مباراة كرة قدم تؤجج فتيل التوتر بين العراق والأردن

بغداد – يمثل طلب وزير الشباب والرياضة العراقي، أحمد المبرقع، من وزارة الخارجية اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم الاتحاد العراقي لكرة القدم شكوى رسمية للاتحادين الآسيوي والدولي، تصعيدا دبلوماسيا واضحا على خلفية هتافات مسيئة صدرت من بعض الجماهير الأردنية خلال مباراة كرة القدم التي جمعت منتخبي فلسطين والعراق في عمان.
ويعكس هذا التصعيد جدية بغداد في التعامل مع القضية، وسعيها إلى تدويلها، ما يضع العلاقات العراقية الأردنية في اختبار حقيقي.
وتداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو تظهر مجموعة من الجماهير الرياضية الأردنية والفلسطينية تردد هتافات وصفت بالعنصرية والسياسية عقب المباراة، الأمر الذي قوبل برفض من الشارع العراقي، مع مطالبات باتخاذ خطوات حكومية رادعة لمثل تلك الأفعال التي ترافق مباريات المنتخب العراقي.
وذكر المبرقع، مخاطبا الخارجية العراقية بحسب وثيقة أوردتها وكالة "شفق نيوز"، الكردية العراقية، أنه "في الوقت الذي تواجه المنطقة والشعوب العربية تحديات كبيرة تستدعي التضامن ووحدة الصف ونبذ الخلافات، وهذا ما سعينا له من خلال جعل الرياضة أداة من أدوات توحيد الشعوب فوجئنا بصدور هتافات مسيئة لبلدنا وشعبنا من الجماهير الأردنية التي كانت حاضرة في ملعب عمان الدولي في العاصمة الأردنية عمان".
ودعا المبرقع الى "مفاتحة الجانب الأردني، وبيان موقف العراق والدعوة لمحاسبة السيئين".
وتزامنت دعوة البرقع مع إعلان الاتحاد العراقي لكرة القدم في بيان الجمعة، تقدمه بشكوى رسمية إلى الاتحادين الآسيوي والدولي (فيفا) تتعلق "بالأحداث التي رافقت مباراة العراق وفلسطين في العاصمة الأردنية عمان (الأرض المُفترضة لفلسطين) في 25 مارس، ضمن الجولة الثامنة من تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم 2026".
وأوضح البيان أن المباراة تخللها هتافات موثقة بالفيديو تضمنت "ألفاظا عدائية وعنصرية وسياسية بذيئة".
وتابع "قام مسؤولو الملعب بفتح أبواب الدخول إلى المباراة أمام الجماهيرِ الأخرى بعد انطلاق المباراة بدقائق، وصدرت بعدها الهتافات السياسية والعنصرية، فضلا عن التهديدات التي تعرض لها منتخب العراق ومشجعوه من قبل الجمهور الحاضر".
وأشار إلى أن "شكوى الاتحاد العراقي لكرة القدم، واحتجاجه الرسمي، أكدت على تلك التهديدات المتكررة في المباراة، وأهمها تلك الهتافات التي حدثت في الدقيقة (45+1) من الشوط الأول، وأدى ذلك إلى خلق بيئة عدائية داخل أرض الملعب، وأثر سلبا على روح اللعب النظيف، والاحترام المتبادل بين اللاعبين والجمهور".
وبين أن "مثل تلك التصرفات تتعارض مع لوائح الاتحادين الآسيوي والدولي التي تحظر استخدام الرياضة كمنصة لنشر الكراهية، أو التمييز والعنف، والإساءة بأي شكل من الأشكال".
