المحكمة العليا تحسم مؤقتا لصالح رئيس الشاباك في مواجهة نتنياهو

القدس - أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، الثلاثاء، أمرا قضائيا مؤقتا يمنع الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو من إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، رونين بار، في تطور قضائي وسياسي لافت يعكس تصاعد الصراع بين السلطة القضائية والتنفيذية في البلاد.
وقررت أعلى هيئة قضائية في إسرائيل إبقاء بار في منصبه ومنع تقييد صلاحياته لحين البت النهائي في القضية، كما منعت الحكومة مؤقتا من تعيين خلف له، مع السماح لها بمراجعة مرشحين محتملين كبدائل.
وأمهلت المحكمة الحكومة ومستشارتها القضائية غالي بهاراف ميارا حتى نهاية عيد الفصح اليهودي في 19 أبريل الجاري للتوصل إلى حل توافقي بشأن إقالة بار، مهددة باتخاذ قرار نهائي في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
في أول رد فعل له، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء الثلاثاء قرار المحكمة العليا بإبقاء رئيس الشاباك في منصبه بأنه "محيّر"، فيما دعا وزير الاتصالات شلومو كرعي بشكل صريح إلى رفض تنفيذ القرار القضائي.
وانتقد نتنياهو قرار المحكمة قائلا "أكد قضاة المحكمة مرات عدة خلال الجلسة أن سلطة الحكومة في إقالة رئيس الشاباك من منصبه لا جدال فيها. لذلك فإن قرار المحكمة العليا بتأجيل انتهاء ولايته لمدة عشرة أيام يعد أمراً محيراً".
وركز نتنياهو في انتقاده على الجوانب الإجرائية، مشيراً إلى أن معظم تعليقات القضاة انصبت على ادعاء المستشارة القضائية للحكومة بضرورة السماح لرئيس الشاباك بعقد جلسة استماع أمام لجنة غرونيس الاستشارية قبل إقالته. وتساءل عن سبب عدم إثارة المستشارة القضائية لهذا الأمر قبل تسعة أشهر عندما طلب وزير الأمن القومي نقل مفوض الشرطة قبل نهاية ولايته.
واتهم نتنياهو المستشارة القضائية بالسعي "لمنع إقالة رونين بار بأي طريقة ممكنة بحجة وجود تحقيق نشط يجريه الشاباك"، معتبراً أنه "من غير المعقول أن تُمنع الحكومة من إقالة رئيس فاشل لجهاز الشاباك لمجرد أنه فتح تحقيقاً لا علاقة له بأي من الوزراء". وأكد عزمه على مواصلة إجراء المقابلات مع المرشحين لمنصب رئيس الشاباك.
ويأتي قرار إقالة بار في ظل تحقيق يجريه "الشاباك" في قضية "قطر غيت" التي تتهم مساعدين لنتنياهو بتلقي أموال من شركة علاقات عامة أمريكية مرتبطة بعقد مع الحكومة القطرية بهدف الترويج لمصالح قطرية داخل مكتب رئيس الوزراء. وقد نفت قطر هذه الادعاءات، فيما وصفها نتنياهو بأنها ملاحقة سياسية لإسقاط حكومته ومنع عزل رئيس الشاباك.
وأثار قرار المحكمة العليا ردود فعل غاضبة من قبل بعض الوزراء في حكومة نتنياهو. فقد دعا وزير الاتصالات شلومو كرعي إلى رفض القرار، واصفاً إياه بأنه "غير قانوني ولا يتمتع بأي سلطة ولا يجب الامتثال له".
كما انتقد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ما وصفه بـ "التآكل المستمر لصلاحيات نظام ديمقراطي منتخب من قبل هيئة غير منتخبة"، مؤكداً أنه "لا يوجد خيار سوى العودة إلى الإصلاح القضائي قريباً"، في إشارة إلى المقترحات التشريعية المثيرة للجدل التي تهدف إلى تغيير نظام القضاء في إسرائيل.
وتواجه المحكمة العليا ثلاثة خيارات رئيسية في قرارها النهائي: رفض التماسات المعارضة والسماح بإقالة بار، أو الموافقة عليها ومنع إقالته بشكل دائم، أو السعي إلى تسوية تتفق فيها الأطراف على جدول زمني لرحيل بار.
وتقول المعارضة إن قرار نتنياهو إقالة بار، الذي أرجعه إلى "انعدام الثقة"، يأتي في سياق محاولته إبعاد مسؤولين لا يدينون له بالولاء الشخصي. وكانت الحكومة قد وافقت بالإجماع على إقالة بار في مارس الماضي، وهو أول قرار من نوعه في تاريخ إسرائيل، ما أثار احتجاجات واسعة.
وتتصاعد التوترات بين نتنياهو وبار منذ عدة أشهر، خاصة بعد أن شمل تحقيق داخلي أجراه الشاباك بشأن الإخفاقات التي سبقت هجوم "طوفان الأقصى" انتقادات لأداء نتنياهو قبل الهجوم.
وقد دعا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش نتنياهو إلى "مقاطعة" بار وعدم التعاون معه، مؤكداً رفضه لأي تسوية مع المستشارة القضائية. كما اعتبر وزير الأمن القومي بن غفير قرار المحكمة "تقويضاً مستمراً لسلطة حكومة منتخبة".
في المقابل، هاجم زعيم المعارضة يائير لابيد موقف الحكومة الذي حمل بار مسؤولية أحداث 7 أكتوبر، معتبرا ذلك "اعترافا ضمنيا بأن عليهم هم أيضا التنحي". كما انتقد بيني غانتس قرار مقاطعة رئيس الشاباك، واصفاً إياه بأنه "لعب بأرواح البشر".
ويمثل قرار المحكمة العليا الإسرائيلية منع إقالة رئيس الشاباك مؤقتا تصعيدا خطيرا في الصراع بين السلطتين القضائية والتنفيذية في إسرائيل. ويكشف عن عمق الخلافات حول سلطة الحكومة في تعيين وعزل كبار المسؤولين، خاصة في ظل التحقيقات الجارية وتأثيرات الحرب في غزة.
ويبقى مصير رونين بار معلقاً بقرار المحكمة النهائي أو التوصل إلى تسوية خلال المهلة المحددة، في ظل أجواء سياسية وقضائية مشحونة واحتمالية عودة ملف "الإصلاح القضائي" إلى الواجهة.