الضبابية تلوح في أفق صناعة البتروكيماويات المتعثرة

التوترات التجارية القائمة ستدفع الشركات إلى تقليص أعمالها مع فقدانها الكثير من الأرباح في السنوات الأخيرة.
السبت 2025/04/05
لحظة تفكير قبل اتخاذ القرار

تقف صناعة البتروكيماويات المتعثرة في مفترق طرق الآفاق القاتمة بسبب التحديات متعددة الأوجه التي تعترض القطاع الحيوي، من أبرزها التوترات التجارية العالمية المتصاعدة التي يمكن أن تعرقل سلسلة الإمداد، ما يفرز ضغوطًا على الشركات والصناعات المعتمدة على الوقود الأحفوري.

نيودلهي - أكد مسؤولون ومحللون أن الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة الشاملة على الواردات تهدد بتقليص الطلب على منتجي البتروكيماويات العالميين وقد تسرع وتيرة خفض الطاقة الإنتاجية في قطاع يعاني من ضعف هوامش الأرباح منذ أشهر.

ومن المتوقع أن تؤدي الرسوم التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب الأربعاء الماضي إلى ارتفاع أسعار سلع مثل الإلكترونيات والأجهزة المنزلية ومواد التغليف، ما يؤثر سلبًا على الاستهلاك ويحد من الطلب على البتروكيماويات.

وفي حين استُثنيت واردات النفط والغاز والمنتجات المكررة من الرسوم، انخفضت هوامش التكرير في آسيا للنافثا، وهي مادة خام رئيسية للبتروكيماويات، بنسبة 13 في المئة لتصل إلى 73 دولارًا للطن مقارنة بخام برنت الخميس، وهو أدنى مستوى منذ 17 يناير.

وتضرر الطلب على المواد الكيميائية المستخدمة في صناعة المواد البلاستيكية، التي تدخل في صناعة كل شيء، من السيارات إلى الهواتف المحمولة، نتيجة تباطؤ النمو والانتعاش الأبطأ من المتوقع منذ الأزمة الصحية.

بانكاج سريفاستافا: الدول المنتجة ستواجه ضغوطا في التشغيل وتراجع الطلب
بانكاج سريفاستافا: الدول المنتجة ستواجه ضغوطا في التشغيل وتراجع الطلب

وتقلصت هوامش المعاملات والأرباح التي تجنيها الشركات في هذا القطاع بسبب التضخم وارتفاع تكاليف الطاقة الناجمة عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية التي اندلعت في أواخر فبراير 2022.

وتبرز سوق البتروكيماويات العالمية كمكون رئيسي في نظام الطاقة العالمي، ما يظهر في الطلب على البلاستيك، أشهر مجموعة من المنتجات، الذي تجاوز مثيله على كل المواد الرئيسية الأخرى مثل الحديد أو الألومنيوم أو الإسمنت.

وقال بانكاج سريفاستافا، نائب الرئيس الأول في شركة ريستاد إنيرجي، لرويترز “على المدى القصير، لنقل خلال عامين أو ثلاثة أعوام، سيتأثر الطلب في الاقتصادات المعتمدة على التصدير.”

وأضاف “إذا فُرضت الرسوم دون أي تغييرات إضافية، فسيتأخر تعافي الهوامش لمدة تتراوح بين ستة أشهر وعام.” وتابع “ستواجه هذه الاقتصادات ضغوطًا لخفض معدلات التشغيل في مصانعها وإغلاق بعض الأصول الخاسرة الحالية.”

وتشير التقديرات إلى أن الطلب على المنتجات الكيميائية كان ينمو بشكل مطرد منذ عام 2000 بفضل نمو الاستثمارات والمشاريع الجديدة قبل أن يتقهقر بسبب قيود الإغلاق الاقتصادي جراء الوباء.

وتشكل المواد الخام البتروكيماوية 12 في المئة من الطلب العالمي على النفط، وهي النسبة التي يتوقع البعض أن ترتفع في حال زاد الطلب على البلاستيك والأسمدة والمنتجات الأخرى.

ووصلت هوامش النافثا إلى نحو 257 دولارا للطن في شهر مارس 2022 وسط مخاوف من انقطاع الإمدادات على طريق البحر الأسود بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

ومنذ ذلك الحين، انهارت هوامش أرباح شركات القطاع مع تراجع الطلب العالمي على البتروكيماويات، في حين دخلت طاقات إنتاجية جديدة حيز التشغيل، معظمها في الصين.

شركات الاستشارات ترجح حدوث انتعاش بحلول عامي 2027 و2028 فقط، عندما يتباطأ نمو الطاقة الإنتاجية الصينية

وترجح الكثير من شركات الاستشارات حدوث انتعاش بحلول عامي 2027 و2028 فقط، عندما يتباطأ نمو الطاقة الإنتاجية الصينية.