وطالب الاتحاد العراقي، الاتحادين الآسيوي والدولي لكرةِ القدم باتخاذِ الإجراءاتِ اللازمةِ للتَحقيقِ فيما صدرَ من إساءاتٍ وهتافاتٍ عدائيةٍ وعنصريةٍ وسياسيةٍ من قبل الجماهيرِ الحاضرةِ، والتي تضمنت تهديداتٍ مباشرةً للجُمهورِ العراقيّ، بالإضافةِ إلى الإشادةِ بشخصياتٍ مدانةٍ بجرائمَ إبادةٍ جماعيةٍ، وهو أمرٌ يتعارضُ مع لوائح الاتحادين الدولي والآسيوي لكُرةِ القدم التي تحظر استخدامَ الرياضة كوسيلةٍ لنشرِ الكراهيةِ والتمييزِ، وفرض ما يراه مناسباً للعقوباتِ، ونقل مباراة العراق ومضيفه الأردنيّ المُقررة في العاصمةِ الأردنية عمان ضمن الجولة الـ10 من تصفياتِ آسيا المؤهلة لكأسِ العالم 2026 عن المجموعةِ الثانية بتاريخ 10 يونيو المقبل إلى ملعبٍ محايدٍ، أو إقامتها بدون جمهورٍ لحمايةِ المنتخبِ العراقيّ وفقاً للوائح المعمولٍ بها لضمانِ عَدمِ تكرارِ مثل تلك السلوكياتِ، وحماية نزاهة كرة القدم.
وأكد الاتحاد "إننا كُنا في الاتحادِ العراقيِّ لكُرةِ القدم قد أبدينا مخاوفنا مسبقاً للأحداثِ، وما حصلَ في مباراةِ الأردن وفلسطين ضمن تصفياتِ كأس العالم، حيث سبقَ أن قدّمنا شكوى تضمنت مخاوفنا السابقة في رسالةٍ في فبراير الماضي، طالبنا فيها بنقلِ مباراتنا إلى ملعبٍ محايدٍ نظراً للمعلوماتِ الأوليةِ المتوافرة لدينا، وإن الأحداثَ المؤسفةَ التي شهدها ملعبُ المباراةِ أكدت مخاوفنا تلك".
ويُظهر هذا التحرك أن العراق لا يكتفي بالحلول الدبلوماسية الثنائية، بل يسعى لتفعيل القنوات الرياضية الرسمية، حيث يتضح من مطالبة الاتحاد العراقي بفرض عقوبات على المسؤولين عن الهتافات، ونقل مباراة العراق والأردن إلى ملعب محايد، أو إقامتها بدون جمهور، أن بغداد ترغب في ضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث، علاوة على أنها تسعى للحصول على موقف رسمي من الهيئات الرياضية الدولية.
وفي المقابل، فإن الموقف الأردني المتمثل في نفي وزير الخارجية أيمن الصفدي صحة مقطع الفيديو، ووصفه بأنه " مزيف"، يكشف عن محاولة لتخفيف حدة التوتر وتجنب التصعيد.
ولكن، سرعان ما أصدر الاتحاد الأردني لكرة القدم بيان اعتذار رسمي، وقال إنه "مفبرك" في خطوة تعد إيجابية نحو احتواء الأزمة وتهدئة النفوس. ومع ذلك، يبقى السؤال، هل سيكون هذا الاعتذار كافيًا لإرضاء الجانب العراقي؟
وتتداخل في هذه القضية عدة أبعاد، أولها البعد السياسي، إذ تأتي هذه الأحداث في ظل توترات إقليمية متزايدة، مما يثير تساؤلات حول إمكانية استغلال بعض الأطراف لهذه الأحداث لتأجيج الخلافات.
ويعتقد أن لهذه الأحداث تأثير سلبي على العلاقات العراقية الأردنية، خاصة في ظل التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين.
أما البعد الرياضي، فيتمثل في أن تكرار الهتافات المسيئة في الملاعب الرياضية، يشكل تهديدًا للروح الرياضية وقيم التسامح والاحترام، وهذا الأمر ويستدعي ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة من قبل الهيئات الرياضية، لمنع تكرار مثل هذه الأحداث.
وأخيرًا، البعد الإعلامي، حيث يلعب دور وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم الأحداث ونشر مقاطع الفيديو المسيئة، مما يؤكد على ضرورة التحقق من صحة المعلومات قبل نشرها، وهذا الأمر يستدعي ضرورة وجود ميثاق شرف إعلامي، يضمن عدم نشر مواد تثير الكراهية والعنف.
وتعتبر هذه الأحداث اختبارًا للعلاقات العراقية الأردنية، وقدرة البلدين على تجاوز الخلافات، ويتطلب ذلك إجراء تحقيق شفاف، ومحاسبة المسؤولين عن الهتافات المسيئة. كما يستوجب من الهيئات الرياضية الدولية اتخاذ إجراءات رادعة، لمنع تكرار مثل هذه الأحداث في المستقبل.