تحقيقات "قطر غيت" تتشابك لتطال رجال أعمال وإعلاميين إسرائيليين

القدس - تتصاعد وتيرة القضية التي باتت تعرف إعلاميا بـ "قطر غيت"، في إسرائيل، لتتحول إلى عاصفة سياسية وإعلامية تهدد بتقويض مكانة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ودائرته المقربة.
فمع الكشف التدريجي عن تفاصيل التحقيقات السرية، تتضح ملامح شبكة معقدة من العلاقات المشبوهة التي تربط مساعدي نتنياهو ورجال أعمال وصحافيين إسرائيليين بأموال قطرية، في سياق محاولات الدوحة لتعزيز نفوذها الإقليمي على حساب دور القاهرة.
وتكشف التحقيقات المتسعة، التي بدأت باستدعاء مساعدي نتنياهو، عن تورط محتمل لرجال أعمال وإعلاميين إسرائيليين في الترويج لمصالح قطر في إسرائيل، وتحديدًا في سياق المفاوضات الإقليمية الحساسة.
وتتركز الشبهات حول تلقي هؤلاء الأفراد أموالاً من الدوحة بهدف تلميع صورتها كمفاوض فعال والتقليل من الدور المحوري الذي تلعبه مصر تقليديًا في هذا الملف.
وتتوسع رقعة التحقيقات في هذه الفضيحة التي هزت الأوساط السياسية والإعلامية في إسرائيل، لتشمل بالإضافة إلى الدائرة الضيقة لمساعدي نتنياهو، شبكة من رجال الأعمال والصحافيين الإسرائيليين الذين يشتبه بتورطهم في القضية.
وتتركز التحقيقات حول تلقي هؤلاء المقربين أموالاً من قطر بهدف الترويج لدورها في مفاوضات إقليمية حساسة والتقليل من الدور المحوري الذي تلعبه مصر في هذا السياق.
وقد سمحت السلطات الإسرائيلية مؤخرًا بكشف معلومات جديدة حول هوية بعض رجال الأعمال الذين تم استدعاؤهم للتحقيق، وذلك بعد تزايد الأدلة التي تشير إلى دورهم في تسهيل تدفق الأموال القطرية المشبوهة.
وفي هذا السياق، تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن استجواب رجل الأعمال البارز وعضو المؤسسة الأمنية الإسرائيلية السابق، ديفيد سايج، خلال الأسبوع الماضي. ويأتي استدعاء سايج على خلفية الاشتباه بتواصله مع ما وصف بـ"عميل خارجي" متورط في القضية.
وفي سياق متصل، كشفت صحيفة "مكان" الإسرائيلية عن حصول الشرطة على سلسلة من المراسلات التي تشير إلى تورط شخص يدعى يسرائيل أينهورن في خدمة مصالح قطر بشكل مباشر.
ويُعقّد سير التحقيقات بسبب تواجد أينهورن حاليًا خارج إسرائيل، مما يستلزم إجراءات قانونية معقدة لاستكمال استجوابه. وخلال التحقيق مع سايج، وجهت له أسئلة حول طبيعة علاقته بأينهورن وبأحد مساعدي نتنياهو الآخرين، يوناتان اوريخ.
وتشير تقارير نشرتها قناة "كان 11" الإسرائيلية إلى أن غالبية المعلومات التي تم جمعها في القضية استُخلصت من هاتف مساعد نتنياهو الثاني، إيلي فلدشتاين، وتضمنت تعليمات واضحة بشأن كيفية ترويج المصالح القطرية في إسرائيل.
وفي تطور لافت، تم استجواب رجل الأعمال جيل بيرغر، المعروف بعلاقاته الواسعة مع دول خليجية، الأربعاء الماضي، للتحقيق في دوره المحتمل في مسار تحويل الأموال من قطر إلى فلدشتاين.
وتشير الشبهات الأولية إلى أن بيرغر ربما يكون هو الشخص الذي قام بدفع راتب فلدشتاين نيابة عن عضو في مجموعة ضغط نافذة، يدعى جاي فوتليك، والذي يعمل بشكل وثيق مع الحكومة القطرية.
