أحداث غزة تحرّك السلفيين المصريين بمباركة رسمية غير معلنة

سلفيو مصر يبحثون عن وضعية سياسية جيدة إذا ما استمرت التطورات كما هي الآن في قطاع غزة.
الأحد 2025/04/06
إعادة ترتيب الأوراق من جديد

القاهرة- وظفت الدعوة السلفية في مصر السخط الشعبي بسبب التطورات العسكرية والإنسانية في قطاع غزة، للعودة إلى الظهور السياسي بعد سنوات من الخفوت حيث حظرت الحكومة المصرية مشايخها من اعتلاء المنابر، ما يشير إلى أن الخطاب الديني الذي يلعب على الوتر العاطفي للمواطنين قد يتصاعد الفترة المقبلة.

ويصعب التعامل مع بيانات أصدرتها الدعوة السلفية بشأن مواقفها من الحرب في غزة بمعزل عن سياق عام تعمل من خلاله دوائر حكومية في مصر، في ظل خطابات دينية أكثر تشددا صدرت من جانب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يسيطر عليه تنظيم الإخوان ودعا صراحة إلى الجهاد ضد إسرائيل.

ويمكن أن تلعب الدعوة السلفية المدجنة أمنيا وسياسيا دورا رمزيا يخفف من وطأة خطاب لا يتماشى مع مسارات تنتهجها القاهرة للتعاطي مع تطورات إقليمية دقيقة.

وحوى بيان للدعوة السلفية صدر، السبت، إشارات متضاربة، إذ ارتكن على خطاب يستعين بنصوص دينية تبشر إسرائيل بـ”عذاب جهنم”، ويخفف من آلام الفلسطينيين بأن لهم الجنة، ودعا لنصرة الفلسطينيين، مستشهدا بنصوص تدعو للقتال.

وهدف البيان إلى مخاطبة محسوبين على التيار الإسلامي ينتظرون إشارات تعيد الثقة بالجماعات الراديكالية التي لم يعد لها تواجد مؤثر على الساحة المصرية، ولم يذهب باتجاه التحريض المباشر، مثل بيان لهيئة علماء المسلمين الذي جاء كدعوة للشعوب بحمل السلاح ضد إسرائيل وتكفير من يصمت على ما يجري من جرائم بحق مدنيي غزة.

ويعد ظهور الدعوة السلفية حاليا سلاحا ذا حدين للحكومة المصرية، فاستخدام خطاب يلعب على مشاعر المواطنين في وقت من المهم أن تكون التحركات السياسية دون ضغوط توجهها خطرا يعيد إحياء شعارات وظفتها تنظيمات إسلامية من قبل للضغط على حكومات متعاقبة هدفت إلى توظيف الدين.

كما أن وجود الحركة السلفية في صدارة مشهد وهي تعمل في إطار ليس ببعيد عن أذرع الحكومة يبدو أمرا مطلوبا لعدم ترك الساحة لخطابات أكثر تشددا غير منضبطة.

وتزايد ظهور الدعوة السلفية على مستوى البيانات الإعلامية منذ التوقيع على صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، وتوجيه اتهامات مبطنة لحماس وأن حساباتها بشأن عملية طوفان الأقصى وكل ما تلاها من دمار لم تكن دقيقة.

منير أديب: مشكلة مصر تكمن في أن العقل الراديكالي يسيطر على فئات ليست قليلة من المواطنين

وقال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب إن الخطاب السياسي للدعوة السلفية يأتي في إطار الأوضاع العامة بالمنطقة وفي حالات الحروب والفوضى ويعاد ترتيب الأوراق من جديد، فهم يعتقدون أنهم أصحاب فكر يخدم الحكومة المصرية، حيث يقدمون خطابا يدغدغ مشاعر المواطنين، وبالتالي يبحثون عن وضعية سياسية جيدة إذا ما استمرت التطورات كما هي الآن، أو حال حدوث صراع ممتد.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن هناك عداء تاريخيا بين الجماعات الراديكالية وبين إسرائيل، غير أنهم يواجهونها عبر بيانات لا قيمة لها ولم يقدموا أيّ دعم إيجابي للقضية الفلسطينية، وثمة قناعة لدى القيادة السياسية والعسكرية في مصر بأن هؤلاء خارج معادلة أيّ قرارات يتم اتخاذها بشأن التعامل مع الموقف الراهن، والدولة المصرية لا تنتظر منهم دفعها نحو نصرة القضية الفلسطينية، وينشطون حاليا من أجل استنفار أتباعهم، والإيحاء بأن لديهم مواقف سياسية إيجابية، لكن الحكومة المصرية تضيّق الخناق عليهم أمنيا.

