السعودية تدعم البرهان بإنشاء مجلس تنسيق لتعزيز التعاون مع السودان

مكة المكرمة – يمثل لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان في مكة المكرمة حدثًا ذا دلالات متعددة، ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين، بل أيضًا على مستوى الديناميكيات الإقليمية والدولية المتعلقة بالأزمة السودانية.
وتأتي هذه الزيارة في توقيت بالغ الأهمية، حيث تشهد الأوضاع في السودان تطورات متسارعة، وبعد أيام فقط من إعلان البرهان السيطرة على الخرطوم.
وتعكس هذه الزيارة دعمًا سعوديًا واضحًا للبرهان في هذه المرحلة الحرجة، وتؤكد على دور المملكة المحوري في المنطقة، كما تضفي اعترافا بشرعية البرهان وحكومته.
وقالت وكالة الأنباء السعودية "واس" إن ولي العهد استقبل رئيس مجلس السيادة في قصر الصفا بمكة الجمعة واستعرض معه "مستجدات الأوضاع في السودان، والجهود المبذولة تجاهها بما يحقق الأمن والاستقرار" له.
وأضافت أن الجانبان بحثا كذلك "آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين، وتم التوافق على إنشاء مجلس تنسيق يُعنى بتعزيز العلاقات الثنائية في شتى المجالات".
ويمثل لقاء البرهان والأمير محمد بن سلمان خطوة مهمة في تعزيز العلاقات السعودية السودانية، وتأكيد الدور السعودي المحوري في الأزمة السودانية، فيما يعكس إنشاء مجلس التنسيق رغبة مشتركة في بناء علاقات استراتيجية مستدامة، تخدم مصالح البلدين والشعبين.
ولعبت السعودية دورا في محاولة إحلال السلام بين الفرقاء السودانيين واستضافت مباحثات أسفرت في مايو 2023 عن توقيع إعلان جدة، الذي يقضي بالتزام جميع الأطراف بحماية المدنيين في السودان. لكن الجيش السوداني أصر فيما بعد على التصعيد العسكري، رغم الضغوط الدولية.
ويواصل البلدان تعزيز التعاون من خلال المباحثات والتنسيق المستمر في مختلف المجالات، بدءًا من إعادة إعمار السودان إلى دعم المشروعات الإنسانية والخدمية، فضلاً عن تشجيع الاستثمارات والتبادل التجاري بين البلدين.
وتعكس زيارة البرهان استمرار اهتمام المملكة بالوضع في السودان، وحرصها على تحقيق الاستقرار في المنطقة، في وقت تريد السعودية أن تثبت للعالم أنها قادرة على قيادة المنطقة العربية نحو الاستقرار، حيث يشكل التعاون الاقتصادي والإنساني محورًا أساسيًا في العلاقات السعودية-السودانية، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها السودان.
وتأتي زيارة البرهان بعد يوم واحد من لقائه وفدا سعوديا الخميس لبحث تنفيذ مشروعات خدمية عاجلة ضمن جهود المملكة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب الأهلية في السودان، كما تم التباحث حول تعزيز التعاون بين البلدين في قطاعات التعليم، والصحة، والطاقة، وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة في مختلف مناطق السودان. وفق وكالة الأنباء السودانية الرسمية دون أن تذكر أعضاء الوفد لكنها قالت إنه يضم ممثلين لوزارة الخارجية السعودية ومؤسسة الملك سلمان للإغاثة وصندوق التنمية السعودي.
ونقلت الوكالة عن البرهان أنه "ثمن العلاقات السودانية السعودية، ووصفها بأنها متميزة"، وأشار إلى "مواقف القيادة السعودية الداعمة للسودان ووقوفها مع الشعب السوداني وتقديم المساعدات الإنسانية والعون له، وحرصها على سيادة ووحدة واستقرار السودان".
وكشف وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم عن طلب بلاده دعما من السعودية لإعادة تشغيل مطار الخرطوم، في إطار الجهود المبذولة لاستئناف الحياة الطبيعية وسط التحديات الاقتصادية والخدمية التي يواجهها السودان حاليًا.
وأكد جبريل أن تشغيل مطار الخرطوم يعد خطوة محورية لتسهيل حركة النقل والتجارة والإغاثة، مما يُسهم في التعافي الاقتصادي واستعادة الاستقرار في البلاد، مشيرًا إلى أهمية التعاون مع المملكة في هذه المرحلة الحساسة.
تأتي هذه الزيارة في ظل تنافس إقليمي ودولي على النفوذ في منطقة القرن الأفريقي، مما يزيد من أهمية الدور السعودي في السودان، حيث تحرص السعودية على الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ومنع أي تدخلات خارجية قد تزعزع الاستقرار.
ومنذ أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا دامية أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، ونزوح أو لجوء نحو 15 مليونا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية، فيما قدّرت دراسة لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا. كما تسببت الحرب في تدمير كبير للبنية التحتية، ما جعل الحاجة إلى الدعم الدولي أكثر إلحاحاً.
وفي الآونة الأخيرة، تراجعت قوات الدعم السريع في عدة ولايات، بينها الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وشمال كردفان وسنار والنيل الأزرق. ومن أصل 18 ولاية، لم تعد الدعم السريع تسيطر سوى على جيوب غرب وجنوب مدينة أم درمان غربي الخرطوم، وأجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان. كما تسيطر الدعم السريع على 4 ولايات في إقليم دارفور (غرب)، بينما يسيطر الجيش على الفاشر عاصمة شمال دارفور الولاية الخامسة في الإقليم.
وتؤكد قوات الدعم السريع أنها لم تخسر معركة الخرطوم وأنها تقوم بإعادة التموضع وانفتاحها على جبهات القتال مهددة باسترجاع ما خسرته من مواقع.
والأربعاء الماضي، زار البرهان القصر الجمهوري ومطار الخرطوم الدولي بعد تحريرهما من قوات الدعم السريع، بحسب تقارير إعلامية رسمية.