حملات المقاطعة على مواقع التواصل سلاح المعارضة المؤلم للحكومة التركية

هناك مقاطعة مزدوجة واحدة ينظمها حزب الشعب الجمهوري، والأخرى أكثر عفوية، بقيادة المجتمع المدني.
الخميس 2025/04/03
مقاطعون

أنقرة - شهدت مواقع التواصل الاجتماعية التركية حملة واسعة تدعو إلى مقاطعة استهلاكية ضمت علامات تجارية كبرى ووسائل إعلام محلية، في إطار التحركات المناصرة لرئيس بلدية إسطنبول المعتقل أكرم إمام أوغلو، وأثارت غضب الحكومة.

وزادت وتيرة الحملة بعد أن دعا إمام أوغلو "ملايين الناس للانضمام إلى حملة المقاطعة،" في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يبدو أنه أُرسل من السجن. ونشر حزب “الشعب الجمهوري” المعارض قائمة ضمت 18 علامة تجارية ومؤسسة إعلامية مطالبا أنصاره بمقاطعتها، متهما إياها بتجاهل قضية اعتقال إمام أوغلو أو الوقوف إلى جانب الحكومة.

وتضمنت القائمة سلسلة مقاهي “إسبرس-لاب” والتلفزيون الحكومي “تي.آر.تي” وقناة “سي.إن.إن” النسخة التركية، بالإضافة إلى شركات أخرى في قطاعات صناعة الأثاث والبترول والغذاء. وتصدرت “إسبرس-لاب” وسائل التواصل الاجتماعي بعد تأكيد زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور  أوزيل على ضرورة مقاطعتها خلال حشد من مناصري إمام أوغلو، قائلا: “أنا أحب القهوة التركية، وأحب القهوة المفلترة، اشربوا ما تريدون، ولكن لا تشربوا مشروب إسبرس-لاب.”

وأظهرت لقطات مصورة قيام أشخاص برش واجهة أحد فروع مقاهي “إسبرس-لاب” في مدينة إسطنبول بما يشبه الطلاء الأحمر، في حين وثقت مقاطع فيديو أخرى احتشادات وتجاذبات أمام فروع تابعة لسلسلة المقاهي المحلية.

واستنكرت سلسلة المقاهي في بيان، وضعها على قائمة المقاطعة من قبل المعارضة التركية، مشيرة إلى أنها “تعمل في صنع القهوة، وليس السياسة.” وشكلت المقاطعة جزءًا من إستراتيجية المعارضة للبناء على احتجاجات الشوارع التي اندلعت الشهر الماضي عقب اعتقال إمام أوغلو، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أكبر منافس للرئيس رجب طيب أردوغان.

وردا على هذه الدعوة، أطلق مؤيدون للحكومة دعما للعلامة التجارية المتخصصة ببيع القهوة، حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي مشاركات تظهر إقبالا كثيفا على فروع “إسبرس-لاب”، مع نشر صور لناشطين وسياسيين ومواطنين وهم يشربون القهوة. وانضم إلى الحملة سياسيون ورؤساء بلديات من حزب العدالة والتنمية الحاكم، في حين تداول ناشطون صورة تظهر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أحد مقاهي “إسبرس-لاب.”

◙ وتيرة حملة المقاطعة زادت بعد أن دعا أكرم إمام أوغلو "ملايين الناس للانضمام إلى حملة المقاطعة"
وتيرة الحملة زادت بعد أن دعا أكرم إمام أوغلو "ملايين الناس للانضمام إلى حملة المقاطعة"

وبات الأمر أشبه بحرب حملات، حيث اتسع نطاق دعوة المقاطعة الأربعاء ليشمل وقف كل عمليات التسوق ليوم واحد، مما دفع بعض المتاجر إلى الإغلاق تضامنا مع أولئك الذين ينتقدون الاعتقال باعتباره محاولة ذات دوافع سياسية ومعادية للديمقراطية لإلحاق الضرر بفرص المعارضة في الانتخابات.

وانضم إلى المقاطعة خلال الساعات الماضية، عدد من المقاهي والمطاعم وأماكن العمل، حيث أعلن أصحابها أنهم لن يفتحوا متاجرهم أو يجرون عمليات البيع، في الثاني من شهر أبريل. وفي إسطنبول وأنقرة، بقيت الطاولات خاوية في المقاهي التي تكون مزدحمة عادة، وتحدثت متاجر كثيرة عن انخفاض كبير في أعداد الزبائن.

ودافع معلقون عن المقاطعة قائلا إنها ضرورية لتوجيه رسالة إلى الحكومة. وأضافوا أن “المقاطعة قرار صائب. كان ينبغي أن يُتخذ مبكرا. هذا ما ينبغي علينا فعله، وعلى الناس أن يُظهروا رد فعلهم. إذا استمرت الحكومة على هذا المنوال، فإن البلاد ستزداد سوءا.”

