عبدالإله عاجل.. من قيوده وموهبته يصنع خيالا رحبا

الرباط- يمتلك عبدالإله عاجل موهبة فنية تجمع بين الخيال والإبداع والجرأة، ويركب موجات الإلهام ليخلق أعمالا تترك أثرا في المسرح والسينما والتلفزيون، ويتحرك باستمرار كأن طاقة لا تهدأ تسكنه.
ينتج الممثل المغربي فرجة بأساليب متنوعة تشمل الأداء على الخشبة والإخراج للشاشة الصغيرة، ويجمع بين التلاعب بالكلمات والتعبير الجسدي ليصنع عوالم تدهش الجمهور، ويبحث في أعماق النفس والروح ليستخرج كنوز التجربة الإنسانية، ويواجه تحديات الزمن والظروف ليستمر في تقديم إبداع ينفع الناس ويبقى.
الفن والخيال

بدأ عبدالإله عاجل رحلته الفنية من نقطة مبكرة تعكس شغفه بالمسرح، ونشأ في بيئة شكلت شخصيته منذ الطفولة، كان يعيش وحدة عميقة مع غياب والده المتكرر بسبب عمله في توزيع العجلات، ويقضي أيامه مكبلا بحبل يحد حركته ليبقى آمنا بعيدا عن المطبخ، ويجد في الخيال ملاذا يجوب به أرجاء البيت وخارجه رغم القيود، وينمي علاقة وثيقة مع التأمل والهدوء بعيدا عن الشغب، ويروض خياله ليصبح رفيقه في مواجهة الواقع المقيد، ويرى البحر في ذهنه قبل عينيه مستلهما من القصص.
كان عاجل يشعر بالانزعاج حين تعود والدته لتقطع تأمله، بينما يحب السكينة، تلك التي ألهمته ورافقته إلى الآن ليزرعها في من حوله سواء في الإخراج أو التعليم، في ظل ظروف فريدة، يجد في الوحدة فرصة للتواصل مع ذاته، ويرفض الانفعال ويتبنى أسلوبا هادئا في الحياة، إذ ما زال يحول الخيال إلى أداة للهروب، ويتعلم الصبر والانضباط من قيوده اليومية، وينقل تجربته إلى أعماله الفنية لاحقا، بينما يظل متمسكا بالهدوء كقيمة أساسية في حياته.
وبدأ عاجل مسيرته المسرحية في سن مبكرة، شارك في أعمال صغيرة تعكس موهبته الناشئة، ليتعلم بعدها من تجارب الآخرين ويبني أسلوبه الخاص. وقد وجد منذ بداياته وحتى الآن في الخشبة مساحة للتعبير عن خياله، ليواجه صعوبات الواقع ويتغلب عليها بالإبداع، ويظل متمسكا برؤيته الفنية رغم التحديات، ويحول تجاربه الشخصية إلى مادة لأعماله.
ويتنقل عبدالإله عاجل بين أضواء الفن بحذر يليق بمبدع يعشق الجودة، ويرفض “السيتكومات” الرمضانية، يراها دربا منحرفا عن مسارها الأصيل، طريقا لا يمت بصلة لروح الفن الذي يزدهر بنجوم يطلون في كل حلقة كأضواء متلألئة، بعيدا عن مشاهد الصالونات والمطابخ المكررة، تلك اللقطات البانورامية التي تسرق العين دون عمق، إذ يروي تجربته مع “بنات الحديد” بفخر يعانق الصعاب، يتحدث عن أجواء مناخية عصفت بالتصوير، عن جدول ضيق جمع الفريق بصعوبة، فيشعر برضا يتغلغل في صوته حين يصف أصداء الشارع الدافئة، تلك الكلمات التي تحمل إليه التحفيز كنسيم الصباح.
العودة إلى الخشبة

