تعيين أسامة الرفاعي مفتيا عاما لسوريا يعكس تحولات دينية وسياسية

دمشق - عيّن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مساء الجمعة الشيخ أسامة الرفاعي مفتيا عاما لسوريا، وهو أحد أبرز المشايخ المعارضين للرئيس السابق بشار الأسد، وذلك في خطوة تعكس التغيرات السياسية والدينية التي تشهدها البلاد.
ويمثل هذا التعيين حدثًا محوريًا في المشهد السوري وتحولًا جذريًا في بنية السلطة، حيث يتم تكريم شخصية معارضة لنظام الأسد، مما يشير إلى قطيعة مع الماضي.
كما يمثل خطوة نحو بناء نظام سياسي جديد أكثر شمولية وتمثيلًا لتنوع المجتمع السوري، حيث يوجه رسالة إلى المعارضة السورية بمختلف أطيافها، مفادها أن الإدارة الجديدة تسعى إلى تحقيق مصالحة وطنية حقيقية ودمج مختلف الأطياف في بناء سوريا الجديدة.
ووقع الشرع على قرار التعيين في القصر الجمهوري خلال مؤتمر تشكيل مجلس الافتاء الأعلى بحضور أعضائه.
والشيخ الرفاعي هو دمشقي من مواليد 1944، وابن الداعية الشهير عبدالكريم الرفاعي. وتتلمذ على أيدي كبار علماء دمشق، واعتنى بدراسة اللغة العربية والفقه الشافعي وعرفه بخطابه الديني المعتدل.
ولم يخفِ الرفاعي موقفه المناهض لنظام الأسد منذ انطلاقه شرارة الاحتجاجات عام 2011، وتعرّض للضرب عقب إحدى خطب الجمعة عام 2011، إذ اقتحمت قوات الامن المسجد الذي كان يخطب فيه ويحمل اسم والده، وضربت المتظاهرين واعتقلت عددا كبيرا منهم. وغادر الشيخ سوريا بعد هذه الحادثة بفترة وجيزة.
وشغل الرفاعي رئاسة المجلس الإسلامي السوري الذي أنشأه عدد من العلماء والدعاة عام 2014 في اسطنبول، ومكث في المدينة التركية إلى أن أطيح بنظام الأسد، إذ عاد إلى دمشق حيث حظي باستقبال شعبي كبير.
وألقى المفتي الجديد أسامة الرفاعي كلمة بعد انتهاء مراسم التعيين، وقال "أؤكد على الإخوة أبناء الشعب السوري (...) إذا تشككوا في أمر من الأمور أنه حرام أو حلال فلا يقدموا عليه ولا يهجموا عليه إلا أن يتوجهوا بالسؤال إلى دار الإفتاء".
وقال الشرع في كلمة مقتضبة "يتولى هذا المنصب اليوم رجل من خيرة علماء الشام ألا وهو الشيخ الفاضل أسامة بن عبدالكريم الرفاعي".
وأضاف "ينبغي أن تتحول الفتوى إلى مسؤولية جماعية من خلال تشكيل مجلس أعلى للإفتاء تصدر الفتوى من خلاله"، مؤكدا ضرورة "ضبط الخطاب الديني المعتدل الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة مع الحفاظ على الهوية ويحسم الخلاف المفضي إلى الفُرقة".
ويبدو أن الشرع يسعى من خلال خطابه إلى رأب الصدع وتوحيد الصف السوري في مواجهة تحديات المرحلة الانتقالية، وذلك بتأكيده على الخطاب الديني المعتدل.
وتسعى الإدارة السورية الجديدة إلى إعادة تعريف الهوية الوطنية على أسس التسامح والتعايش، وهو أمر يعد ضروريًا لتجاوز الانقسامات الطائفية والمذهبية التي عمقت الأزمة السورية.
ويشير تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى إلى رغبة الإدارة الجديدة في إعادة هيكلة المؤسسة الدينية، وجعلها أكثر تمثيلًا وتفاعلًا مع قضايا المجتمع، لضمان استقلالية المؤسسة الدينية عن التدخلات السياسية.
ويأتي التعيين في مرحلة انتقالية حساسة، حيث تواجه سوريا تحديات كبيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن يبقى نجاح هذه الخطوة مرتبطًا بقدرة الإدارة الجديدة على ترجمة هذه التوجهات إلى واقع ملموس، وتحقيق المصالحة الوطنية، وبناء سوريا الجديدة.
وقاد الشرع هيئة تحرير الشام التي تزعمت تحالف فصائل مسلحة أطاحت في هجوم خاطف نظام الأسد في ديسمبر.
وعُرفت هيئة تحرير الشام بخطها السلفي الجهادي، وقد أعلنت الإدارة السورية الجديدة حلها مع بقية الفصائل المسلحة في مؤتمر "إعلان انتصار الثورة السورية" في يناير.
وكان الأسد قد ألغى بمرسوم رئاسي منصب "مفتي الجمهورية" الذي شغله الشيخ بدرالدين حسون، وعوضه بمجلس فقهي تابع لوزارة الأوقاف في نوفمبر 2021.
وأثار القرار حينها جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما أنه اعتبر وقتذاك أنه لا يصبّ في مصلحة المفتي السابق حسون الذي شغل المنصب بين عامي 2004 و2021، وعرف بمواقفه المؤيدة للأسد.
وعاد المفتي السابق إلى الواجهة بعد ظهوره معصوب العينين في مطار دمشق الدولي عقب توقيفه خلال استعداده لمغادرة البلاد هذا الأسبوع.
لم تؤكد السلطات توقيف حسون، إلا أن ابنه وأفراد عائلته أكدوا ذلك عبر حساباتهم الشخصية.
ويثير توقيف حسون تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الإدارة الجديدة ورموز النظام السابق، وما إذا كانت هناك توجهات لمحاسبة المسؤولين عن تجاوزات الماضي، الأمر قد يؤثر على مسار المصالحة الوطنية، ويتطلب إدارة دقيقة لتجنب تأجيج التوترات.