ولم يقتصر التحقيق على رجال الأعمال والمساعدين السياسيين، بل امتد ليشمل عددا من الصحافيين الإسرائيليين، في محاولة لفهم الدور الذي لعبه الإعلام في ترويج الرواية القطرية المزعومة وتأثيرها على الرأي العام الإسرائيلي.
وعلى صعيد القانوني أفرجت السلطات الإسرائيلية الجمعة عن مساعدي رئيس الوزراء، يوناتان اوريخ وإيلي فلدشتاين، ووضعتهما قيد الإقامة الجبرية حتى 22 أبريل، مع منعهما من التواصل مع أي شخص ذي صلة بالقضية، بمن فيهم نتنياهو نفسه، لمدة 60 يومًا كإجراء احترازي لضمان سير التحقيقات بشكل سليم.
وقد رفض القضاء طلب الشرطة بتمديد فترة اعتقالهما لأسبوع آخر، مما يشير إلى وجود خلاف حول قوة الأدلة أو ضرورة استمرار الاحتجاز.
وقد رد رئيس الوزراء نتنياهو بغضب على توقيف مساعديه، واصفًا ذلك بـ"احتجاز رهائن" و"مطاردة سياسية" تهدف إلى تشويه صورته ومقربيه.
في المقابل، التزمت مصر الصمت الرسمي حيال هذه القضية الحساسة، رغم تأثيراتها المحتملة على دور القاهرة التقليدي في الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويراقب المسؤولون المصريون عن كثب تطورات التحقيقات وتداعياتها المحتملة على العلاقات الإقليمية وميزان القوى في المنطقة.
أما قطر، الطرف المتهم بدفع الأموال لمقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بهدف تحسين صورتها كمفاوض إقليمي على حساب الدور المصري، فقد نفت بشدة أي تورط لها في هذه القضية، واصفةً التقارير الإعلامية بأنها "مزاعم لا أساس لها من الصحة".
وتُعد قضية "قطر غيت" بمثابة زلزال سياسي وإعلامي يضرب إسرائيل في توقيت حساس، وتثير العديد من التساؤلات حول النفوذ الأجنبي في صناعة القرار الإسرائيلي وعلاقته بوسائل الإعلام.
وتكشف التحقيقات عن مخاوف حقيقية بشأن إمكانية اختراق جهات أجنبية، مثل قطر، للدائرة المقربة من رئيس الوزراء والتأثير على مواقف إسرائيل وسياساتها الإقليمية من خلال تقديم منافع مالية.
وتتجلى في القضية بوضوح المنافسة الإقليمية بين قطر ومصر على لعب دور الوسيط الرئيسي في الصراعات والقضايا الإقليمية، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وتشير التقارير إلى محاولة قطرية لتعزيز دورها على حساب الدور المصري من خلال التأثير على الإعلام والمسؤولين الإسرائيليين.
وتأتي هذه الفضيحة في وقت يواجه فيه نتنياهو وحكومته بالفعل انتقادات حادة على خلفية أدائهم في عدة ملفات داخلية وخارجية. وتورط مقربين منه في هذه القضية قد يزيد من الضغوط الشعبية والسياسية عليه ويضعف موقفه.
ويشير استدعاء صحافيين للتحقيق إلى تساؤلات حول مدى استقلالية وسائل الإعلام الإسرائيلية وإمكانية استخدامها كأداة للتأثير من قبل جهات أجنبية.
وتمثل قضية "قطر غيت" منعطفا حاسما في المشهد السياسي الإسرائيلي، وتكشف عن هشاشة محتملة في آليات صنع القرار وعلاقات النفوذ. وبينما تتواصل التحقيقات لكشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات، تترقب المنطقة بأسرها تداعيات هذه الفضيحة التي قد تعيد رسم خريطة التحالفات والتنافسات الإقليمية، وتترك آثارًا عميقة على مستقبل الحكومة الإسرائيلية ومصداقيتها على الساحة الدولية.