الآلاف من مهاجري جنوب الصحراء يواجهون مصيرا مجهولا بعد تفكيك مخيماتهم جنوب تونس

الرئيس قيس سعيد ينفي إبرام أي اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي بشأن ترحيل التونسيين.
الاثنين 2025/04/07
في انتظار أن تهدأ الحملة

تونس- تشن السلطات التونسية عملية أمنية واسعة لتفكيك خيام عشوائية تؤوي الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا جنوب الصحراء في غابات الزيتون بمحافظة صفاقس، معلنة عن ترحيل قسري لبعضهم، فيما لا يعرف مصير الآخرين.

وعلى الضفة المقابلة يواجه تونسيون عمليات ترحيل  مستمرة من عدد من الدول الأوروبية، ولاسيما من إيطاليا وبدرجة أقل من فرنسا وألمانيا تنفيذا لاتفاقيات موقعة سابقا بين تونس ودول الاتحاد.

وخلفت عمليات ترحيل التونسيين من الفضاء الأوروبي حالة من الاستياء الشعبي، الأمر الذي اضطر الرئيس قيس سعيد إلى الخروج والتوضيح، الأحد، بأن البلاد لم تبرم أي اتفاقية في عهده لترحيل مواطنيه.

رمضان بن عمر: محاولة لتفريق المهاجرين من أجل تهدئة التوترات

وأشار سعيد إلى أن الاتفاقيتين اللتين يجري الحديث عنهما كانت أمضتهما تونس في 2008 و2011، أي قبل توليه منصب الرئيس في 2009 .

وينتقد نشطاء حقوقيون الازدواجية في التعاطي الشعبي في تونس مع ملف المهاجرين غير الشرعيين، فمن جهة هناك رفض لوجود مهاجرين أفارقة على الأراضي التونسية، ومن جهة ثانية هناك استياء لاستقبال الدولة مواطنيها المرحلين.

وتعاني تونس من تدفق غير مسبوق لمهاجري جنوب الصحراء الذين يحلمون بالوصول إلى أوروبا، عبر السواحل التونسية.

وتحت ضغط شعبي، أطلقت السلطات التونسية الأسبوع الماضي عملية واسعة النطاق في محافظة صفاقس لإخلاء المخيمات العشوائية.

وبخطى ثابتة وهراوات في أيديهم، انطلق عناصر الأمن التونسي على طول مسار متعرج بين صفين من أشجار الزيتون في مدينة العامرة بريف محافظة صفاقس، فيما يفر أمامهم مهاجرون، ويتجمع آخرون على مسافة قريبة على أمل أن تنقضي الحملة سريعا، ليعيدوا بناء خياما بدائية أخرى على أراض هي على ملكية خاصة، كما حصل في السابق.

متأبطا بطانيتين باليتين، يقول الشاب المالي باكايو عبدالقادر (26 عاما) “لا أعرف ماذا أفعل،” في ظل الحملة التي بدأتها السلطات التونسية هذا الأسبوع لتفكيك المخيمات.

ومر نحو عامين منذ أن تحولت بساتين الزيتون في منطقة العامرة على ساحل البحر المتوسط إلى مخيمات عشوائية لآلاف المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء.

وأضحت هذه القضية مثار جدل واسع في تونس، وأصبح التعايش بين هؤلاء المهاجرين والسكان المحليين صعبا مع مطالبة أصحاب الأراضي بطرد الوافدين الجدد من حقولهم، التي يقولون إنها تعرضت لأضرار فادحة، نتيجة قطع جذوع الأشجار وغصونها لبناء الخيام.

وقال حسام الدين الجبابلي، المسؤول في الحرس الوطني، السبت “قمنا بتفكيك خيام تؤوي سبعة آلاف مهاجر في غابات بلدة العامرة، والعملية لا تزال مستمرة بحضور القوات الأمنية وطواقم طبية والحماية المدنية.”

وكشف الجبابلي أنه تم خلال العملية اعتقال عدد من المهاجرين بسبب العنف وجرائم، وبدأت عمليات ترحيل قسرية إلى أوطانهم منذ مساء الجمعة. وأضاف أن السلطات تسعى في الوقت نفسه إلى إعادة الآلاف إلى أوطانهم بشكل طوعي.

◄ السلطات التونسية تنفي انتهاج العنصرية تجاه المهاجرين وتقول إن التدفق الكبير لهؤلاء أصبح لا يطاق

ولم يقدم الجبابلي أرقاما عن عدد المهاجرين المتوقع ترحيلهم قسرا، لكنه قال إن هناك عددا كبيرا. وذكر أنه تم ضبط أسلحة بيضاء، بما في ذلك السكاكين والسيوف، بحوزتهم.