وأشار إلى أن السماح بتواجد مثل هذه التنظيمات على الساحة بفعل مواجهة أفكار أخرى أمر غير مفيد في محصلته، لأن مواجهة إسرائيل بالشعارات الدينية لن ينهي الحرب المستعرة في غزة، وأن التركيز يجب أن ينصبّ على العمل والتقدم والبناء، وتوظيف الخطابات الدينية لمخاطبة مشاعر المواطنين لم يحقق شيئا طيلة أكثر من 70 عاما، لأن الصراعات لا تدار بمثل هذه الطريقة.

ويؤكد متابعون أن مؤسسات دينية مصرية سعت لتلعب دور بديل لتنظيم الإخوان الذي كان يتخذ من القضية الفلسطينية مدخلا للحشد وجمع الأعوان والمناصرين، وما أقدمت عليه الدعوة السلفية لا ينفصل عن الاتجاه لإطلاق شعارات براقة توحي أنها تتمسك بدعم القضية الفلسطينية وترفض ما يحدث على الأرض في غزة.
ولعل ظهور مفتي الجمهورية المصرية نظير عياد أثناء الإعلان عن رؤية عيد الفطر إلى جانبه خريطة لفلسطين تطور لم يكن حاضرا بالنسبة إلى المؤسسات الرسمية.

كما أن مؤسسة الأزهر تأخذ زمام المبادرة من جهة التصعيد ضد ممارسات الاحتلال، ما يشي بوجود دوائر حكومية لديها هواجس من أن يكون الاتجاه إلى الشعبوية الداعمة للقضية الفلسطينية هدفا للاستقطاب من قبل جماعات متطرفة تراجع حضورها بشكل كبير، لكن تطورات الأحداث يمكن أن تُعيد إحياءها.

وفي تلك الحالة فإن تواجد الدعوة السلفية المصرية من الممكن توظيفه وتمريره على استحياء من دون تضييق كامل، مع الاعتماد على المؤسسات الدينية الرسمية.

التعامل مع بيانات أصدرتها الدعوة السلفية بشأن غزة لا يتم بمعزل عن سياق عام تتحرك من خلاله دوائر حكومية في مصر

وأكد منير أديب في حديثه لـ”العرب” أن مشكلة مصر تكمن في أن العقل الراديكالي يسيطر على فئات ليست قليلة من المواطنين، وهؤلاء ينخرطون في رؤى دينية تعمل للعودة إلى الأصول والعادات الدينية القديمة التي قد تكون اختفت دون بحث عن وسائل العلم والتقدم التي تجعل هناك قوة علمية قادرة على مواجهة أيّ أخطار خارجية، وذلك ما يخدم توجهات الدعوة السلفية التي تثير حماس المواطنين في خطبها عبر بعض المنابر التي تسيطر عليها، وترى بأن المناخ موات للمزيد من التواجد، وأن البيان الأخير هو استمرار لخطاب قديم اعتادت تقديمه لأنصارها.

وشاركت الدعوة السلفية من خلال حزب النور، وهو الذراع السياسية لها، في مسيرات انطلقت من مساجد مصرية متفرقة عقب صلاة عيد الفطر، ورددت شعارات إدانة جرائم إسرائيل، ودعمت الموقف المصري الرافض للتهجير، ما يشير إلى أن هذه التحركات جاءت بتنسيق مع جهات رسمية دعمت هذه الاحتجاجات.

1