إسقاط مسيّرة يضع الأمن الجزائري في مرمى التهديدات المالية والتركية

الجزائر – أبرز إعلان الجيش الجزائري عن إسقاط طائرة مسيرة اخترقت المجال الجوي بأقصى الجنوب، وحديث الجيش المالي عن تحقيق في اختفاء طائرة مسيرة، هشاشة الوضع الأمني في منطقة الساحل الأفريقي، وحجم التهديدات المحدقة بالأمن الإستراتيجي الجزائري، بالتزامن مع توجيه الجزائريين أصابع الاتهام لمالي وتركيا التي تزودها بالمسيرات.
وأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن إسقاط طائرة دون طيار ببلدة تين زواتين، في أقصى الحدود الجنوبية، وذلك بعدما اخترقت المجال الجوي لمسافة كيلومترين، دون أن تقدم تفاصيل أخرى، لكن الحادثة العسكرية النادرة على الشريط الحدودي الفاصل بين البلد ومنطقة الساحل تترجم حجم التهديدات الأمنية المحدقة وإمكانية الانجرار إلى مواجهات ميدانية.
وما يلفت النظر أن صور حطام الطائرة، التي تم تداولها على نطاق واسع في شبكات التواصل الاجتماعي، تتضمن بيانات تركية عن نوعية مسيرة بيرقدار، التي تدعم بها أنقرة الجيش المالي بموجب اتفاقيات تعاون عسكري بين تركيا والمجلس العسكري الحاكم في مالي، وهو ما يؤكد تورط الجيش المالي والسلاح التركي في الحادثة التي ترى فيها الجزائر جرا للمنطقة نحو عدم الاستقرار والمواجهات المسلحة.
ويزيد هذا الحادث مخاوف الجزائريين من الدورين التركي والروسي في مالي وتغذيتهما للصراع بين المجلس العسكري الحاكم والمجموعات الانفصالية المحسوبة على الجزائر التي لم تعلن إلى حد الآن عن احتجاجها على حلفائها الروس والأتراك بسبب التطورات التي تهدد أمنها.
ومن غير المعروف ما إذا كانت الجزائر، التي دأبت على افتعال الأزمات وتضخيمها، ستخرج الصراع مع موسكو وأنقرة إلى العلن، أم أنها ستكتفي بالصمت وانتظار مآل التطورات الميدانية. وتتجنب الجزائر التدخل المباشر في مالي خوفا من مفاجآت مثل الصدام مع حلفائها الروس أو الأتراك.
وقال بيان صادر عن الوزارة، نشرته على صفحتها الرسمية في فيسبوك، إن “وحدة تابعة للدفاع الجوي تمكنت ليلة الفاتح من أبريل 2025 في حدود منتصف الليل، من رصد وإسقاط الطائرة دون طيار.”
وأضاف البيان أن “إسقاط المسيّرة جاء في سياق الجهود المبذولة لحماية الحدود الوطنية، وأن العملية النوعية تؤكد مرة أخرى اليقظة العالية والاستعداد الدائم لوحدات الجيش الوطني الشعبي لحماية حدودنا البرية والجوية والبحرية من أي تهديد يمس بالسيادة الوطنية.”
وتأتي الحادثة في ظل مساعي خفض التوتر بين الجزائر وباماكو، بعد تعيين السفير المالي الجديد محمد أماغا دولو، الذي صرح عقب تسليم أوراق اعتماده للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بأن بلاده “تتقاسم مع الجزائر مصيرا مشتركا في مجالات السلم والأمن والتنمية، وأن البلدين تربطهما روابط عريقة،” فضلا عن تقارب كبير بين الجزائر وتركيا، حيث ينتظر أن يلتقي رئيسا البلدين قريبا، حسب ما جاء في آخر اتصال هاتفي جرى بينهما بمناسبة تبادل تهاني عيد الفطر.
وما زالت الروايات تتضارب بشأن الطائرة المسيرة؛ فقد أعلن الجيش المالي بدوره في بيان له أن “طائرة مسيَّرة تابعة له تحطمت ليل 31 مارس 1 أبريل في منطقة غير مأهولة في تين زواتين بولاية كيدال، دون وقوع أضرار بشرية أو مادية على الأرض.”
وتين زواتين هي بلدة حدودية مقسمة بين التراب الجزائري والتراب المالي، وسكانها من إثنية واحدة في الغالب، غير أن كل جزء يخضع لسيادة البلد الذي يتبعه.
وأضاف الجيش المالي أن “البروتوكولات الأمنية منعت من حصول أي انفجار للأسلحة الموجودة على متنها، وأنه تم فتح تحقيق فوري، لتسليط الضوء على ظروف الحادث، ومعرفة الأسباب وتحديد المسؤوليات المحتملة. وسيتم إبلاغ الرأي العام بشكل منتظم بنتائج التحقيق.”
ولفت إلى أن الطائرة كانت في “مهمة اعتيادية لمراقبة التراب الوطني في إطار عمليات تأمين الأشخاص والممتلكات،” ويوحي ذلك بالنشاط الاعتيادي للسلاح الجوي في المنطقة، لكن اختراقها للمجال الجوي يطرح فرضيات أخرى حول التجسس والقيام بقصف داخل التراب الجزائري، لأنها كانت محملة بالأسلحة.
ومن جهته أعلن المتحدث باسم جبهة تحرير أزواد محمد المولود رمضان في بيان مقتضب عن إسقاط الجبهة طائرة دون طيار في تين زواتين في وقت متأخر من ليلة الفاتح من أبريل، كما أظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي أفرادا يرتدون الزي التارقي ويحملون أسلحة رشاشة بالقرب من حطام طائرة.
وذكر المتحدث، في البيان الذي جاء في صفحته الرسمية على فيسبوك، أن “الطائرة عبارة عن جهاز إرهابي يتم التحكم فيه عن بعد من قبل مرتزقة أجانب، استخدمه المجلس العسكري الإجرامي (المالي) بلا كلل ودون تمييز في أزواد ضد المدنيين وممتلكاتهم منذ استيلائه على السلطة.”
وأعلن الجيش المالي الأربعاء عن القضاء على مسلحين، إثر غارات جوية استهدفت سيارات رباعية الدفع، على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب شرق تين زواتين، قرب الحدود الجزائرية.
وقال “السيارات كانت تحمل إرهابيين، والمعلومات الاستخبارية أكدت طبيعة الهدف الذي تم التعامل معه بشكل ناجح، وتحليل الانفجار عن بعد كشف عن وجود كميات كبيرة من المواد المتفجرة.”
وهذا المعطى يؤكد ملاحقة الجيش المالي المدعوم من طرف مسلحي مجموعة فاغنر الروسية، وبالسلاح التركي، للمجموعات المسلحة المعارضة على تخوم الأراضي الجزائرية، ما يطرح إمكانيات الالتحام أو الاشتباك مع وحدات حراسة الحدود وتشكيل خطر على أمن سكان الشريط الحدودي وسلامتهم، بمن فيهم الأزواديون المدنيون الذين يلجأون إلى الجزائر فرارا من الملاحقات العسكرية.
وفي المقابل أعلن ناشطون في جبهة تحرير أزواد عن أن غارة الجيش المالي استهدفت منقبين عن الذهب، وهو العمل الذي ينتشر في المنطقة، حيث سبق للبعض منهم أن تعرضوا لاستهدافات عسكرية بسبب الاشتباه في وضعهم ونشاطهم.