يحلم عاجل بأعمال جدية ويسعى إليها كفنان يتنفس الإبداع، يضع الجودة تاجا فوق رأسه، يرفض أن يجري خلف المال وحده، فيختار أدواره كما يختار الرسام ألوانه بعناية فائقة.
بعد ابتعاده عن الخشبات يعود عاجل إلى المسرح بعد سبعة وعشرين عاما، زمن ينطفئ كشمعة أمام عزيمته، يقف على خشبة “سدينا” مع حسن فولان، يرسمان معا خطى جديدة، يمزجان خبرة السنين بطاقة شباب يتألقون كنجوم صاعدة، مريم الزعيمي وأيوب أبوالنصر وغيرهم، فيفرح بتلك العودة، يرى فيها توقيتا يحتضن اللحظة المثالية.
وينبض على مسرح محمد الخامس بالرباط، “مسرح الحي” من جديد، يتجسد حلم الثنائي العريق، عبدالإله وحسن، ابني الحي المحمدي بالدار البيضاء، يحملان تاريخا من الضحكات الهادفة، يسطران رسائل اجتماعية وسياسية بلمسات عصرية، موسيقى وغناء يرقصان في الهواء، بينما يصف المخرج أمين ناسور التجربة بمسؤولية تثقل الكاهل، يتحدث عن فرقة صنعت أسطورتها بعروض كـ”شرح ملح” و”حب وتبن”، ويسعى مع فريقه ليقدم عملا يليق بقامة العمالقة، ينسج خيوطا من قضايا العائلة، مواقف إنسانية تتسلل إلى القلوب، فيبقى عاجل، مع رفيقه فولان، علمين يرفرفان في سماء الفن المغربي، جذورهما تمتد منذ 1986، تروي قصة إبداع لا ينضب.
وينبض الحي المحمدي في قلب الدار البيضاء بإرثه العريق، فهناك ولد عبدالإله عاجل، ليصبح نجما يضيء سماء الفن المغربي، ويتنقل بين خشبة المسرح وشاشات التلفزيون والسينما كروح تجسد الإبداع، ويحمل موهبة جعلته أحد أعمدة المسرح في بلاده، إذ ينطلق من شوارع الحي المحمدي، ويستلهم منها ليرسم بصمة تظل حاضرة، يمزج الضحكة الهادفة بالرسالة العميقة، فيغدو رمزا للإبداع الحديث في المغرب.
أسس عبدالإله عاجل مع رفيق دربه حسن فولان “مسرح الحي”، إذ يشعان كنجمين في سماء واحدة، ينسجان من خيوط الفكاهة والفكر عروضا تعيش في الذاكرة. ينساب “شرح ملح” كقصيدة كوميدية، ترسم “حب وتبن” البسمة على الوجوه، تترك “حسي مسي” صداها في الأرواح، يحمل “ألف لام” النفس إلى عوالم الفكر والفرجة.
وقد أسس عاجل “مسرح الكاف”، ليضيف فضاء يعانق الإبداع، ويترك أثرا في كل من عايشه. كما تألق على الخشبة في “المدير الجديد”، لينثر الضحك في مسرحية “شارب عقلو”، ويروي الحكايات في “دار سيد العربي”، ويبهر في “حدو قدو”، فيظل حضوره كالنور الدائم.
أثر فني متواصل
تزخر رحلة عبدالإله عاجل التلفزيونية بالتنوع. يظهر في “مداولة” كصوت يعبر عن الناس، يأخذنا في “ألف لام” إلى أعماق القصص، يرسم في “السراب” أحلاما تتلاشى ثم تعود، يثير في “موعد مع المجهول” الفضول، ويتألق في “المستضعفون”، يضحكنا في “سير حتى تجي 3”، يحكي لنا في “حال وأحوال” بصدق، وينقلنا في “مومو عينيا” إلى عالم الخيال، ويعبّر في “قلوب تائهة” و”الوجه الآخر” عن الإنسان وأعماقه، بينما يداعب في “زواجي محال” الأحلام، ويمس بـ”دموع وردة” القلوب.
يعود عاجل بنا في دوره في “السر المدفون” إلى العمق، ويسلينا في “مغاربة في الفضاء” بخفة أدائه، يثير “السر القديم” الغموض، ويروي “يوميات رفيق” حياة يومية، يضحكنا “أنا وكانتي” بضحكات خفيفة، ويعكس “إلا ضاق الحال” معاناة صادقة، تحكي “حياة خاصة” حكايات شخصية، فيما تقدم “بنات الحديد” قوة وإصرارا.

