هتافات مسيئة للجيش تصدم الأوساط الرسمية والسياسية في الأردن

يثير التحول الخطير في خطاب المشاركين في فعاليات دعم غزة قلق الأوساط الرسمية والسياسية في الأردن، ما يستوجب التوقف عنده، في ظل وجدود الكثير من المتربصين.
عمان - صدمت هتافات صدح بها مشاركون في فعاليات شعبية نظمتها جماعة الإخوان المسلمين بالأردن، دعما لقطاع غزة، الأوساط الرسمية والسياسية داخل المملكة لما تضمنته من جرأة غير معهودة وتجاوز لخطوط حمراء، من ذلك المس بهيبة الجيش الأردني.
وتنظر تلك الأوساط إلى ما جد على أنه تماد خطير على المؤسسات السيادية للدولة وعلى الجيش، وأن ما حصل ليس بريئا، وتقف خلفه أطراف “متآمرة” سبق أن حذر منها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
وطالب متظاهرون، خلال تجمع كبير نظم الأسبوع الماضي وسط العاصمة عمان، الجيش بالانخراط في حرب ضد إسرائيل، وعدم الاكتفاء بمراقبة ما يجري في غزة، وعلا صوت بعضهم بهتافات لم تخل من إساءة من قبيل “واحد اثنين الجيش العربي وين .. نايم.”
ومنذ اندلاع الحرب في غزة، في أكتوبر 2023، دأبت جماعة الإخوان على قيادة تظاهرات داعمة للقطاع الفلسطيني وحركة حماس. وقد شهدت بعض تلك التظاهرات احتكاكات بين الأجهزة الأمنية والمتظاهرين، لكنها في العموم كانت سلمية، وتجنب المشاركون رفع شعارات أو هتافات مستفزة للدولة ورموزها.
لكن في الفترة الأخيرة وباستئناف إسرائيل حربها على غزة، سُجل تحول في خطاب ومواقف المتظاهرين الذين لم يعودوا يوجهون غضبهم إلى إسرائيل أو حليفتها الولايات المتحدة فقط، بل صاروا يوجهونه أيضا إلى التعاطي الأردني الرسمي، الذي يعتبرونه دون المطلوب، ليصل الأمر إلى حد التشكيك في الجيش والأجهزة الأمنية.
محاولات جماعة الإخوان استغلال الحرب على غزة لأغراض ضيقة باتت مصدر انزعاج شديد من قبل الدوائر الرسمية
ويرى متابعون أن ما يجري انزلاق خطير يحرج الدولة ومؤسساتها السيادية، وسط مخاوف من أن تتحول التحركات المتضامنة مع الفلسطينيين إلى احتجاجات سياسية كما حصل في العام 2011، في ظل كثرة المتربصين والراغبين في تصفية حساباتهم مع السلطة السياسية.
وبحسب الأنباء الواردة اعتقلت السلطات الأردنية متظاهرين اثنين، وسط تكهنات بأن اعتقالات أخرى قد تشمل نشطاء آخرين.
وتوالت ردود الفعل المنددة بالإساءة للجيش الأردني، وأعربت فعاليات شعبية في المحافظات عن استنكارها ورفضها الشديد للهتافات التي صدرت مؤخرا خلال بعض المسيرات، مؤكدة أن هذه المؤسسات الوطنية تمثل الركن الأساس في استقرار البلاد وأمنها.
وشددت الفعاليات على أن عناصر الجيش والأجهزة الأمنية هم درع الوطن وسياجه وبفضل تضحياتهم وجهودهم يعيش الأردنيون في أمن واستقرار وسط محيط مضطرب، وأن أي مساس بهذه المؤسسات مرفوض ومدان ويعد تعديا على كرامة الأردنيين جميعا.
وقالت إن “ما شهدناه من هتافات مسيئة تطاولت على هذه المؤسسة العريقة، لا يمكن وصفه إلا بأنه انزلاق خطير وخطيئة وطنية، لا تصب إلا في مصلحة أعداء الداخل والخارج، الذين لا يريدون للأردن استقراراً ولا لشعبه وحدة. فالإساءة إلى الجيش ليست فقط تعدياً على مؤسسة وطنية، بل هي طعنة في خاصرة الوطن، ومحاولة مكشوفة لضرب هيبته ومناعته من الداخل.”
بدورها عبرت الكثير من الأحزاب الأردنية والكتل النيابية عن استنكارها الشديد لما وصفته بالتصرفات غير المسؤولة، مؤكدة دعمها للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
وحذر النائب خميس عطية، رئيس كتلة “إرادة والوطني الإسلامي”، من “محاولات التأجيج والتشكيك في دور الجيش العربي الأردني والأجهزة الأمنية،” مؤكدا أن ما يجري من شحن وتأليب في الشارع الأردني “تحركه أيادٍ خبيثة ليست أردنية، تسعى لتحويل الأردن إلى ساحة صراع وفراغ.”
الدولة تملك الكثير من الأوراق لتصويب الوضع مع الجماعة، من ذلك ورقة وجودها القانوني
وأعرب حزب العمل عن “رفضه القاطع واستنكاره الشديد للشعارات والتصريحات التي صدرت عن البعض، والتي تنطوي على إساءة مرفوضة للقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، ورمزيته الوطنية الراسخة.” ويرى الحزب في هذه التجاوزات خروجًا خطيرًا عن الثوابت الوطنية.
وأكد حزب العمل في بيان أن حماية أمن الوطن وصون مؤسساته، وفي مقدمتها الجيش والأجهزة الأمنية، مسؤولية وطنية جامعة لا تقبل المساومة، ولا ينبغي الزج بها في سياقات مغرضة أو أجندات مشبوهة تفتقر إلى أبسط مقومات الوعي والمسؤولية. فالقوات المسلحة الأردنية ستبقى الركيزة الصلبة لاستقرار الدولة، والسند الحقيقي لكرامة المواطن الأردني وهيبة الأردن.
وانضم الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن إلى الأصوات المنددة، معتبرا أن ما حصل يعد خروجا عن قيم الدولة ودعوة لإثارة الفتنة والتشكيك في مواقف الأردن الثابتة تجاه القضية الفلسطينية ودعم الأشقاء في قطاع غزة.
وفي مقابل ردود الفعل الواسعة المنددة بالهتافات المسيئة للجيش التزمت جماعة الإخوان وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي الصمت، ولم يصدر منهما أي تعليق على ما حصل.
ويرى متابعون أن جماعة الإخوان، وفي سياق مساعيها لكسب ود الشارع، تجازف بقطع كل الجسور مع السلطة السياسية، وأن محاولاتها استغلال الحرب على غزة لأغراض ضيقة باتت مصدر انزعاج شديد من قبل الدوائر الرسمية.
واتسمت علاقة الإخوان والسلطة بعدم الاستقرار منذ اندلاع ما سمي بالربيع العربي، حينما قررت الجماعة ركوب الأحداث وقيادة تظاهرات تطالب بالتغيير.
ويقول المتابعون إن الدولة تعاملت مع جماعة الإخوان إلى حد الآن بمرونة شديدة، في سياق حرصها على الوحدة الوطنية في ظل التحديات المحيطة، لكن الجماعة باتت تنظر للأمر على أنه ضعف، وهو سوء تقدير قد تدفع ثمنه غاليا.
ويلفت المتابعون إلى أن الدولة تملك الكثير من الأوراق لتصويب الوضع مع الجماعة، من ذلك ورقة وجودها القانوني حيث صدر أمر قضائي بحلها، ولم يتم تفعيله حتى الآن بقرار سياسي.