المحادثات النووية الأميركية - الإيرانية: تقدم أم تهديد للعراق؟

تشير التطورات الأخيرة في العلاقات الأميركية – الإيرانية إلى انفراجة محتملة؛ حيث هناك دلائل ملحوظة على أن إيران والولايات المتحدة تقتربان من اتفاق وراء الكواليس بشأن نزع السلاح النووي.
وهذا الانفراج المتطور يثير سؤالا حاسما: هل يمكن أن يأتي التقارب بين طهران وواشنطن على حساب استقلال العراق؟
إن سياسة “الضغط الأقصى” الأميركية أثرت بشكل ملحوظ على الاقتصاد الإيراني، ما خلق حافزًا محتملاً لطهران لتقديم تنازلات كبيرة من أجل تخفيف العقوبات مقابل تنازلات نووية.
وفي أي اتفاق يمثل العراق الأرض الرخوة لتبادل المصالح بين إيران والولايات المتحدة؛ حيث أن الاتفاق النووي الغربي – الإيراني عام 2015 مكن إيران من التدخل في الشؤون العراقية، ومنه إلى المنطقة العربية وخصوصا في سوريا ولبنان ثم اليمن.
وبعد خروج سوريا من النفوذ الإيراني، يتهيأ العراق الآن لولوج مرحلة جديدة من ترتيب وإدارة الصراعات السياسية في المنطقة. ويمكن القول بأن إيران تصعِّد في قضايا الملف النووي حاليا لكي تحقق مكاسب أعلى في الإقليم عموما والعراق خصوصا.
◄ السلام والاستقرار الحقيقيين يجب ألا يضمنا وقف التخصيب النووي فحسب، بل ضمان أن تكون دول المنطقة كافة، بما فيها العراق، حرة في تشكيل مصيرها أيضا
إن التوصل إلى أي اتفاق جديد لا يعالج السيادة العراقية يخاطر بتكرار نمط الاتفاق القديم. وهنا سيكون العراق الحاضر الغائب على مائدة التفاوض، وعلى الأغلب سيكون المرشح لدفع الثمن في أي اتفاق بين الطرفين حول البرنامج النووي والعقوبات والبرنامج الصاروخي الإيراني.
إن المناقشات الدائرة بين رئيس الوزراء العراقي وقادة الميليشيات حول دمج الجماعات المدعومة من إيران في الجيش العراقي بسبب الضغط الأميركي، قد تضفي الشرعية بشكل فعال على النفوذ الإيراني داخل أجهزة الأمن العراقية.
والعراق الذي كان لفترة طويلة شد الحبل الجيوسياسي بين واشنطن وطهران، يجد نفسه مرة أخرى في موقف ضعيف من خلال فهم جديد للولايات المتحدة تجاه النفوذ الإيراني، ويخشى المراقبون من أن العراق قد يعامل كورقة مساومة بدلاً من كونه لاعبا مستقلا، كجزء من اتفاق نووي محتمل.
وفي هذه الحالة ينظر المواطنون العراقيون إلى أي صفقة أميركية – إيرانية محتملة على أنها مكيدة تضحي بمستقبل العراق من جديد. إن الأدلة على تحسن العلاقة بين إيران والولايات المتحدة تزداد قوة. وفي حين أن التوصل إلى اتفاق نووي من المرجح أن يقلل من خطر التصعيد الإقليمي، إلا أنه يمكن أن يعزز أيضًا قبضة إيران على العراق ما لم تتم إدارته بعناية، حتى لا يكون مستقبل العراق ثمنا في أي لعبة جيوسياسية.
إن السلام والاستقرار الحقيقيين يجب ألا يضمنا وقف التخصيب النووي فحسب، بل ضمان أن تكون دول المنطقة كافة، بما فيها العراق، حرة في تشكيل مصيرها أيضا.
وبينما تبحر الولايات المتحدة وإيران في هذه التضاريس الدبلوماسية الحساسة، سيظل مستقبل العراق واستقلاله مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بقراراتهما.