◄ يختار أدواره كما يختار الرسام ألوانه
وتحتضن السينما موهبته فنانا يتقن لغة الصورة، حيث يبدأ في “شفاه الصمت” رحلته، وتبرز “الطيابة” بساطته، وتمزج “حمرا وخضرا” الألوان والأحاسيس، ويسافر بنا في “الطريق إلى طنجة” ويروي في “مسافة ميل بحذائي” الرحلة، يثير “دوبل ڤي” التساؤلات، تنثر “خفة الرجل” البهجة، وهكذا تتنوع أعماله وتتعدد.
ويحكي عبدالإله عاجل كراو حكايات المغرب، يجمع خفة الروح بعمق الفكرة. يمتد إرثه من الحي المحمدي إلى كل ركن في البلاد، يشبه شجرة مغروسة في تربة الفن، تعانق أغصانها السماء، تروي جذورها قصة شعب ومكان. يظل صوته مسموعا، تترك خطواته أثرا، تنثر ضحكاته في “شارب عقلو” الفرح، تهمس “شفاه الصمت” بالعمق، تحمل أحلامه في “النجم” نورا، تشكل لوحة إبداع لا تنضب.
ويواجه عاجل تحديات الطفولة بطريقة خاصة، حيث كان يعيش تحت مراقبة دائمة من عائلته وجيرانه. وقد تحول الخيال إلى صديقه الأقرب في غياب الحرية، ليرى العالم من خلال تأملاته قبل التجربة المباشرة، ويرفض الانجراف وراء الانفعالات ويختار السكينة. ويتعلم من والدته وأخيه الأكبر دروس الحياة الأولى، ويجد في الصمت ملاذا يعزز إبداعه، ويبدأ في صياغة رؤية فنية مبكرة تعتمد على التأمل.
وترك الممثل بصمة في المسرح والسينما والتلفزيون المغربي، وقد شارك في افتتاح مهرجانات وطنية بأفكار مبتكرة، واستلهم من تاريخ المسرح ليصنع الحاضر، كما تعاون مع فنانين آخرين لتقديم عروض مميزة. يجد في طنجة مصدر إلهام لأعماله، ويوظف التراث المسرحي في إبداعاته الحديثة. وقد ظل وفيا لجذوره، يطورها باستمرار، ويحافظ على التوازن بين التقليد والتجديد.
يعيش عبدالإله عاجل لحظات إنسانية مع الجمهور، ويستقبل طلبات المعجبين بالصور والتوقيعات، ويتفاعل مع الناس في المقاهي والشوارع، ويجد في هذه التفاعلات دافعا للاستمرار، إنه يحترم جمهوره ويقدر تواصلهم. يرفض الابتذال ويختار الفن الهادف، ويظل قريبا من الناس رغم شهرته، يبني علاقة متينة مع متابعيه.
ويواصل عبدالإله عاجل مسيرته بإصرار وعزيمة، ويواجه تحديات الزمن والموارد بإبداع لا ينضب، ويجد في كل عقبة فرصة للتجديد، ويظل مخلصا لفنه وجمهوره، ويحول الألم إلى إلهام يغذي أعماله. يترك أثرا عميقا في الذاكرة الفنية المغربية، ويسعى دائما لتقديم ما ينفع ويبقى. يؤمن بأن الفن رسالة تجمع الناس وترفع وعيهم.

☚ إرث الفنان يشبه شجرة مغروسة في تربة الفن تعانق أغصانها السماء وتروي جذورها قصة شعب ومكان