"ماتيس ومارغريت".. كيف تأثر رائد الوحشية هنري ماتيس بابنته

معرض نادر يستعيد علاقة الرسام الفرنسي بابنته مارغريت.
الجمعة 2025/04/04
بعض من رسومات ماتيس لمارغريت

يحاول معرض باريسي استكشاف جوانب خفية ومجهولة من حياة هنري ماتيس تتقاطع فيها عبقريته الفنية مع علاقته مع ابنته مارغريت، لكنه يركز أكثر على ماتيس الإنسان الذي جعل أعماله شاهدة على الكثير من تجربته الإنسانية وكيف رسم ابنته في مختلف مراحلها العمرية والتحديات الصحية والإنسانية التي واجهتها.

باريس - تتقاطع المسيرة الفنية لرائد المدرسة الوحشية الفرنسي هنري ماتيس مع حضور أنثوي طاغ يتمثل في ابنته غير مارغريت، التي حضرت في الكثير من أعماله حيث صورها والدها في أعمال مذهلة وهي تقرأ أو تنام أو تلعب مع قطتها، مركزا على زيها وملامحها المميزة.

وتشكّل اللوحات التي تتمحور حول مارغريت، الابنة الكبرى للفنان التشكيلي الفرنسي الشهير، موضوع معرض نادر يُفتتح الجمعة في متحف الفن الحديث في باريس.

ويبدو الحنان بارزا في “نظرة الأب”، وهو العنوان الفرعي للمعرض الذي يحمل عنوان “ماتيس ومارغريت”، إلى الابنة على ما يظهر في نحو مئة من اللوحات والرسوم والنقوش والمنحوتات المعروضة.

وُلدت مارغريت عام 1894 من علاقة ماتيس غير الشرعية مع الموديل كارولين جوبلو، وقد اعترف بها والدها وربّاها إلى جانب أبنائه من زواجه اللاحق بأميلي نوليي بارير.

ويتضمن المعرض عددا من الأعمال المستعارة استثنائيا من متاحف ومجموعات خاصة في فرنسا والولايات المتحدة وسويسرا واليابان، من بينها “ما عُرض نادرا للجمهور، أو لم يُعرض قطّ،” بحسب المتحف.

مارغريت كانت ملهمة ماتيس الدائمة بدءا من رسوماته الأولى في طفولتها وحتى لوحاته خلال الحرب العالمية الثانية
مارغريت كانت ملهمة ماتيس الدائمة بدءا من رسوماته الأولى في طفولتها وحتى لوحاته خلال الحرب العالمية الثانية

ويُلقي المعرض نظرة مرتبة زمنيا على المراحل الرئيسية في هذا التعاون والتأثر المتبادل بين الأب وابنته، حيث كانت مارغريت، ملهمته الدائمة في قلب العديد من إبداعاته، بدءا من رسوماته الأولى في طفولتها وحتى لوحاته التي رسمها خلال الحرب العالمية الثانية.

ويرتكز المعرض على “المراسلات المكثفة التي جرت بين الأب وابنته وتنمّ عن العاطفة المتبادلة بينهما، وعن الدور المهم الذي أدته مارغريت في أعمال ماتيس”، على ما لاحظت إيزابيل مونو فونتين، أمينة المعرض مع إيلين دي تالويت وشارلوت بارا مابيّ.

وأشارت إيزابيل مونو فونتين أمام لوحة عن مارغريت كطفلة منحنية فوق كتاب، في أول أستوديو للفنان في باريس، إلى أن الابنة كانت “طفلة الأستوديو”، ثم أصبحت السكرتيرة الفنية لوالدها.

وفي وقت لاحق، أصبحت مارغريت أيضا وكيلة والدها ووسيطته مع هواة جمع الأعمال الفنية في العاصمة الفرنسية، بينما كانت تشرف على طباعة نقوشه.

في لوحة «الأستوديو الأحمر» التي رسمها عام 1911، صور ماتيس مارغريت، مدبرة منزلية بارعة. وحتى عام 1920 كان يصورها وهي تضع شريطا أسود حول رقبتها.

وأوضحت فونتين أن هذا الشريط كان “يخفي ندبة خلفتها عملية ثقب القصبة الهوائية التي خضعت لها مارغريت وهي في السابعة من عمرها، جراء إصابتها بمرض الخناق (الدفتيريا) الذي سبّب لها آلاما شديدة، قبل أن تنقذها عمليتان جراحيتان.”

ن

وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت الفتاة بمثابة وسيطة للمقاومة الفرنسية، واعتُقلت في رين (غرب فرنسا)، وتعرضت للتعذيب ونجت بأعجوبة من الترحيل إلى ألمانيا النازية في أغسطس 1944.

وأصيب ماتيس بصدمة عميقة جراء المحنة التي تعرضت لها ابنته، فرسم آخر لوحاته لها عام 1945، معبّراً عن قلقه العميق عليها. وعندما عادت كانت في الخمسين من عمرها، بدأ والدها الذي كان يعيش في مدينة فانس (جنوب شرق)، في رسم وجهها مجددا. ورسم أيضا حفيده كلود الذي ولد من علاقة مارغريت مع الكاتب والناقد الفني جورج دوتوي، الذي تزوجها في عام 1923.

واستمرّت مارغريت في العمل للحفاظ على إرث والدها حتى وفاتها عام 1982 عن عمر ناهز 87 عاما.

ويعد هنري ماتيس (1869 – 1954) من كبار أساتذة المدرسة الوحشية، تفوّق في أعماله على أقرانه، واستعمل تدريجات واسعة من الألوان المنتظمة في رسوماته الإهليجية التي كانت تُعْنى بالشكل العام للمواضيع، مهملة التفاصيل الدقيقة، ويعتبر من أبرز الفنانين التشكيليين في القرن العشرين.

أقام ماتيس فترة بمدينة طنجة المغربية، أثرت فيه بشكل مباشر، واحتفظت ذاكرته بأزقة ومقاهي وفنادق أشهر المدن المغربية، مثل طنجة، ومراكش، وفاس، والصويرة، والتي ظهرت في لوحاته.

وتتضمن أعماله لوحات تصويرية، منقوشات، منحوتات، زجاجيات (كنيسة الدومينيكيين في فينشي، 1950 م)، وتَعرض العديد من متاحف العالم أعماله، وخصص اثنان منها له في فرنسا، أحدهما في نيس  والآخر في كاتو.

وبقي ماتيس ينوع أساليبه الفنية حتى نهاية حياته كما أنه كان دائم التجريب ومحبا للألوان الصارخة وفي آخر حياته اهتم بفن الكولاج ونشر عام 1947 كتابه “الجاز” ذا الطبعات القليلة والذي يحتوي داخله على لوحات مطبوعة ملونة بتقنية الكولاج.

ومنذ العام 1951، انهمك في تصميم المدخل والنوافذ الزجاجية والديكورات الداخلية لكنيسة فونس إلى أن توفي بنوبة قلبية عام 1954 عن أربعة وثمانين عاما ودفن في مقبرة بالقرب من مدينة نيس الفرنسية.

ومن أشهر أقواله “ما أحلم به هو فن التوازن والنقاء والصفاء الخالي من موضوع مزعج أو محبط.. تأثير مهدئ للعقل، شيء يشبه الكرسي الجيد الذي يوفر الاسترخاء من التعب الجسدي.”

15