الأردن والعراق وتجار الفتنة

مزعجٌ جدًا ومحزنٌ ما هتف به غوغائيون أردنيون وفلسطينيون في ملعب كرة القدم في عمّان، ومزعجٌ ومحزنٌ أيضًا ما فعله، بالمقابل، ردًا عليهم، غوغائيون عراقيون. طبعًا، لا يخلو شعبٌ من نفرٍ ضالٍ وغير حكيمٍ وغير مهذب، لكن ليس من العقل والعدالة أن نتهم شعبًا كاملًا بالضلال والحماقة وعدم التهذيب. والمستغرب أن عراقيين كثيرين ما زالوا يزايدون ويبالغون في الرد على الشتيمة بشتائم أكثر حماقةً من الأولى.
كان ينبغي اعتبارها خطيئةً مشينةً، ولكن عابرة، لا ينبغي السماح لها بتخريب علاقةٍ تاريخيةٍ بين الشعب العراقي والشعب الأردني والفلسطينيين والقضية الفلسطينية ذاتها، في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة التي أوصلتها إليها حماس وحزب الله وإيران، خصوصًا في ظل العربدة الإسرائيلية في غزة ولبنان وسوريا.
والأكثر مدعاةً للأسف، ألا يكتفي هذا النفر العراقي بالشتم المقذع لكل الأردنيين ولكل الفلسطينيين، بل يمنّ عليهم ويعدد أفضال العراق على الأردن وفلسطين، وعلى القضية الفلسطينية ذاتها. ورغم أن هذا شيءٌ مَعيب، إلا أن هذا النفر ينسى أن ما كانت تقدمه الحكومات العراقية المتعاقبة للأردن لم يكن هدايا لوجه الله تعالى، ولا حبًا في سواد عيون الأردنيين، بل كان مقابل خدماتٍ يحتاج إليها العراق، ومصالح تفرضها الظروف.
وأغلب الظن أن النفر الكروي الأردني – الفلسطيني الغوغائي الضال لم يكن يقصد كل مواطنٍ عراقي.. “الحر تكفيه الإشارة.” فلا شك في أن الكثير من الفلسطينيين والأردنيين ما زالوا يبغضون الأحزاب الطائفية العراقية التي سهّلت الهيمنة الإيرانية على العراق، وشاركتها وما تزال تشاركها في تهديد الأمن القومي لدول الجوار العربي، وفي شن الحملات العدائية الطائفية الحاقدة ضد كل عربيٍ يعارض الدور الإيراني التخريبي في المنطقة.
◄ كان على العراقيين العقلاء أن يتركوا لوزارة الخارجية مهمة لملمة هذه الأزمة الطارئة بالطرق الدبلوماسية للحفاظ على العلاقات الأخوية بين الشعبين خصوصا بعد أن اعتذرت الحكومة الأردنية بأكثر من وسيلة
ولا ننسى أن المملكة الأردنية تتعرض، في هذه الفترة الزمنية تحديدًا، لأصعب الضغوط الإسرائيلية والأميركية من أجل فرض توطين الفلسطينيين الغزاويين على أرضها، بكل وسيلةٍ متوفرة. ولا أستبعد أن يكون للأصابع الإسرائيلية الخبيثة وخلايا موسادها النائمة دورٌ في تلك الحماقة، كجزءٍ من عقابٍ مقصود. كما لا أستبعد أيضًا أن يكون لإيران وخدمها العراقيين دورٌ في استثمار هذه الخطيئة، وتسخين الشارع العراقي ضد الأردن، كردٍ انتقامي على مواقف العاهل الأردني الثابتة ضد التوسع الإيراني في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين.
ولا ننسى أن الملك عبدالله الثاني كان أول من حذر من الهلال الشيعي مبكرًا، في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2004، وهو ما أشعل غضب المرشد الأعلى الإيراني يومها، وباقي القادة العسكريين والمدنيين الإيرانيين وذيولهم في المنطقة.
كما يمكن إضافة دافعٍ آخر لذلك الهتاف الأحمق السخيف، وهو الغضب المتصاعد في صفوف الفلسطينيين على إيران التي مولت وسلحت وورطت حماس بطوفان الأقصى، ثم هددت بأنها تعتبر أي دخولٍ عسكريٍ إسرائيلي إلى غزة خطًا أحمر. ثم دخل الجيش الإسرائيلي غزة، وقتل وأحرق ودمر، حتى حولها إلى خراب، والحكومة الإيرانية ترى وتسمع وتطنش.
إن كثيرًا من الفلسطينيين والأردنيين والعراقيين والعرب الآخرين بدأوا يقتنعون بأن إيران مسؤولةٌ مسؤوليةً كاملةً عما حل بغزة ولبنان وفلسطين وسوريا، وهي التي منحت بنيامين نتنياهو الفرصة ليصبح شرطي الشرق الأوسط الجديد دون منازع.
لقد كان على العراقيين العقلاء أن يتركوا لوزارة الخارجية مهمة لملمة هذه الأزمة الطارئة بالطرق الدبلوماسية، للحفاظ على العلاقات الأخوية بين الشعبين، خصوصًا بعد أن اعتذرت الحكومة الأردنية، بأكثر من وسيلة، عن ذلك التصرف الأحمق المشبوه الذي شهده ملعب كرة القدم في عمّان.
والأسوأ من الأسوأ هو تنادي أهل الأنبار إلى منع مرور ناقلات النفط العراقي إلى الأردن، وهو سلوكٌ أقل ما يقال فيه إنه غوغائيٌ أهوج، فيه الكثير من الحماقة، ومخالفٌ للاتفاقات الدولية الموقعة بين الحكومتين، ومخالفٌ أيضًا لأبسط أصول الأخوة والجيرة.
فما أحوجنا إلى العقلانية والوسطية، وإلى احترام وشائج الأخوة بين الشعبين. إن على عقلاء العراقيين أن يمنعوا الغوغائية الطائفية من الاستمرار في استغلال هذه المسألة العابرة، لأغراضٍ سياسيةٍ غير وطنية، وغير بريئةٍ من الطائفية، تسيء إلى الدولة العراقية قبل غيرها.