حماس في ورطة بسبب تزايد المعارضة المتحدية لسلطتها

غزة – تظاهر الآلاف من الفلسطينيين ضد حماس الأسبوع الماضي في قطاع غزة، مُمثلين بذلك أكبر تعبير عن الغضب الشعبي تجاه الحركة التي لا تعرف كيف تتعامل مع المعارضة الآخذة في الاتساع، خاصة بعد أن أدت شروطها إلى عرقلة الهدنة وتجدد القصف الإسرائيلي بعنف أكبر.
وتجد حماس نفسها في وضع حرج، فهي إن تساهلت مع المحتجين ستتزايد أعدادهم ويصبحون أكثر جرأة وتحديا لها، وإذا لجأت إلى مواجهة الاحتجاجات عن طريق القوة فقد يدفع ذلك إلى ردود فعل شعبية غاضبة لا يمكن السيطرة عليها، خاصة أن السكان، الذين يتعرضون للقصف العنيف والتهجير من مكان إلى آخر في وضع مأساوي، يعرفون أن ذلك لم يكن ليتم لولا سياسات حماس، خاصة أنها هي التي بدأت الحرب بهجوم السابع من أكتوبر.
ويرى أغلب السكان أن حماس كان يمكن أن تستمر في الهدنة وتطلق سراح الرهائن الإسرائيليين حتى وإن لم تتحقق كل شروطها، لكنها آثرت مصالحها الخاصة وتسببت في عودة الحرب رغم معرفتها مسبقا أن موازين القوى ليست في صالحها، وأن القطاع لم يعد يتحمل حربا جديدة.
أغلب السكان غزة يرون أنه كان جديرا بحماس الاستمرار في الهدنة واطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين حتى وإن لم تتحقق كل شروطها
وأعرب المتظاهرون عن إحباطهم ويأسهم في مواجهة موجة أخرى من الحرب والنزوح. وبينما وجّهوا انتقادات نادرة ومباشرة لحماس، ظلّوا غاضبين بشدة من إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما ممن حمّلوهم مسؤولية معاناتهم.
ومنذ سيطرة حماس على غزة في 2007، كانت المعارضة الشعبية نادرة. واستخدمت الحركة القوة لتفريق الاحتجاجات العرضية. لكن الوضع صار مختلفا حاليّا؛ فالاحتجاج لا يمكن ربطه بالمؤامرة، كما لا يمكن اتهام حركة فتح أو سلطة الرئيس محمود عباس بتدبيره، والغضب موجه إلى سياسات الحركة التي فقدت عناصر قوتها بعد الخسائر الجسيمة في صفوف قادتها ومقاتليها.
ولا يعارض السكان المقاومة في المطلق. وقد استمروا في دعم حماس مدة أشهر رغم أنها بادرت بخوض حرب غير متكافئة، لكن ما تغير هو أن الحرب توقفت وكان يفترض أن تضع حماس حياة الناس كأولوية كبرى خلال التفاوض ووضع الشروط، لكن ذلك لم يحصل.
وقال محمد أبوصقر، وهو أب لثلاثة أطفال من بلدة بيت حانون التي دمرتها الغارات الجوية وقد شارك في المظاهرة، “لم يكن الاحتجاج سياسيا، بل كان يتعلق بأرواح الناس. لا يمكننا منع إسرائيل من قتلنا، لكن يمكننا الضغط على حماس لتقديم تنازلات.”
ويعتقد مراقبون أن حماس لا تفكر إلا في أجندتها، وهو ما يفسر القطيعة الآخذة في الاتساع مع السكان، وأن عليها أن تراجع هذا التمشي وتفتح قنوات حوار مع الناس، وإلا فإن المواجهة ستتسع ولن تقف عند الاحتجاج وقد تصل إلى المواجهة المسلحة.
وسلط مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي الأضواء على المشاعر المناهضة لحماس. ويظهر في المقطع قتل شرطي في الشارع بإطلاق النار عليه في الرأس ثم رشقه بالرصاص من بندقية آلية.
وأصدرت عائلة معروفة في دير البلح وسط قطاع غزة -بعد مقتل أحد أفرادها برصاص شرطي في وقت كانت تحاول فيه الشرطة حل نزاع خارج موقع لتخزين الطحين- بيانا قالت فيه إنها قتلت الشرطي.
وقالت حماس في بيان “لن نسمح لأي جهة كانت بإشاعة الفوضى في قطاع غزة، أو أخذ القانون باليد،” مضيفة أن مقتل الشرطي جريمة “تخدم الأهداف الصهيونية في محاولة كسر الجبهة الداخلية الفلسطينية وإشاعة الفلتان والفساد.”
وأفاد سكان من غزة تحدثوا لوكالة أسوشيتد برس، دون الكشف عن هوياتهم لأسباب أمنية، بأن عناصر أمن حماس بملابس مدنية نظموا دوريات في المنطقة طوال الحرب، محافظين على سيطرتهم، بينما قمعوا المعارضة في الآن ذاته.
وفقد سعيد أبوالعيش -وهو مسعف من جباليا (إحدى أكثر المناطق تضررا)- زوجته وابنتيه وعددا من أقاربه في غارة جوية إسرائيلية. وأعرب عن إحباطه من قادة حماس الذين يدعون إلى مواصلة التضحيات. وقال “أوقفوا هذه الحرب. أوقفوا هذه المجازر.”
وفي الوقت نفسه انتقد دعم إسرائيل الواضح للاحتجاجات، متهما إياها بالتلاعب بالمظاهرات لتحقيق مآربها الخاصة. وأضاف أن “الحرب هي أساسا ضد إسرائيل قبل أن تكون ضد حماس.”
ولا يزال الكثير من الفلسطينيين يعتبرون المقاومة المسلحة السبيل الوحيد القابل للتطبيق نحو الاستقلال، نظرا إلى فشل مفاوضات السلام وجهود المقاومة السلمية (مثل المقاطعة) إلى حد كبير.
وقالت تهاني مصطفى، المحللة البارزة في الشأن الفلسطيني في مجموعة الأزمات الدولية، “يوجد خط أحمر في الخطاب الوطني الفلسطيني. لا ينبغي ببساطة انتقاد المقاومة المسلحة حيث سيوفر ذلك الذريعة التي تبحث عنها إسرائيل والمجتمع الدولي” لتبرير أفعالهما.
وتعهد نتنياهو بتدمير حماس واستبعد أي دور للسلطة الفلسطينية بقيادة عباس في غزة، بحجة أنها غير ملتزمة حقا بالسلام. وصرّح بأن إسرائيل ستحافظ على سيطرة أمنية طويلة الأمد، على غرار وجودها في الضفة الغربية، حيث تحكم السلطة الفلسطينية المناطق الحضرية.
ولا يترك هذا الوضع طرفا واضحا يمكن أن يتجمع حوله معارضو حماس، ولا خطة ملموسة لما بعد الحرب.
وأعرب بعض المتظاهرين عن يأس عميق مع غياب قيادة بديلة وغياب حل للحرب في الأفق. وقال أحدهم -يدعى عبد رضوان- “قُتل أطفالنا ودُمّرت منازلنا.” وأوضح أن الاحتجاج الذي شارك فيه الأسبوع الماضي كان ضد الحرب وحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى وإسرائيل و”صمت العالم”.
اقرأ أيضا:
• حرب إسرائيل على غزة "أسوأ صراع على الإطلاق" بالنسبة للصحافيين
• كلمات مفتاحية قاتلة يستخدمها الذكاء الاصطناعي في حرب غزة