وتقول الحكومة التونسية إن نحو 20 ألف مهاجر يعيشون في خيام في الغابات في بلدات العامرة وجبنيانة بعد أن منعتهم السلطات من الوصول لأوروبا في قوارب عبر البحر المتوسط.

وارتفعت حدة التوترات في عام 2023، عندما حذّر الرئيس التونسي قيس سعيّد من أن تدفق “جحافل المهاجرين غير النظاميين” من جنوب الصحراء يأتي ضمن “مخطط إجرامي… لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس”.

وبعد أن عبر الكثير منهم صحارى مالي والجزائر، كانوا يأملون قطع الطريق البحري للوصول إلى السواحل الإيطالية وتحقيق “الحلم” الأوروبي.

وفي عام 2023، دخلت تونس في “شراكة” مع الاتحاد الأوروبي الذي منحها مساعدات بقيمة 255 مليون يورو، سيتم استخدام ما يقرب من نصفها لمكافحة الهجرة غير النظامية.

يحمل بنجامان إينا ملعقة وكيسا من العصير المجفف، وهو ما تبقى له مما كان يسمى مخيم “الكيلومتر 25.”

يقول هذا النيجيري البالغ 29 عاما إنه يريد الالتحاق بشقيقه في إيطاليا، وإنه نجا من حادث غرق مركب في البحر المتوسط. لكنه بات يرغب في العودة إلى بلاده، كما يرغب في العمل في تونس لكنه “سيحاول مرة أخرى” الذهاب إلى أوروبا.

وفي ظل هذه الحيرة، يقر بأن “تفكيري مشوّش.”

وتختلف خطط المهاجرين بين العودة إلى دولهم أو محاولة الوصول إلى أوروبا رغم العقبات.

يقول كامارا حسن (25 عاما) الذي كان يدرس العلاقات الدولية في غينيا ويؤكد أنه قضى شهرين في السجن في تونس “لقد عانينا كثيرا.”

حسام الدين الجبابلي: قمنا بتفكيك خيام تؤوي سبعة آلاف مهاجر في غابات بلدة العامرة

ورغم أن الطريق إلى أوروبا يبدو مغلقا، إلا أنه لا يفقد الأمل، إذ “بطريقة أو بأخرى، سنصل على أية حال.”

ويصرح شاب آخر قبل أن يفر مع اقتراب سيارة للحرس الوطني التونسي “أريد العودة إلى ساحل العاج، لكن (مقر) المنظمة الدولية للهجرة ممتلئ.”

وتتحدث امرأة كاميرونية تبلغ 29 عاما، وتفضل عدم الكشف عن هويتها، عن معاناتها ويبدو عليها الإرهاق الشديد. تقول الشابة “إنه أمر فظيع،” مضيفة “يعاملوننا كما لو أننا لسنا بشرا.”

وتنفي السلطات التونسية انتهاج العنصرية تجاه المهاجرين وتقول إن التدفق الكبير لهؤلاء أصبح لا يطاق ويشكل مصدرا للتوتر ويهدد الأمن القومي للدولة.

وأكد المتحدث باسم الحرس الوطني أن عملية تفكيك المخيمات تمت بطريقة “إنسانية”، وذكر الجبابلي أن بعض المهاجرين المرضى تلقوا العلاج، وتم إيواء النساء الحوامل وأطفال في المستشفيات خلال عملية تفكيك الخيام، مشددا على أن السلطات تعطي الأولوية للجانب الإنساني والاجتماعي على الجانب الأمني.

وردا على سؤال حول مصير المهاجرين بعد تدمير مخيماتهم، يقول المتحدث باسم الحرس الوطني التونسي إن عددا كبيرا منهم سيستفيد من “العودة الطوعية”، في حين “تفرّق” آخرون في البلاد.

وبحلول الثاني من أبريل، أفادت المنظمة الدولية للهجرة أنها نفذت 1740 عملية عودة طوعية، بعد ما يقرب من 7000 عملية في العام الماضي، وهو ثلاثة أضعاف العدد المسجل عام 2023.

وتثير عمليات إخلاء المخيمات التي نفذتها السلطات التونسية، باستخدام العشرات من سيارات الأمن والجرارات، شكوك رمضان بن عمر من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ويقول إنها كانت محاولة “لتفريق المهاجرين قدر الإمكان من أجل تهدئة التوترات بين السكان المحليين.”

وهي إستراتيجية “لن تنجح” في رأيه، مضيفا أن “المهاجرين سيتجمعون ويقومون ببناء مخيمات جديدة لأنهم لا يملكون مأوى.”

وعلى بعد بضعة كيلومترات من العامرة، شوهد مهاجرون يسيرون على طول جانب الطريق، متجهين نحو بساتين زيتون أخرى، ما يوحي بأن المشكلة “باقية وتتمدد.”

4