قطاع رقمي وليد يجد فرصته في مستقبل سوريا

بيروت – عندما أطاح الثوار السوريون ببشار الأسد، شعر جود خوجة وأصدقاؤه السوريون في الولايات المتحدة بضرورة المساهمة في إعادة بناء بلدهم بعد عقود من الحكم القمعي والصراع.
وفي الأيام التي تلت الإطاحة بالأسد في ديسمبر، ناقشوا خياراتهم عبر واتساب في ظل القيادة الإسلامية الجديدة التي أكدت رغبتها في تأسيس اقتصاد سوق حر وفتح سوريا أمام الاستثمار الأجنبي.
وقال خوجة “كان الجميع متحمسا. لقد استيقظ فينا شيء ما… وعادت شرارة الأمل إلى الظهور. نحن خبراء في التكنولوجيا، وجميعنا من أصول سورية، ونحن في وادي السيليكون. هذه هي المكونات الرئيسية الثلاثة. فلنجمع الجميع.”
وحدث هذا. ونظموا في غضون خمسة أسابيع مؤتمر سينك 25. وكان أول مؤتمر تقني حر ومفتوح في سوريا منذ عقود. وعُقد على مدى يومين في دمشق خلال فبراير. وكان من المستحيل تصور مثل هذا التجمع في ظل حكم الأسد.
90
في المئة من مواطني البلاد البالغ عددهم 23 مليون نسمة يعيشون الآن تحت خط الفقر
وجمع الحدث رواد أعمال في مجال التكنولوجيا من جميع أنحاء البلاد التي كانت مقسمة، إلى جانب سوريين من وادي السيليكون ومناطق أخرى من العالم.
ويطمح المنظمون لأن يكون المؤتمر خطوة نحو توفير 25 ألف وظيفة في مجال التكنولوجيا على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ويبرز قطاع التكنولوجيا بصفته مصدر أمل متجدد بعد أكثر من خمسين عاما من الحكم الاستبدادي في ظل عائلة الأسد وحرب أهلية دامت 13 سنة ودمرت البلاد.
ولا تزال العقبات كبيرة رغم التفاؤل المحيط بالمؤتمر، ومن أبرزها العقوبات الدولية المفروضة على سوريا منذ عقود.
وأشار معاذ حقي، رائد الأعمال في مجال التكنولوجيا في دمشق، إلى أن هذه العقوبات تُصعّب على السوريين تلقي المدفوعات من الزبائن الأجانب وتنفر المستثمرين.
وأضاف “إذا أراد زبون في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أن يدفع لك، فيجب أن يكون الأمر بسيطا، ولكنه معقد للغاية.”
ودأب الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع على دعوة الغرب إلى رفع العقوبات التي فُرضت خلال الحرب الأهلية بهدف عزل الأسد.
وبدأت الدول الغربية بإعادة النظر في موقفها. ففي مارس رفعت بريطانيا تجميد أصول البنك المركزي إلى جانب أصول 23 كيانا آخر، بما يشمل بنوكا وشركات نفط.
وخفف الاتحاد الأوروبي عقوبات متعددة في فبراير، رافعا القيود عن قطاعات مثل الطاقة والبنوك والنقل وإعادة الإعمار.
ومع ذلك، أكد حقي أن السوريين العاديين ما زالوا يعانون بسبب العقوبات، وقال “نحن نتحدث عن مجتمع لا علاقة له بحكومته.” وأضاف “أنا مجرد فرد يحاول البقاء على قيد الحياة. أريد أن آكل وأشرب، ولا أؤيد أي فصيل سياسي. لماذا لا تُرفع العقوبات عن أشخاص مثلي؟”
وأكد حقي أن العقوبات تمنع المطورين من الوصول إلى الأدوات والتطبيقات الأساسية، وهو ما يعني أن المشاكل البسيطة، مثل عطل في الشبكة الخاصة الافتراضية (الفي بي إن)، قد تعطّل العمل لأيام مع ما يترتب على ذلك من خسائر.
وأكدت بيانات رسمية صادرة عن البنك الدولي في 2024 أن الاقتصاد السوري المتأثر بالعقوبات شهد ركودا حادا، حيث تراجع بأكثر من النصف بين 2010 و2021.
ومع ذلك أشار البنك الدولي إلى أن هذا الواقع قد يكون أسوأ، مذكّرا بتحليله الخاص لانبعاثات الضوء الليلي (وهو مؤشر على النشاط الاقتصادي) حيث أشار إلى انكماش بنسبة 84 في المئة بين 2010 و2023.
العقبات لا تزال كبيرة رغم التفاؤل المحيط بالمؤتمر، ومن أبرزها العقوبات الدولية المفروضة على سوريا منذ عقود
وتحدد وكالات الأمم المتحدة أن أكثر من 90 في المئة من مواطني البلاد البالغ عددهم 23 مليون نسمة يعيشون الآن تحت خط الفقر. وسُجّل هذا بعد أن أعاد البنك الدولي تصنيف سوريا ضمن الدول منخفضة الدخل في 2018.
وقُدِّر الاقتصاد السوري في 2022 بنحو 23.63 مليار دولار، ما يضعه على قدم المساواة مع ألبانيا وأرمينيا اللتين يقل عدد سكانهما عن ثلاثة ملايين نسمة.
وأشار رائد الأعمال والكاتب السوري أحمد سفيان بيرم إلى أن غياب الاستقرار الاقتصادي يعيق نمو الشركات الناشئة السورية، وغالبا ما يتركها تعاني من الركود.
لكنه أكد على التحمس الشديد لقطاع التكنولوجيا وإمكانياته في مواجهة التحديات السورية طويلة الأمد رغم صغر حجمه وتمركزه في دمشق.
وتفاجأ بيرم في فبراير بانضمام 5 آلاف مشارك إلى هاكاثون (ماراثون برمجة) الذي ساهم في تنظيمه لإيجاد حلول لقضايا في مجالات مثل البنية التحتية والتكنولوجيا الزراعية.
وقال إن هؤلاء سجلوا عبر الإنترنت وشخصيا لتطوير برامج وتطبيقات تهدف إلى معالجة مشاكل مختلفة.
ورغم أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى، إلا أن بيرم أعرب عن تفاؤله بقدرة سوريا في نهاية المطاف على منافسة مراكز التكنولوجيا الناشئة في الخليج.
وقال “قد لا ننافس المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من حيث الاستثمارات، لكننا قادرون على المنافسة في العمليات الإدارية وخدمات الدعم.” وأضاف أن سوريا تتمتع بموقع إستراتيجي، وأن الكثير من الشركات ستنشئ عملياتها فيها إذا شهدت تطوير البنية التحتية المناسبة.