اتهامات الخزعلي لتركيا تعكس قلق حلفاء إيران على نفوذ حليفتهم في العراق

تقدم النفوذ التركي داخل العراق وفي جواره السوري بدأ يتحوّل إلى واقع ملموس على الأرض، مثيرا قلق معسكر الموالاة لإيران المشكّل من أحزاب وفصائل عراقية مسلّحة ومتنفّذة داخل السلطة العراقية ولا تتوانى في ممارسة ضغوط على حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني لفرملة اندفاعه نحو أنقرة وغيرها من عواصم الإقليم، سعيا لتنويع شركاء البلاد وتوسيع دائرتهم.
بغداد - عكست اتهامات وجهها قيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحقّ إلى تركيا بتشكيل ميليشيات تابعة لها في العراق، المزاج السلبي السائد داخل ما يعرف بمعسكر الموالاة لإيران والمشكّل من سياسيين وقادة فصائل شيعية مسلّحة، تجاه التطور الملحوظ في العلاقات العراقية – التركية، كون ذلك التطور وفقا لمنظور هؤلاء يتم على حساب حلفائهم الإيرانيين ويشكل خطرا على نفوذهم الواسع في البلاد.
ويحتل الخزعلي مع عدد من كبار رموز المعسكر المذكور مركزا مهما في السلطة العراقية من موقعه كعضو في الإطار التنسيقي المشكّل لحكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني، الأمر الذي يعكس حجم العقبات التي تعترض التوجّه الحكومي نحو المزيد من الانفتاح على تركيا وباقي دول الإقليم بحثا عن تعاون فعّال يوفّر حلولا وخيارات للعراق في عدّة ملفات وقضايا أمنية واقتصادية وتنموية من بينها أزمة المياه وأزمة الطاقة الكهربائية.
تسارع نسق التواصل والتنسيق بين تركيا والعراق تجسده زيارة وشيكة للسوداني إلى أنقرة تعقبها زيارة لأردوغان إلى بغداد
وفيما أُعلن عن خطوة جديدة على طريق تطوير العلاقات التركية – العراقية بالكشف عن زيارة وشيكة للسوداني إلى أنقرة تعقبها في وقت لاحق من السّنة الجارية زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد، تعمّد الخزعلي دفع عملية التخويف من دور تركيا في العراق إلى أقصاها بحديثه عن تسليح تركيا لـ”الآلاف” من المقاتلين ونشرهم في مناطق بالشمال العراقي.
وتعكس المبالغة في الحديث عن دور أمني لتركيا داخل العراق، خارج المعركة التي تخوضها ضدّ مقاتلي حزب العمّال الكردستاني في عدد من مناطق الشمال العراقي وبضوء أخضر من بغداد وسلطات الحكم الذاتي في إقليم كردستان، قلق إيران وحلفائها العراقيين من دخول أنقرة كلاعب أساسي في معركة النفوذ في البلد بعد أن قلبت موازين القوّة في سوريا المجاورة لمصلحتها بنجاحها في الدفع بحلفائها هناك إلى سدّة الحكم عقب سقوط نظام بشار الأسد حليف الإيرانيين.
وتحدّث قائد العصائب في خطبة أمام مجموعة من أنصاره عن وجود ميليشيات مسلحة قوامها الآلاف من المقاتلين يتم تدريبهم وتمويلهم وإدارتهم بشكل كامل من قبل تركيا، مشيرا إلى أن هذه الجماعات تنشط في محافظتي نينوى وكركوك ويتم استقطاب عناصرها وإرسالهم إلى تركيا لتلقي التدريبات قبل إعادتهم إلى العراق.
وقال إنّ هؤلاء المقاتلين يتلقون رواتب منتظمة من السلطات التركية ويشكّلون ما يعرف بقوات حرس نينوى وقوات درع كركوك.
ويشير الخزعلي بكلامه إلى ميليشيا سنية كانت قد تشكّلت في محافظة نينوى لمواجهة عناصر تنظيم داعش لدى غزوهم مناطق عراقية بدءا من سنة 2014 وأخرى تركمانية تشكلت لنفس الغرض في محافظة كركوك، لكنهما لم ترتقيا من حيث القوّة والتأثير الأمني والسياسي لما بلغته الميليشيات الشيعية على غرار العصائب بعد أن تمّ جمع العشرات منها تحت لواء الحشد الشعبي المنتشر على نطاق واسع في مناطق العراق بما في ذلك مناطق شمال وغرب البلاد.
وتعترف الدولة العراقية ببعض المقاتلين السنّة وتستوعبهم كجزء من الحشد، وهو ما اعتبره الخزعلي اختراقا خطيرا له من قبل تركيا حيث قال في خطبته “بقدرة قادر تم إدخال قسم من هؤلاء المقاتلين ضمن تشكيلات الحشد الشعبي وهم الآن يستلمون رواتب تحت عنوان قوات الحشد وتحديدا في لواء تسعة وخمسين في نينوى”، داعيا إلى فتح تحقيق عاجل حول هذا الملف “لمعرفة كيفية تسلل هؤلاء المقاتلين إلى صفوف الحشد الشعبي، ومن يقف وراء إدخالهم، خاصة وأنهم كانوا جزءا من قوات تم تدريبها وتمويلها خارج العراق.”
الدولة العراقية تعترف ببعض المقاتلين السنّة وتستوعبهم كجزء من الحشد وهو ما اعتبره الخزعلي اختراقا خطيرا له من قبل تركيا
ولا يصدر قلق حلفاء إيران في العراق على نفوذ حليفتهم من فراغ، حيث حققت العلاقات التركية-العراقية خلال الفترة الماضية قفزات نوعية جسّدها التعاون الأمني بين الطرفين ضدّ حزب العمال الكردستاني الذي صنفته بغداد أخيرا تنظيما محظورا وسمحت للقوات التركية بملاحقة عناصره في عدّة مناطق بالشمال العراقي، كما جسّدها مشروع طريق التنمية المشترك بين العراق وتركيا والإمارات وقطر والذي من المقرر أن يربط مياه الحدود التركية بمياه الخليج عبر الأراضي العراقية.
وكثفت السلطات العراقية والتركية بشكل كبير من وتيرة التواصل والتشاور الثنائي بينهما على أعلى مستوى. وفي هذا السياق كشف وزير النقل التركي عبدالقادر أورال أوغلو أن رئيس الوزراء العراقي سيزور تركيا خلال الأيام المقبلة فيما سيزور الرئيس التركي العراق خلال الشهرين القادمين، وذلك للمرة الثانية منذ زيارته الأولى لبغداد في مارس من العام الماضي.
ونقلت صحيفة “تركيا اليوم” المحلية في سياق تقرير لها حول طريق التنمية عن الوزير أوغلو قوله إنّ الزيارات رفيعة المستوى ذات علاقة بإجراءات تنفيذ المشروع وخصوصا الاتفاقيات المرتبطة بالتمويل وغيره من التفاصيل العملية، مؤكّدا أن الطريق الذي يهدف إلى ربط جنوب العراق بأوروبا عبر تركيا يحظى باهتمام جهات دولية متعددة.
ولا تمنع الجدية والإصرار اللذين أظهرتهما حكومة السوداني على المضي في المشروع وتنفيذه ليعوض عن حالة الركود التنموي الطويل الذي شهده العراق على مدى أكثر من عقدين من الزمن، قوى موالية لطهران مشاركة في تشكيل الحكومة ذاتها من التشكيك في جدواه وذلك من منطلقات سياسية على صلة بصراع النفوذ بين تركيا وإيران ومنفصلة تماما عن أي اعتبارات واقعية مالية واقتصادية.