الحرب على غزة.. أهمية التقييم والخيارات المتاحة

اختلال موازين القوى في الصراع الحالي مع إسرائيل وما شاهدناه من دعم لا محدود من الولايات المتحدة واستمرار المواجهات مع حكومة نتنياهو هو انتحار جماعي للشعب الفلسطيني.
السبت 2025/04/05
المقاومة السلمية الطريق الأكثر فاعلية

إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يكن يومًا على قدم المساواة. وقد أثبتت الحرب الأخيرة على غزة منهجية الحكومة الإسرائيلية في الإبادة الجماعية للفلسطينيين، من خلال القتل المفرط والتدمير الشامل لكل مقومات الحياة. وبالرغم من أن هذه الحرب لم تكن الأولى، إلا أنها الأعنف على الإطلاق. وفي كل مرة تتجدد دورة العنف والنزوح والدمار البشري على الأرض الفلسطينية، ليبقى التدمير المنهجي لحياة البشر “بذريعة القضاء على الإرهاب” وسيلتها للبطش والتنكيل بالمدنيين الأبرياء، يقابله الصمت الدولي الذي يشجعها على مواصلة العدوان. ومع ذلك، تبقى إرادة الشعب الفلسطيني في المقاومة تتجذر كاستجابة حتمية لاستمرار الاحتلال والاستيطان.

إن اختلال موازين القوى بشكل ظاهر في الصراع الحالي مع إسرائيل، خصوصًا بعدما شاهدناه من الدعم اللامحدود من قبل الولايات المتحدة وصمت العالم اللافت، كان له الأثر في إلحاق خسائر بشرية ومادية فادحة. وإن استمرار المواجهات المسلحة مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الفاشية المتطرفة على هذه الشاكلة هو انتحار جماعي ومحرقة للشعب الفلسطيني.

من يتبنى المقاومة المسلحة لا بد أن يستوفي شروطها الأساسية مثل إمكانية المطاولة بقدرات ذاتية لإدامة الزخم وضمان التحالفات الداعمة في مواجهة قوة العدو وقدراته. إضافة إلى إمكانية استغلال الأرض، وتوافر عوامل جغرافية ملائمة للكر والفر مع المساحة الواسعة لإجبار العدو على نشر قواته؛ حيث إن ضيق المساحة يمكّن العدو من تغطيتها بنيران كثيفة لا قدرة للمقاومين على مواجهتها. وتتطلب المقاومة المسلحة أيضًا استيعاب شروط وأساسيات الحرب الإلكترونية. وبالرغم من أن الدعم الشعبي ضروري للإسناد في الحروب العادية، إلا أن القوة المفرطة الإسرائيلية واستهانتها بالمدنيين تجعل الكثافة السكانية عنصرًا سلبيًا للمقاومة بسبب الخسائر الكبيرة.

◄ في مواجهة العنف المفرط والاحتلال العسكري، تظل المقاومة السلمية هي الطريق الأكثر فاعلية وأخلاقية. فهي تسلط الضوء على الظلم الذي يواجهه الفلسطينيون، مما يعزز التضامن العالمي

وفي الحرب الأخيرة على غزة، يتطلب الأمر دراسة وتقييم الوضع المأساوي الحالي لاتخاذ قرارات صائبة. قد يكون منها تغيير أوجه النضال الفلسطيني ليتخذ مسارًا جديدًا لتحقيق الأهداف المرجوة بدلًا من المكابرة واختلاق انتصارات وهمية.

إن التاريخ وتجارب الشعوب المختلفة يشيران إلى أن المقاومة الشعبية السلمية لا تقل فاعلية عن الكفاح المسلح. وهي واحدة من الأدوات المهمة لتحقيق العدالة والحرية على المدى الطويل، خصوصًا عند تعذر المجابهة العسكرية نتيجة اختلال موازين القوى. وقد كانت في الكثير من الأحيان إستراتيجية فعالة في العديد من الصراعات التاريخية، مثل حركة الاستقلال الهندية بقيادة المهاتما غاندي، وحركة الحقوق المدنية الأميركية بقيادة مارتن لوثر كينغ، ونضال شعب جنوب أفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا. وبالمثل، في السياق الفلسطيني، يمكن للاحتجاجات المنظمة والانتفاضات والعصيان المدني والتظاهرات والمقاطعة واستثمار المحافل الدولية أن تضع ضغوطًا كبيرة على إسرائيل وحلفائها لمعالجة الظلم التاريخي.

ومن نقاط القوة في المقاومة السلمية قدرتها على فضح حقيقة القمع. فعندما ينخرط الفلسطينيون في احتجاجات غير عنيفة، غالبًا ما تسلط التغطية الإعلامية الضوء على التناقض الصارخ بين المتظاهرين السلميين والردود العسكرية الإسرائيلية. ويحظى هذا الخلل الصارخ بتعاطف دولي ويعزز دعمًا عالميًا أكبر للحقوق الفلسطينية. من ناحية أخرى، غالبًا ما يستخدم العنف لتبرير المزيد من حملات القمع ونزع الشرعية عن النضال في نظر المجتمع العالمي.

إن المقاومة الشعبية السلمية لديها القدرة على جذب التضامن الدولي الأوسع، وتتيح المجال للنشطاء العالميين في مقاومة الاحتلال وإيجاد حل عادل للقضية. وعندما تبقى المقاومة سلمية، يصبح من الصعب على إسرائيل استغلال الحركة باعتبارها تهديدًا أمنيًا، وتسهل على منظمات حقوق الإنسان والحكومات المساندة الدعوة إلى تغييرات حقيقية في السياسة الإسرائيلية. وبعيدًا عن فاعليتها الإستراتيجية، فإن المقاومة السلمية تحتل أرضية أخلاقية عالية، وهو ما يعزز الحجة القائلة بأن الفلسطينيين يسعون إلى العدالة والتعايش بدلًا من التدمير. وهذا الوضوح الأخلاقي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الزخم في المدى الطويل والحصول على دعم السكان المحايدين أو المترددين في جميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك، فإن المقاومة السلمية تحرم إسرائيل من ذريعة تصعيد العمليات العسكرية تحت ستار الدفاع عن النفس، وتحافظ في نهاية المطاف على حياة الفلسطينيين وتقلل المعاناة.

لقد أظهرت المقاطعة وسحب الاستثمارات قوة المقاومة الاقتصادية اللاعنفية. وتضغط حركة المقاطعة على الشركات والحكومات لإعادة النظر في دعمها لسياسات إسرائيل. وكان لمثل هذه التدابير آثار ملموسة على اقتصاد إسرائيل وسمعتها الدولية، مما يثبت أن الأدوات المالية والدبلوماسية وسيلة قوية للمقاومة.

وفي مواجهة العنف المفرط والاحتلال العسكري، تظل المقاومة السلمية هي الطريق الأكثر فاعلية وأخلاقية. فهي تسلط الضوء على الظلم الذي يواجهه الفلسطينيون، مما يعزز التضامن العالمي، ويضمن ألا يطغى العنف الانتقامي على السعي لتحقيق العدالة. وفي حين أن الطريق إلى الحرية وتقرير المصير طويل وصعب، فقد أظهر التاريخ أن مرونة حركة موحدة وسلمية هي القوة الأكثر قدرة ضد القمع والاحتلال.

 

اقرأ أيضا:

       • كيف نجحت إسرائيل في فرض مسار تفاوضي حسب شروطها

9