وقام كبار المنتجين في آسيا وأوروبا ببيع أصولهم وإغلاق مصانعهم القديمة، بينما تحول المشغلون الأميركيون إلى مواد خام أرخص مثل الإيثان بدلا من النافثا لمواجهة التباطؤ الاقتصادي.

ويتوقع المطلعون على قطاع البتروكيماويات الآن المزيد من المعاناة في أعقاب رسوم ترامب، حيث قد يواجه بعض المنتجين في الاقتصادات الآسيوية، بما في ذلك القوى التصديرية تايوان وكوريا الجنوبية واليابان، ضغوطًا إضافية للإغلاق.

وقال مسؤول بشركة عالمية لتجارة البتروكيماويات، رفض الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام، لرويترز إن “المصانع تعمل بالفعل بأدنى معدلاتها بسبب ضعف هوامش الربح، وقد تجبرها الرسوم على اتخاذ قرار صعب بالإغلاق.”

وقد تُجبر رسوم الاستيراد أيضا على إعادة ترتيب مكلفة لتدفقات التجارة وسلاسل التوريد، التي تأثرت فعلا بالعقوبات المفروضة على صادرات النفط الروسية وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

وبلغت قيمة حجم سوق البتروكيماويات العالمية حوالي 623.83 مليار دولار في عام 2023، ونمت لتبلغ 649.16 مليار دولار العام الماضي.

وتتوقع شركة فورتون بيزنس إنسايتس لأبحاث السوق أن يصل حجم هذه السوق إلى 900.9 مليار دولار بحلول 2032، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.2 في المئة خلال الفترة المتوقعة.

وتشير المؤشرات الرئيسية في سوق النفط إلى احتمالات اختلال ميزان العرض والطلب، بعدما فاجأ تحالف أوبك+ الأسواق بزيادة مبكرة وكبيرة في الإنتاج، بينما تتزايد فيه المخاوف من تباطؤ الطلب العالمي.

وسجّلت أسعار النفط الجمعة خسائر إضافية مع انخفاض بلغ أكثر من 5 في المئة بعد إعلان الصين فرض رسوم جمركية بنسبة 34 في المئة على المنتجات الأميركية ردا على التعريفات التي أقرها ترامب في اليوم السابق.

649.16

مليار دولار حجم السوق وقد يبلغ 900.9 مليار دولار بحلول 2032، وفق فورتون بيزنس إنسايتس

وتقلصت الفجوة السعرية بين العقود مختلفة الآجال لخام برنت الذي يُنظر إليه كمعيار رئيسي لسوق النفط حتى إغلاق الخميس، وكان التراجع أكثر وضوحاً في العقود الأبعد أجلاً.

وعلى سبيل المثال تراجع الفارق بين عقود الشهر الأول والرابع إلى 1.84 دولار للبرميل الخميس، مقارنة بنحو 2.16 دولار خلال اليوم السابق، ما يبرز وجود حالة “باكورديشن”، والتي تكون أسعار العقود الأقرب أجلاً فيها أعلى من نظيرتها الأبعد أجلا.

كما تراجع الفارق بين عقود الشهر الأول ونظيرتها التي يحين أجلها بعد ستة أشهر إلى 2.8 دولار للبرميل الخميس في حالة باكورديشن أيضاً، مقابل 3.53 دولار الأربعاء.

وظهر الاتجاه نفسه على العقود الأبعد أجلاً، بما في ذلك تراجع الفارق بين عقود الشهر الأقرب ونظيرتها التي يحين أجلها بعد عام.

وفارق العقود التي يحين أجلها في ديسمبر المقبل مقارنة بتلك الخاصة بشهر ديسمبر 2026، وهما من أبرز المؤشرات التي يراقبها المستثمرون عن كثب لتقييم التوازنات طويلة الأجل في السوق.

وتزامن الانخفاض الحاد في فروق الأسعار بين العقود مختلفة الآجال مع تراجع أسعار العقود المستقبلية كذلك، حيث سجل سعر النفط الخميس أكبر هبوط يومي منذ 2022، بخسائر تجاوزت 6 في المئة عقب إعلان الرسوم، وهو القرار الذي تبعته مباشرة خطوة أوبك+ بزيادة المعروض.

كما تراجع خام دبي المعيار الرئيسي لسوق النفط في الشرق الأوسط بنحو 5 دولارات خلال جلسة الخميس، وفق بيانات بلومبيرغ فير فاليو، واستمرت الأسعار في الانخفاض خلال تداولات الجمعة.

10