ثلاث أوراق ملتهبة.. كيف يحرق الشرع إسرائيل بنيران أعدائها

في منطقة حيث الخطوط الحمراء يعاد رسمها بالدم فليس هناك مجال لنصف خطوة أو تردد.. إما أن تكون لاعبا يصنع قواعده أو تكون رقعة شطرنج يلعب بها الآخرون.
الثلاثاء 2025/04/08
ليس مجرد قائد صعد من صفوف التنظيمات

في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام الأسد وصعود نظام جديد بقيادة أحمد الشرع، تتجلى معضلة التوسع الإسرائيلي كأحد أكبر التحديات التي تواجه دمشق. إسرائيل، التي لم تكتفِ بالجولان المحتل، باتت تمد نفوذها إلى بلدات درعا، مستغلة الفراغ الأمني والضعف الدولي في ردعها. في هذا المشهد يبرز التساؤل حول الأدوات المتاحة للشرع لمواجهة هذا التوسع دون الانجرار إلى مواجهة عسكرية مباشرة لا طائل منها، خاصة في ظل غياب حلفاء أقوياء يمكنهم توفير الغطاء السياسي والعسكري لدمشق.

الورقة الأولى: توجيه الجماعات المتطرفة ضد إسرائيل، وتتضمن استغلال الخلايا النائمة لتنظيم داعش في سوريا، التي لا تزال تحتفظ ببنية أيديولوجية رغم تراجع التنظيم. النظام السوري، بالتعاون مع الاستخبارات التركية، يمتلك القدرة على التواصل مع هذه الخلايا بشكل غير مباشر، ويستطيع إقناعها بتوجيه طاقاتها ضد إسرائيل عبر تذكيرهم بالعدو المشترك. هذه الإستراتيجية تهدف إلى استنزاف إسرائيل من خلال هجمات غير مباشرة، مع تجنب أيّ تورط علني للنظام السوري أو تركيا.

إقناع هذه الخلايا يمكن أن يتم من خلال إشعار عناصرها بأن الوضع الإقليمي يشهد حالة غليان، وأنها قد تكون البطلة في صراع جديد ضد إسرائيل، ما يمنحها دافعا جديدا للمشاركة. كما أن هذا سيتيح للنظام السوري التخلص من هذه الخلايا بشكل غير مباشر، وبالتالي القضاء على تهديداتها الأمنية المستمرة.

◄ التوازن بين المكاسب والمخاطر ليس مجرد خيار، بل معادلة وجودية قد تحدد مصير النظام الجديد. فالفشل في ضبط إيقاع التحركات قد يحوّل هذه الأوراق من أدوات قوة إلى شِراك قاتلة

ورغم الفوائد المحتملة يظل هناك خطر كبير من اكتشاف المخطط، ما قد يؤدي إلى انهيار النظام السوري، واستغلال إسرائيل الفرصة لاحتلال الجنوب السوري، وهو ما يعقد الوضع الإقليمي بشكل كبير. لكن نجاح الخطة سيساهم في تعزيز شرعية النظام السوري على الساحة الدولية، ويعطيه فرصة لتفعيل ورقتين: استنزاف إسرائيل والقضاء على الخلايا الداعشية.

الورقة الثانية: تتمثل في إعادة إحياء الدور الفلسطيني داخل سوريا بشكل لحظي، من خلال دعم خلايا فلسطينية نائمة أو تنظيمات سرية لتوجيه عمليات محدودة ضد إسرائيل، دون أن تظهر الدولة السورية كراعٍ مباشر لها. وسيتم التنسيق عبر قنوات استخباراتية سرية وبالتعاون مع تركيا. فهذه الإستراتيجية توفر فرصة لفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل، ما يضعها أمام تهديد غير تقليدي. ورغم المخاطر من كشف هذه العمليات أو تصعيدها، فإن النجاح فيها سيعزز مكانة دمشق ويضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي.

