى مستوى "الإبادة الجماعية" ضد الفلسطينيين.

وقد تقدمت أنقرة بطلب للانضمام إلى القضية المرفوعة ضد إسرائيل أمام المحكمة الدولية، كما أوقفت تجارتها معها. وتنفي إسرائيل بشدة اتهامات الإبادة الجماعية.

وأوقفت تركيا بالفعل تعاملاتها التجارية مع إسرائيل، كما اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بممارسة "إرهاب الدولة" و "الإبادة الجماعية" في غزة، وذلك منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.

وقال فيدان الأسبوع الماضي لرويترز إن تركيا لا تريد أي مواجهة مع إسرائيل في سوريا، لكن الضربات الإسرائيلية المتكررة على المنشآت العسكرية هناك تقوض قدرة الحكومة الجديدة على ردع تهديدات أعداء من بينهم تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي سياق متصل، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد عرض الاثنين الماضي التوسط بين إسرائيل وتركيا خلال اجتماعه مع حليفه بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، مشيرًا إلى "علاقاته الرائعة" مع الرئيس أردوغان.

وتعكس هذه التطورات الدقيقة حالة من التوازن الحرج في العلاقات بين تركيا وإسرائيل، حيث يسود حذر شديد مصحوب بضرورة التواصل لتجنب الانزلاق إلى صراع مباشر في الساحة السورية المعقدة. فبينما تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها الإقليمي وترسيخ مكاسبها في سوريا، تنظر إسرائيل بعين الريبة والقلق إلى هذا التمدد، وتعتبره تهديدا مباشرا لأمنها القومي.

وتُعد المحادثات الفنية المعلن عنها خطوة أولية ضرورية لإنشاء آليات لتجنب الاشتباكات العسكرية غير المقصودة في الأجواء السورية المكتظة بالفاعلين العسكريين. ومع ذلك، من الواضح أن هذه المحادثات لا تعبر عن أي تغيير جوهري في الموقف التركي الرافض لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، والذي يظل مرتبطا بشكل وثيق بالملف الفلسطيني وتداعيات الحرب في غزة.

يبقى السؤال المحوري حول مدى فعالية هذه الآلية الفنية في احتواء التوترات المتصاعدة على المدى الطويل، خاصة في ظل التباين العميق في الأهداف والمصالح الاستراتيجية لكلا البلدين في المنطقة. كما أن عرض الوساطة الأميركية يمثل نافذة محتملة لتهدئة الأوضاع وإيجاد حلول دبلوماسية، إلا أن نجاح هذه المساعي يعتمد بشكل كبير على استعداد الطرفين لتقديم تنازلات متبادلة والانخراط في حوار بناء.

ويرى محللون أن الموقف الأميركي، خاصة في ظل العلاقات الجيدة التي تربط الرئيس ترامب بالطرفين، قد يشكل عامل ضغط إضافي على رئيس الوزراء الإسرائيلي لإعادة تقييم سياسته تجاه سوريا، بما في ذلك إمكانية التعايش مع الأمر الواقع المتمثل في النفوذ التركي المتزايد، وفتح المجال أمام وساطة أميركية تهدف إلى التوصل إلى حلول وسطى تضمن عدم تعرض إسرائيل لأي تهديدات أمنية من هذه الجبهة.