وتصاعدت الحملة على مواقع التواصل بعد أن أعلنت شركة “دي.بي.ال.انترتينمينت” إلغاء مشاركتها في سلسلة من حفلات الروك الكبيرة التي كانت قد نظمتها في وقت لاحق من هذا العام بعد أن وصف مالكها المقاطعة بـ”الخيانة” وواجهت عاصفة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتضرر الاقتصاد التركي من أزمة تكاليف معيشة مستمرة منذ سنوات وسلسلة من انهيارات العملة، وسط تباطؤ النمو وارتفاع التضخم إلى 39 في المئة في فبراير. وإثر تصاعد الحملة، بدأت النيابة العامة الثلاثاء تحقيقا حول من روجوا لدعوات المقاطعة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

واعتبر مكتب المدعي العام في إسطنبول في بيان أن هذه الدعوات قد تشكل محاولة لمنع شريحة من المواطنين من المشاركة في الأنشطة الاقتصادية، مشيرا إلى احتمال انتهاكها لقوانين مكافحة خطاب الكراهية والتحريض على العداء العام. واستخدم عدد من الوزراء والمشاهير المؤيدين للحكومة هاشتاغ “ليست مقاطعة، بل ضرر وطني” للتأكيد على موقفهم.

ونددت الحكومة التركية بدعوات المعارضة إلى مقاطعة تجارية جماعية ووصفتها الأربعاء بأنها “محاولة لتخريب” الاقتصاد. وعلق أردوغان عليها قائلا: “لن تسمح أمتنا لأي علامة تجارية محلية ووطنية تنتج وتوفر فرص عمل في هذا البلد بأن تقع فريسة للسياسات الفاشية لقلة من الطموحين.” وقال جودت يلماز نائب الرئيس التركي إن هذه الدعوات تهدد التناغم الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي، وإنها “محكوم عليها بالفشل.”

◙ المقاطعة شكلت جزءًا من إستراتيجية المعارضة للبناء على احتجاجات الشوارع عقب اعتقال إمام أوغلو الذي يُنظر إليه على أنه أكبر منافس لأردوغان

من جهته، اعتبر وزير التجارة عمر بولات إن دعوات المقاطعة تشكل تهديدا للاستقرار الاقتصادي واتهم أولئك الذين يروجون لها بالسعي إلى تقويض الحكومة. وأضاف أن هذه “محاولة لتخريب الاقتصاد تتضمن ظلما تجاريا وتنافسيا. ونرى أنها محاولة عقيمة من جهات تعتبر نفسها أسياد هذا البلد.”

وقال بولات في مقابلة مع مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية “تي.آر.تي” الأربعاء “أوجه نداء لمواطنينا. إذا كانت لديكم أي خطط تسوق لليوم أو غدا أو بعد غد أو في الأيام المقبلة، فإننا نشجعكم بشدة على إتمام مشترياتكم وممارسة أعمالكم اليوم،” ثم ظهر على قنوات تلفزيونية أخرى ليكرر نفس الرسائل.

وكان أردوغان شن في أكثر من مناسبة هجوما حادا على المعارضة، معتبرا أن ما شهدته بلاده خلال الأيام الماضية “يؤكد مجددا أن تركيا، كدولة كبيرة، فيها حزب معارضة رئيسي يفتقر إلى البصيرة والرؤية والجودة، ويبدو صغيرا وضعيفا سياسيا.”

ومن وجهة نظر أكاديمية، يرى بيرك إيسن الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة سابانجي في إسطنبول “يبدو أن هناك عملية مزدوجة واحدة ينظمها حزب الشعب الجمهوري المعارض، والأخرى أكثر عفوية، بقيادة المجتمع المدني.” وأضاف “لم تكن مقاطعة الحفلات الموسيقية مبادرة من حزب الشعب الجمهوري. وينطبق الأمر نفسه على مقاطعة المستهلكين.”

وأضاف إن توسيع الدعم الشعبي للمقاطعة قد يُصعّب على الحكومة تصويرها على أنها مصدر قلق غير مشروع. ومع ذلك، يبدو أن الرأي العام التركي منقسمًا بشأن هذه القضية.

واعتقلت الشرطة التركية حتى الآن حوالي 2000 شخص خلال الاحتجاجات الأكبر في البلاد منذ أكثر من عقد. ولاحقا هدأت المظاهرات اليومية التي كانت أحيانًا عنيفة، لكن حزب الشعب الجمهوري قال إنه يهدف بدلاً من ذلك إلى تنظيم المزيد من المظاهرات المنضبطة في جميع أنحاء البلاد في نهاية كل أسبوع، وفي مناطق مختلفة في إسطنبول كل أربعاء.

5