الورقة الثالثة: استخدام الخلايا النائمة الإيرانية في سوريا كأداة ضغط على إسرائيل. ورغم التعقيد في إقناع إيران، يمكن تركيز الإستراتيجية على الفصائل الإيرانية الأقل ولاء، التي قد ترى في هذه الخطة فرصة لإظهار قوتها دون الإضرار بمصالح إيران الكبرى. فالنظام السوري الجديد، بالتنسيق مع تركيا، يهدف إلى توجيه بعض هذه العناصر لتنفيذ هجمات محدودة ضد القوات الإسرائيلية المتقدمة.

إقناع هذه التنظيمات يتم من خلال تقديم الهجمات على إسرائيل كفرصة لتعزيز دورها في الصراع الإقليمي دون مواجهة رد فعل مباشر من إيران. كما يُمكن استغلال الخلافات داخل هذه الفصائل الإيرانية وتوجيه عناصرها لاستهداف نقاط إستراتيجية إسرائيلية، مثل الإمدادات أو التحركات اللوجستية. ويتم التنسيق الاستخباراتي بين سوريا وتركيا لتوجيه العمليات بدقة دون ظهور النظام السوري كطرف مباشر، ما يحفظ ماء وجه إيران ويقلل من احتمال تصعيد النزاع.

◄ أحمد الشرع ليس مجرد قائد صعد من صفوف التنظيمات، بل هو رجل فهم بنيتها الداخلية وتحركاتها وصراعاتها، ما جعله الأقدر على إدارة الأوراق الثلاث بفاعلية

هذه الإستراتيجية تحمل مخاطر، حيث أن إيران قد تكتشف المخطط وتزيد من نفوذها أو تستهدف القيادات السورية، لكن في الوقت ذاته توفر فرصة لسوريا وتركيا للضغط على إسرائيل بطريقة غير مباشرة وتقليص النفوذ الإيراني دون تصعيد عسكري واسع.

هذه الأوراق الثلاث، رغم خطورتها، ليست سوى أدوات يتم تحريكها في الخفاء لضمان تحقيق مكاسب إستراتيجية دون إغراق سوريا في دوامة جديدة من الصراعات. ولكن لكي تؤتي ثمارها، يجب أن تكون مرفقة بتحركات ذكية. هنا يأتي دور الشرع في توظيف هذه الأوراق ضمن إستراتيجية تشمل:

روسيا: حيث يُعد دعم موسكو ضروريا لموازنة النفوذ الغربي المتزايد في المنطقة، خاصة مع التهديدات التي تمثلها إسرائيل. فإذا شعرت روسيا بأن مصالحها في سوريا، خصوصا في اللاذقية حيث القاعدة العسكرية الروسية، أصبحت مهددة، فإن تعزيز دعمها لدمشق يصبح أمرا لا مفر منه. فالضغط الإسرائيلي يمكن أن يُستخدم كأداة لاستقطاب التأييد الروسي، ما يعيد العلاقة بين موسكو ودمشق دون تعريضها لمخاطر التصادم المباشر. والحفاظ على هذا الدعم يتطلب تحركات دقيقة تضمن بقاء المصالح الروسية في مأمن، وتمنع أي ارتداد سلبي على النظام السوري.

الاتحاد الأوروبي: الذي يواجه ضغوطا اقتصادية متزايدة بسبب السياسات الأميركية في عهد دونالد ترامب، وهو ما يفتح الباب أمام دمشق لاستغلال هذه الأزمة. فتقديم امتيازات اقتصادية داخل سوريا قد يغري الأوروبيين للابتعاد تدريجيا عن الهيمنة الأميركية، ما يمنح دمشق مساحة أوسع للتحرك على الساحة الدولية. ولضمان تحقيق هذا الهدف لا بد من ربط هذه المصالح بمكاسب حقيقية داخل سوريا، تجعل الانفصال الأوروبي عن السياسات الأميركية أمرا تدريجيا لكنه حتمي.

قطر وتركيا: تمثلان محورا إقليميا حيويا يمكن للنظام السوري الاستفادة منه بشكل كبير. قطر تقدم دعما ماليا وإعلاميا يعزز الرواية السورية، ما يساعد في تخفيف الضغوط الخارجية. أما تركيا فهي شريك أساسي للنظام السوري، حيث يشكل التنسيق بين دمشق وأنقرة خطوة محورية نحو تعزيز الاستقرار الإقليمي وتحقيق المصالح المشتركة. فهذه الشراكة توفر لتركيا فرصة كبيرة لتعزيز نفوذها في سوريا والمنطقة، مؤكدة دورها كقوة إقليمية فاعلة. ومن خلال هذا التعاون تساهم تركيا في إعادة ترتيب المشهد الإقليمي بما يتماشى مع تطلعاتها، ما يجعل من الصعب على إسرائيل تقليص هذا الدور.

◄ في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام الأسد وصعود نظام جديد بقيادة أحمد الشرع، تتجلى معضلة التوسع الإسرائيلي كأحد أكبر التحديات التي تواجه دمشق

الولايات المتحدة: تظل الطرف الأصعب في المعادلة، إذ لا يمكن تغيير موقفها بسهولة إلا إذا رصدت استخباراتيا إشارات واضحة إلى أن الأوضاع تتجه نحو الاشتعال. فالإرهاق الناتج عن ملف داعش والميليشيات الأخرى قد يدفع واشنطن إلى إعادة النظر في إستراتيجياتها، خاصة إذا بات من الواضح أن المعركة لا حدود لها، وأن تجاهل التغيرات على الأرض قد يفرض عليها كلفة عسكرية وسياسية باهظة.

أحمد الشرع ليس مجرد قائد صعد من صفوف التنظيمات، بل هو رجل فهم بنيتها الداخلية وتحركاتها وصراعاتها، ما جعله الأقدر على إدارة الأوراق الثلاث بفاعلية. من انضمامه للقاعدة في العراق إلى تأسيسه لجبهة النصرة، ثم قطعه مع القاعدة وتشكيله تحرير الشام، تنقل بين الأيديولوجيات والتنظيمات، ما أكسبه خبرة في اختراقها وتوجيهها دون أن يبدو فاعلا مباشرا. فقد خاض مواجهات مع داعش، واكتسب معرفة ببنيته ونقاط ضعفه، وتعامل مع الاستخبارات الدولية، فتعلم كيف تدار الصفقات في الظل. فهذه الخبرات تمنحه قدرة فريدة على تحريك الجماعات ضد إسرائيل دون انكشاف دور الدولة السورية، وإعادة تفعيل الفصائل الفلسطينية داخل سوريا دون السماح بارتباطها بالخارج، واستغلال الخلايا الإيرانية دون تمكين طهران. إنه رجل يفهم قواعد اللعبة السرية، ويجيد تحريك الأدوات دون أن تظهر يده.

إذا نجحت هذه الإستراتيجية دون عواقب كارثية فقد يجد النظام السوري الجديد نفسه في موقع أقوى، لا يقتصر على ردع إسرائيل، بل يمتد إلى انفراج اقتصادي يخفف الضغوط الداخلية ويمنح دمشق نفوذا تفاوضيا أكبر. لكن هل يمكن لسوريا أن تحرك هذه الأوراق دون أن تحترق بنيرانها؟

إن التوازن بين المكاسب والمخاطر ليس مجرد خيار، بل معادلة وجودية قد تحدد مصير النظام الجديد. فالفشل في ضبط إيقاع التحركات قد يحوّل هذه الأوراق من أدوات قوة إلى شِراك قاتلة، تُسرّع الانهيار بدلا من تثبيت الأقدام. وفي منطقة حيث الخطوط الحمراء يُعاد رسمها بالدم، ليس هناك مجال لنصف خطوة أو تردد؛ إما أن تكون لاعبا يصنع قواعده، أو رقعة شطرنج في يد الآخرين.

9